الخيارات الدستورية في ظل قيام الدولة الفلسطينية المستقلة

28 تشرين الثاني 2000

كان من الممكن والمتوقع قيام الطرف الفلسطيني بالاعلان عن تجسيد الدولة الفلسطينية في أي وقت خلال الفترة القريبة السابقة، وحدوث ذلك أثناء الانتقاضة قد يؤدي الى عدم وضوح القاعدة الدستورية التي سيتم قيام الدولة على أساسها. إن اغفال القاعدة الدستورية للدولة قد تكون له نتائج سلبية على طبيعة النظام السياسي الفلسطيني وخاصة على ضوء الانهيار الحاصل على شرعية العملية السلمية وما انتجته على الارض. وفي الوقت ذاته فغن هناك اختلافات بين الفلسطينيين حول الوضع الدستوري الراهن، كما أن هناك اختلافات حول الترتيبات الدستورية المطلوبة بين مؤيدين للقانون الاساسي باعتباره قد حصل على اصوات اغلبية المجلس التشريعي وهو بالتالي يعبر عن إرادة الشعب، ومؤيدي اعلان دستوري من صفحة واحدة باعتبار ان الوقت المتاح لنا ضيق للغاية، ومؤيدي تبني دستور مؤقت تقوم الآن لجنة الدستور بصياغته ويوجد بين أيدينا أحدث مسودة منه.

ان الهدف من هذا اللقاء هو مناقشة الخيارات الدستورية المتاحة التي تم ذكرها وغيرها من الافكار. السؤال الذي نريد الاجابة عليه هو: هل نريد دولة ذات شرعية ثورية فنخلق نظاما كالجزائر مثلا؟ أم نريد دولة ذات شرعية دستورية واضحة ومفصلة فنخلق بالتالي نظاما سياسيا ديمقراطيا. ويجب ان لا يثنينا الوضع الحالي عن التطلع لمستقبل مستقر نقيم فيه دولتنا على أسس ديمقراطية سليمة.

المتحدث الاول هو د. أحمد الخالدي الذي استعرض رأيه حول ضرورة تبني الاقتراح الذي تعمل على دراسته لجنة الدستور. وتحدث حول التغير الجذري لمشروعية السلطة التنفيذية في ظل الظروف الراهنة ومن ثم الخيارات الدستورية في ظل قيام الدولة الفلسطينية، ووضح أن الدولة وإن كانت منقوصة السيادة وتوفرت اركانها لها الحق في تنظيم امورها ووضع قوانينها والدفاع عن مصالحها بالطريقة التي تراها مناسبة. وانهيار عملية السلام يتطلب البحث عن اساس جديد للدستور والاسس التي يستند اليها، فيما اذا كان في نطاق مبادىء اتفاق اوسلو أم سيعاد الامر الى النصاب الطبيعي باعتبار الشعب هو صاحب السيادة في كافة دساتير العالم ويمارس السلطة وفق ما يحقق مصالحه.

مشروع الدستور يأتي ليجسد شرعية جديدة للشعب الفلسطيني لتنظيم أموره وفق ما يراه مناسبا ودون رهن هذه الارادة باعتراف الطرف الاسرائيلي، والاتجاه هو لوضع دستور مكتوب ينظم السلطة ويسندها الى ارادة الشعب لا الى الاتفاقيات، وهذا الاتجاه هو الغالب في معظم أنظمة العالم الدستورية. وكثير من دول العالم قد أصدرت دستورها في ظل الاحتلال كالاردن وليبيا وماليزيا وكانت تؤسس لدولة، وهناك كثير من القيود على الحقوق والحريات في الموروث الدستوري والقانوني الفلسطيني، كقوانين الطوارىء التي يمكن التخلص منها بدستور ينص على توسيع الحقوق والحريات بالاستناد على المواثيق والمعاهدات الدولية التي نظمت حقوق وحريات الافراد ليكون خلفية لهذا الدستور. هذا الامر لا يكفي اعلان دستوري لتحقيقه والسلطة تحتاج الان الى مأسسة دستورية لتجسيد هذا التغيير في الواقع الذي انهى عمليا اتفاقية أوسلو وفرض مشروعية جديدة للشعب الفلسطيني تجسيدا لقرارات الامم المتحدة باعتبار الشعب الفلسطيني شعب له الحق في تقرير مصيره. ومن الضروري ان تتجسد هذه المؤسسات في دستور ليكون في المجال الخارجي يعبر عن قيادية واستقلالية هذا الدستور.

قدم د. أحمد أهم القواعد والمبادىء التي قام عليها مشروع الدستور الفلسطيني، الاسس التي يقوم عليها والحقوق والحريات والواجبات لافراد المجتمع وعليهم بشكل تم التركيز فيه على توسيع حقوق وحريات الافراد وضماناتها لتجاوز الموروث الدستوري السابق الذي كان يحد من هذه الحقوق ويضع عليها قيودا كثيرة لخدمة السلطة القائمة آنذاك. اضافة الى عرض صلاحيات السلطات في الدولة والمهام الرئيسية لها. ولخص بهذا اساس المشروعية الجديدة التي يرى ان يتم تأسيس الدولة الفلسطينية عليه، والدستور يأتي الى تجسيد الارادة الجديدة للانتقال من الارادة الخارجية الى ارادة الشعب الفلسطيني.

أمين مقبول: اشار الى نقطتين، الاولى هي المصادر المشرعة لاعلان اقامة الدولة الفلسطينية، والثانية هي هل نحن بحاجة الى دستور بالضرورة لاعلان الدولة الفلسطينية في المرحلة المنظورة ام لا.

بالنسبة للمصادر المشرعة رأى ان اوسلو ليست مصدرا مشرعا وليست أيضا مصدرا مانعا لمثل هذا الاعلان، وان المصدر المشرع هو ارادة الشعب الفلسطيني برغبته وفق قوانين الشرعية الدولية وحق الشعوب في تقرير مصيرها، ووفق كثير من القوانين الدولية التي تعطي الشعب الفلسطيني حقه في اعلان مرحلة وتستند الى ان المرحلة التي نعيشها حاليا قد تجاوزت اوسلو والمرحلة الانتقالية وتم القفز عن كثير من قيود هذه المرحلة في اعلان الدولة وبسط السيادة مما يزيل العقبات التي تصورنا انها تعيق اعلان الدولة، واعلان الدولة اصبحت قضية وطنية مع ابعادها العربية والدولية ووفق قرار الشعب الفلسطيني وفق ما يراه مناسبا من معطيات تمكن هذه الدولة من الاستمرار والوجود والاعتراف الدولي.

بالنسبة للدستور هناك جدل حول وجود دستور او مجموعة قوانين تتناول كل القضايا التي من الممكن ان يتناولها الدستور ويطلق عليها القانون الاساسي او النظام الاساسي. وخصوصية الوضع الفلسطيني لكونها حالة متميزة لا تشابه بينها وبين حال حركات تحرر وطني في كثير من دول العالم، والقرارات الدولية التي تدخلت في الموضوع الفلسطيني جعلها حالة اكثر تعقيدا من الحالات الاخرى. ووجود دستور وما يجب ان يتضمنه من تعريفات كثيرة من حيث حدود الدولة وطبيعة المواطنة وهي مسائل تثير جدلا في أوساط الشعب الفلسطيني الان ولاحقا. اضافة الى ان م ت ف وبرامج الفصائل الوطنية وما اعتمد في الانتخابات التشريعية والذي نص على موضوعة الاحزاب التي ما زالت تحمل اسم حركة تحرر او فصيل اوجهة هذا يمكن ايضا ان يواجه اشكالية. وعليه فرغم ما للدستور من اهمية لاعطاء قوة لموضوع سيادة ودستورية الدولة الا ان به كثير من الثغرات التي يمكن ان تؤثر على هذا الموضوع، وبالتالي رأى ان نستعيض عن الدستور خلال الفترة القادمة ما بعد اعلان الدولة بمجموعة قوانين تعالج كافة القضايا الحياتية التي تتعلق بالنظام والحريات ومعظم ما يجب ان يوجد في الدستور تحت عنوان قوانين تشرع لمعالجة هذه القضايا. وفي المرحلة الحالية فإن اعلان الدولة سيكون اكثر قوة من اي ظرف آخر وأكثر امكانية من اي فترة سابقة.

سحاب شاهين: ان اهمية الموضوع تنطلق من أهمية المرحلة التي يعيشها الشعب الفلسطيني والتي تتميز بمستوى عال من التداخل الجدلي العميق بين المهمات الوطنية والاجتماعية من أجل دولة فلسطينية بعاصمتها القدس، دولة ديمقراطية ذات سيادة غير منقوصة يسود فيها القانون وتصان الحريات العامة، يحترم فيها مبدأ حقوق الانسان ويناضل من أجل الاستقلال الاقتصادي. الا ان السؤال هو هل الوقت مناسب الى موضوع استباق اعلان الدولة بوضع دستور لها، وهل الدولة التي يتفاوض على اعلانها مع الاطراف المعنية بحاجة الى دستور يجسد سيادتها على الارض ضمن حدود جغرافية معترف بها من قبل المجتمع الدولي حسب الاعراف والقوانين الدولية وضمن قرارات الشرعية الدولية، وهل تساعد ماهية الدستور لهذه الدولة على كسب الدعم والتأييد الدولي معنويا وماديا، وهل وضع دستور من قبل أطراف م ت ف يعزز الوحدة الوطنية ومستقبل بناء الدولة الحديثة صاحبة السيادة التي تعني سيادة الدولة على الانسان، الارض، ثرواتها الطبيعية، والسلطة ملك للشعب الفلسطيني الذي هو مصدر السلطات.

لمعرفة الاجابة من المفروض دراسة الواقع السياسي فلسطينيا وعربيا ودوليا والزمن الذي ستعلن فيه الدولة في ظل تحكم قطب واحد في النظام الدولي هو الولايات المتحدة الامريكية المهيمنة على مقدرات العالم باساليب مختلفة وهي المنحازة الى اسرائيل. فكيف يتم تغيير هذا الواقع لكسب تاييد شعوب ودول العالم المتحضر. ومن هنا تاتي اهمية وجود هيئة قيادية على رأسها مثقفون وسياسيون على درجة من الدراية في طريقة التفكير بشعوب أمريكا واوروبا اضافة الى امتلاك برنامج واضح للتأثير. وعليه فإن اعلان الدستور الديمقراطي او القانون الاساسي يكفل الحقوق المشار اليها سابقا، وهو بالضرورة وسيلة اقناع لشعوب الدول الغربية بدورنا الحضاري،  علينا ان نستوعب ان من الواجب ان يسبق اعلان الدولة مثل هذا المفهوم. على المستوى العربي علينا مطالبة الدول العربية بتحديد حدودها مع الدولة الفلسطينية، أما على المستوى الداخلي ونحن نعيش فراغ دستوري في ظل انتهاء المدة القانونية للمراحل الانتقالية لاتفاقيات اوسلو تزداد الاهمية لاعلان السيادة الدستورية لمواجهة المخططات والمشاريع الاسرائيلية لمنع فرض السيادة على الارض الفلسطينية التي ستعلن بحدودها الدولة الفلسطينية حسب قرار 242 والشرعية الدولية، اي الاراضي التي احتلت في 4 حزيران 1967، من هذا الاعلان بالشرعية الدستورية فنحن نعلن سيادتنا على الارض حيث ان التشريع هو افراز داخلي للسيادة وهو فرصة للابتعاد عن التعامل مع الواقع  الذي اوجده اعلان المبادىء وكسر الهيمنة الاسرائيلية. كما ان اعلان الدستور يوضح الاسس العامة التي الواردة في اعلان الاستقلال عام 1988، وفي اعلان الدستور تحديد للوضعية النهائية للنظام السياسي الفلسطيني، وعليه يرتكز سير المفاوضات من اجل اعلان الدولة المستقلة ذات السيادة، ويبعدنا عن منطلق اسرائيل في التدخل في اعلان الدولة الفلسطينية ومفهوم الحكم الذاتي. ومن هنا من المهم ان يستند الدستور الفلسطيني الى رزمة من القوانين القادرة على دفع التقدم الحضاري اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا بحيث تكون نابعة من واقعنا ما امكن حتى يكتب لها الديمومة، لمناقشة ادق التفاصيل الحياتية لمستقبل الشعب الفلسطيني بجرأة وشجاعة وشفافية يجب ان يكفلها الدستور الفلسطيني العصري الديمقراطي يجنبنا الكثير من الويلات ويمنحنا احترام العالم.

نايف جراد: يثير موضوع الورشة جدلا في الساحة الفلسطينية منذ فترة وربما ان عنوان اليوم متأخر قليلا لأنه تم اتخاذ قرارات فلسطينية لهيئات قيادية حسمت هذا الموضوع بالاعلان عن اعلان دستوري للدولة الفلسطينية سيعلن عن بسط سيادتها. رغم مشاطرته الرأي للمحاذير الكثيرة التي تم الحديث عنها حول اهمية دخول مرحلة الدولة بدستور وليس باعلان دستوري سياسي. فالاعلانات مثلا تبقي على تركيز السلطة التنفيذية، وربما لا تضع ضوابطا للفصل بين السلطات ولا تضع ضمانات للمساءلة وضمان الحريات وحمايتها وغيرها التي من شأن اصدار دستور أن يوضحها ويضمنها اكثر. لكن هناك ايضا محاذير للأخذ بدستور كما يرى ايضا. وللدستور طرق عدة لاقراره، فإما ان يقر من الحاكم او بالتعاقد او عبر الاستفتاء الشعبي أو هيئة تأسيسية، ولا يرى هنا اننا امام افق لتنظيم استفتاء شعبي او تشكيل هيئة تأسيسية لمناقشة الدستور وإقراره. ومن هنا رأى ان يتم اعداد اعلان دستور يشكل مزجا ما بين اعلان وثيقة الاستقلال والقانون الاساسي للسلطة مشددا ومخلصا من القيود التي فرضتها الالتزامات والاتفاقيات، وأمور أخرى جديدة تضاف اليها من مشاريع الدساتير المعدة يكون بمثابة مادة تخلصنا من المحاذير التي تم الحديث عنها، بمعنى ان ترد فيها نصوص ومواد لضمان الحريات وفصل السلطات ولا يكون دستورا، بل سيصدر عن المجلس المركزي الفلسطيني باعتباره هيئة تقريرية تنوب عن المجلس الوطني، ويدعو مثل هذا الاعلان الدستوري الى تشكيل جمعية تاسيسية لاعداد مسودة نهائية للدستور تمهيدا لعرضها على استفتاء شعبي لاقراره وعرضها قبل ذلك على هيئة تنفيذية منتخبة هي المجلس الوطني او برلمان الدولة الفلسطينية المنتخب.

 الجهد السابق المبذول مهم جدا، كمسودات الدساتير التي يجب أن تبقى موجودة ومن الضروري تعزيز النقاش حولها في الشارع الفلسطيني وفي كافة المؤسسات لتخرج من اطار بعض المؤسسات والاكاديميين الى نطاق اوسع من أجل المساهمة في تشكيل جمعية تأسيسية فلسطينية اوسع بالتالي ايجاد نقاش وطني عام يعبر فيه الشعب الفلسطيني عن رأيه، مع التشديد على عدم الانشداد الى اي اتفاقيات مع الطرف الاخر تكبل السيادة وقد تحد من الحقوق الطبيعية والمشروعة للشعب الفلسطيني على كامل ارض فلسطين. ولم يعتبر الدستور شرطا رئيسيا لقيام الدولة واورد مثال اسرائيل التي لا تمتلك دستورا حتى الان.