كانون ثاني (يناير) 2018

هل يساهم الرأي العام في تعزيز أم في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي؟  

خليل الشقاقي وداليا شيندلين

 

 

 

 

 

نبض الرأي الفلسطيني-الإسرائيلي هو مشروع بحثي مشترك قام بإجرائه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله بالتعاون مع معهد الديمقراطية الإسرائيلي ومركز شتايمتز لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومكتب الممثلية الهولندية في رام الله ومكتب الممثلية اليابانية بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في فلسطين. تم إجراء خمسة استطلاعات مشتركة خلال الفترة ما بين حزيران (يونيو) 2016 وحزيران (يونيو) 2018. تراوحت العينة الفلسطينية في هذه الاستطلاعات بين 1270 و2150 فرداً بالغاً وتراوحت العينة الإسرائيلية بين 900 و1600 فرداً بالغاً مع زيادة أحياناً في حجم عينة المستوطنين والمواطنين العرب في إسرائيل، وتراوحت نسبة الخطأ ما بين +/-2.5%-3%.

فحصت الاستطلاعات واختبرت تفاصيل تسوية دائمة شاملة، وحوافز للمعارضين للتسوية، وانطباعات الجمهور لدى الطرفين عن بعضهما البعض، ومستوى الثقة المتبادلة، وسيناريوهات بديلة لحل الدولتين مثل دولة واحدة بحقوق متساوية وكونفدرالية وغيرها.

تم تصميم الاستطلاعات والإشراف عليها من قبل د. خليل الشقاقي، مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية ووليد لدادوة الباحث في المركز والمسؤول عن استطلاعات الرأي ود. تمار هيرمان المدير الأكاديمي لمركز جوتمان في معهد الديمقراطية الإسرائيلية ود. داليا شيندلين ود. إفرايم ليفي من معهد شتايمتز لأبحاث السلام.

 

إن الآراء الواردة في هذا التقرير تعود للمؤلفين فقط ولا تعكس بالضرورة الموقف الرسمي لكل من الاتحاد الأوروبي، ومكتب الممثلية الهولندية في رام الله، وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، ومكتب الممثلية اليابانية في فلسطين.

 

 

هل يساهم الرأي العام في تعزيز أم في حل الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

خليل الشقاقي*   وداليا شيندلين**

*  مدير المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية - **  مركز تامي شتايمتز لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب

 

لو نجح المفاوضون الفلسطينيون والإسرائيليون في التوصل لاتفاق سلام خلال العقدين الماضيين لكان الرأي العام لدى الطرفين مستعداً لتأييد هذا الاتفاق. إن هذا الاستنتاج يبقى على الأرجح صحيحاً اليوم، لكن الحصول على هذا التأييد الشعبي أصبح بالتأكيد أكثر صعوبة وذلك لأن قاعدة التأييد الأولية أضعف مما كانت عليه سابقاَ. لكسب التأييد الشعبي اليوم يحتاج صناع القرار لدى الطرفين لبذل المزيد من الجهد مقارنة بالوضع في فترات سابقة. يحتاج القادة لدى الطرفين لإجراء تعديلات أو إدخال إضافات لاتفاق السلام وسيحتاجون لضمانات من أطراف خارجية أكثر مما احتاجوا سابقاً. لكنهم على الأرجح سينجحون في ظل ظروف مناسبة في الحصول على تأييد الأغلبية لدى الطرفين لاتفاق سلام دائم. بعبارة أخرى، لا يشكل الرأي العام عقبة أمام تحقيق السلام.

لكن ذلك لا يعني أن الرأي العام يشكل قوة دافعة للسلام لدى أي من الطرفين. لن يأخد الجمهور المبادرة لمطالبة قادتهم بتحقيق السلام. على العكس، إن فقدان الأمل بتحقيق السلام الذي يظهر بوضوح لدى الطرفين يشكل عاملاً لاستدامة الصراع أو إطالة أمده. وفي الواقع فإن أعداداً كبيرة من الناخبين لدى الطرفين انتخبت في السابق وتبقى اليوم على استعداد لانتخاب قادة هي أبعد ما تكون عن العمل نحو تحقيق السلام. بعبارة أخرى، فإنه في الوقت الذي لا يشكل الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي عقبة نحو اتفاق سلام فإنه أيضاً غير قادر على الدفع بهذا الاتجاه ما لم يحدث تغيير جوهري في الأوضاع السائدة حالياً.

إن السؤال الذي تمحور حوله هذا البحث الفلسطيني-الإسرائيلي المشترك يتعلق بالمدى الذي يمكن فيه حث مواقف الرأي العام بعيداً عن الاستسلام والتشاؤم وغياب الأمل. استهدف البحث استكشاف الوسائل التي يمكن اللجوء إليها لحمل الرأي العام بأغلبيته على تأييد السلام ومتطلباته الصعبة.

لتحقيق هذا الغرض، قمنا في الصفحات التالية بفحص الأمور التالية:

  • ما الذي حصل لتأييد حل الدولتين ولماذا تراجع خلال العقد الماضي؟
  • ما هي المجموعات السكانية المحددة التي دفعت نحو هذا التراجع؟
  • ما هو شكل الخارطة الراهنة من حيث حجم التأييد لخطة سلام تفصيلية لتطبيق حل الدولتين؟ ما هي البنود التي تشكل العقبة الأكبر وتمنع الطرفان من قبول هذه الخطة؟
  • ما هو مدى تشدد أو مرونة المواقف؟ تشير تجارب سابقة إلى وجود مرونة واضحة يمكن رؤيتها في تغيير المواقف عند حصول تغيرات موازية في السياسات والمواقف التفاوضية. بناءاً على ذلك عملنا خلال فترة هذا البحث على التساؤل عما إذا كانت تلك المرونة لا تزال ممكنة اليوم وما هي التحولات المطلوبة التي يمكنها إحداث التغيير المطلوب لمنع المزيد من التدهور والتراجع في حجم التأييد للسلام، وهل يمكن لنا الوصول لأغلبية تبدي استعداداً لتأييد خطة سلام شامل ودائم في المستقبل.

 

  1. أخبار سيئة: التراجع في تأييد حل الدولتين وأسبابه

تراجع التأييد لحل الدولتين خلال سنوات البحث الثلاثة بشكل متتابع ولدى الطرفين. جاء التراجع بشكل بطيء وتدريجي ولم يكن نتاجاً لانهيار مفاجئ[1] شهد العقد الماضي تشدداً في مواقف الطرفين كما يمكننا رؤيته في الشكل رقم (1) أدناه. تشير هذه النتائج إلى انخفاض في نسبة تأييد حل الدولتين خلال الفترة ما بين 2006 وحزيران (يونيو) 2018 من 71% بين الفلسطينيين إلى 43%  اليوم وإلى انخفاض مماثل بين الإسرائيليين من 68% إلى 49%. تعبر نسب التأييد الراهنة لهذا الحل عن نسب التأييد الأقل بين الطرفين خلال السنتين الماضيتين من نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي وهي أيضاً النسب الأقل خلال فترة زادت عن عشر سنوات من التراجع المستمر في التأييد، بل هي النسب الأقل خلال عقدين من استطلاعات الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي المشتركة.

إن من أكثر الأمور المقلقة حول هذا التراجع في التأييد هو حقيقة أن الشباب بشكل خاص أكثر من أي مجموعة عمرية أخرى يميلون لرفض حل الدولتين. يُظهر الشكل رقم (2) أدناه أن تأييد الشباب بين الأعمار 18-24 سنة هو الأضعف حيث تشير النتائج بين الإسرائيليين اليهود إلى أن نسبة التأييد لا تتجاوز 27% مقارنة بـ 51% بين الذين تزيد أعمارهم عن 55 سنة. أما بين الفلسطينيين فإن الفجوة بين نفس المجموعتين العمريتين أصغر حيث تبلغ 41% بين الأقل سناً و55% بين الأكبر سناً. إن هذه النتيجة التي تظهر مدى أهمية العمر، ذات دلالة بالغة حيث أنها قد تشير إلى أن المستقبل قد يأتي بنسب تأييد أقل مما لدينا اليوم.

تؤكد نتائج أخرى الاستنتاج القائل بأن تأييد الحلول الوسط يمر في مرحلة تراجع. فمثلاً حصل تراجع خلال السنوات الخمسة عشر الماضية لخطة سلام تفصيلية شاملة مبنية على أفكار كلينتون لعام 2000 ومبادرة جنيف لعام 2003 وخلاصة المفاوضات الثنائية في عام 2008 بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس وزراء إسرائيل الأسبق أيهود أولمرت[1].  فمثلاً، بينما بلغت نسبة تأييد خطة السلام هذه في كانون أول (ديسمبر) 2004، بعد وفاة الرئيس ياسر عرفات، 54% بين الفلسطينيين و57% بين الإسرائيليين اليهود فإن المواقف تغيرت في كانون أول (ديسمبر) 2014 حيث بلغ التأييد للخطة ذاتها 38% بين الفلسطينيين و41% بين الإسرائيلين اليهود. وفي حزيران (يونيو) 2018 بلغت نسبة التأييد لخطة مشابهة (لكنها غير متطابقة ) 37% بين الفلسطينيين و39% بين الإسرائيليين اليهود (و46% بين كافة الإسرائيليين عربا ويهوداً). رغم كل ما سبق، فإن من المفيد الإشارة إلى أن نسبة مؤيدي حل الدولتين هي الأعلى لدى الطرفين مقارنة بأي حل آخر.

 

تفسير التراجع في التأييد:

تشير نتائج البحث إلى وجود ثلاثة مصادر لمعارضة حل الدولتين: أولاً، كما في حالات سابقة فإن جزءاً من المعارضة لحل الدولتين يعود لتبني مجموعات محددة لأنظمة قيم تتناقض مع هذا الحل تنبثق عن أيديولوجيات معينة مثل تلك التي تسود بين فئات قومية-دينية وأخرى حريدية شديدة التدين بين الإسرائيليين اليهود وقوى إسلامية في الطرف الفلسطيني. لكن معظم الفلسطينيين، ما يقارب بين 70% هم في الحقيقة أقرب للوطنية العلمانية وليسو بالإسلاميين. كذلك، فإن 80% من الإسرائيليين هم من العلمانيين أو التقليديين وما بين الخمس إلى الربع من المتدينين أو شديدي التدين. مع ذلك، فإن التقليديين يعارضون اتفاق السلام أكثر بكثير من معارضة العلمانيين اليهود ولكن لأسباب أخرى غير تلك التي تدفع بالمتدينين لمعارضة هذا الاتفاق.

ثانيا، إن الانطباعات المتبادلة لكل طرف عن الطرف الآخر هي انطباعات سلبية، فالأقلية فقط تعبر عن الثقة بالطرف الآخر أو تعتقد أن الطرف الآخر يريد السلام. بل إن الأغلبية في كل طرف تعتقد أن الطرف الآخر لا يريد السلام ولا يؤيد حل الدولتين وليس أهلاً للثقة. وفوق كل ذلك، فإن الأغلبية في كل طرف تعتقد أن أهداف الطرف الآخر بعيدة المدى هي إزالة الطرف الآخر من الوجود.

ثالثا، إن التطور الواضح خلال السنتين الماضيتين هو الانخفاض الواضح في نسب الاعتقاد بأن حل الدولتين قابل للتطبيق. يسود اليوم اعتقاد بأنه من غير الممكن التوصل لحل الدولتين نظراً للتوسع الكبير في بناء المستوطنات. ففي حزيران (يونيو)  2018 قالت أغلبية من 56% من الفلسطينيين والنسبة الأكبر من الإسرائيليين (47%) أن حل الدولتين لم يعد حلاً عملياً، ويشكل ذلك زيادة مستمرة في نسبة تبلور هذه الانطباعات لدى الطرفين. وفي الواقع، فإن الاعتقاد بواقعية وإمكانية هذا الحل هو واحد من أهم مصادر التأييد لحل الدولتين ولقبول خطة سلام تفصيلية لتطبيق هذا الحل. إن الانخفاض في نسبة الاعتقاد بواقعية وعملية حل الدولتين يسيرا جنباً إلى جنب مع الانخفاض في تأييد هذا الحل وذلك كما يظهر في الشكل التالي.

إن الانخفاض في كل من نسبتي الاعتقاد بإمكانية/عدم إمكانية حل الدولتين وتأييد/معارضة هذا الحل يتضح عند النظر في اتجاهات الرأي العام الإسرائيلي حيث أن هناك انخفاض واضح في هذين المؤشرين بين الجمهور المؤيد لليسار والعلمانيين وبدرجة ما بين الوسط بشكل أكبر مما هي الحال بين مؤيدي اليمين الذين كانت نسبة تأييدهم لهذا الحل منخفضة وبقيت بدون تغيير خلال فترة البحث. إن هذه المجموعات من اليسار والعلمانيين لا تعارض حل الدولتين بناءاً على أسباب أيديولوجية لكن انطباعاتهم بأن هذا الحل لم يعد عملياً هي التي تدفعهم لعدم تأييد هذا الحل لأنهم فقدوا الأمل بحدوثه.

 

(2) من أين تأتي المعارضة لحل الدولتين:

يشكل الإسرائيليون اليوم معارضة أشد لبعض جوانب حل الدولتين فيما يشكل الفلسطينيون معارضة أشد لجوانب أخرى. ففي الجانب الأكثر عمومية يميل الإسرائيليون لقناعة ورضا بالوضع الراهن من استمرار الاحتلال فيما يميل الفلسطينيون لرفض هذا الوضع. تبدو الفجوة بين الطرفين واضحة عند النظر في إجاباتهما عن السؤال المتعلق بتقييم الأوضاع العامة والحياة في فلسطين وإسرائيل. يظهر الإسرائيليون الرضا حيث يقول النصف أنها جيدة أو جيدة جداً فيما تقول نسبة من 18%، حسب استطلاع حزيران (يونيو) 2018، إن الإوضاع سيئة أو سيئة جداً، وتقول البقية أنها وسط أو بين بين. أما بين الفلسطينيين فإن نسبة من 15% فقط تقول بأن الأوضاع جيدة وتقول الغالبية (62%) أنها سيئة. كلما كان الإسرائيليون راضين عن الأوضاع فإنهم يميلون لتأييد القوى اليمينية وسياساتها. يقول معظم الإسرائيليين، بما في ذلك قوى الوسط، بأنهم يعارضون تفكيك المستوطنات وهو أحدى البنود الأساسية لأي اتفاق سلام.

في المقابل يظهر الفلسطينيون مرونة في إحدى القضايا الأكثر حساسية للإسرائيليين، أي الديمغرافيا والحفاظ على الأغلبية اليهودية. يقول حوالي نصف الفلسطينيين بأنهم مستعدون للقبول بتسوية سلمية دائمة تسمح بعودة مائة ألف لاجئ فقط، بدلاً من ستة ملايين، لداخل إسرائيل. ولكن من جانب آخر فإن الأغلبية الفلسطينية تعارض اعترافاً متبادلاً بالدولتين كوطنين لشعبيهما وتطالب الأغلبية بقبول إسرائيلي لمبدأ حق العودة للاجئين وهو مطلب يواجه بمعارضة إسرائيلية قوية. كما أن الانقسام الفلسطيني الداخلي بين حماس وفتح وقطاع غزة والضفة وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على إحداث انتقال للديمقراطية والتعددية يشكلان عقبات في طريق بناء الثقة مع المجتمع الإسرائيلي.

عند النظر للبنود المحددة للتسوية القائمة على أساس حل الدولتين، وذلك بناءاً على جولات المفاوضات السابقة، وعند فحص الفجوات بين مواقف الطرفين من هذه البنود فإن الأنماط التالية تبدو واضحة حيث تسود حالة من الاستقطاب أو الرفض المتبادل:

 

  • نزع سلاح الدولة الفلسطينية: حيث يؤيد ذلك 59% من الإسرائيليين مقابل رفض فلسطيني واسع النطاق وقبول لا يتجاوز 20%
  • الترتيبات المتعلقة باللاجئين: حيث تقول نسبة من 48% من الفلسطينيين أنها تؤيد ذلك فيما لا تزيد نسبة التأييد بين الإسرائيليين اليهود عن 21%.
  • تقسيم القدس على أساس عاصمتين لدولتين: يحوز هذا البند على تأييد ضئيل من الطرفين حيث يتراوح التأييد بين الخمس والربع لدى الطرفين وتقول الأغلبية أنها تعارضه.
  • وحتى بالنسبة للمسألة الأساسية المتعلقة بالحدود وتبادل الأراضي المتساوي فإن نسبة القبول لدى الطرفين ضئيلة وإن كانت أكبر من نسبة قبول البند المتعلق بالقدس.

 

(3) إشارات مشجعة: لماذا لا يشكل الرأي العام عقبة أمام السلام؟

بالرغم من أن نقطة الانطلاق نحو البحث عن التأييد للسلام ولحل الدولتين ليست مشجعة فإن هناك ثلاثة مؤشرات إيجابية ذات مغزى: يبقى الجمهور مفضلاً للخيار الدبلوماسي مقارنة بغيره من الخيارات، ولا توجد فكرة أو خطة أكثر قبولاً لدى الجمهور من حل الدولتين، ويمكن لحوافز واقعية أن تزيد بشكل فعال من نسبة التأييد للحلول الوسط.

أولاً، بالرغم من النتائج المخيبة للآمال فيما يتعلق بمضمون السلام، فإن الجمهور يميل لتفضيل خيارات سلمية على غيرها من الخيارات كوسيلة لتحقيق السلام. أشارت نتائج استطلاع حزيران (يونيو) 2018 إلى أن 41% من الفلسطينيين و45% من الإسرائيليين يفضلون التوصل لاتفاق سلام كأفضل وسيلة لتغير الوضع الراهن. قالت نسبة من حوالي ربع الفلسطينيين (27%) وخمس الإسرائيليين أنها تفضل العنف أو الكفاح المسلح كأفضل وسيلة للتغيير. مع ذلك ينبغي ملاحظة المخاطر هنا، فقد ارتفعت نسبة الإسرائيليين الذين يعتقدون أن "حربا حاسمة" هي الأفضل بثماني نقاط مئوية خلال عام واحد، بين حزيران (يونيو) 2017 وحزيران (يونيو) 2018. كذلك، ارتفعت نسبة الفلسطينيين الذين يفضلون الانتفاضة المسلحة بشكل حاد في كانون أول (ديسمبر) 2017 قبل أن تهبط بشكل كبير في حزيران 2018. تظهر هذه النتائج مدى سرعة التقلب في مواقف واعتقادات الجمهور وقابلية العودة السريعة لتأييد الأعمال المسلحة، ومن المرجح أن المواجهات المسلحة نفسها قادرة على تغيير أفضليات الجمهور ودفعها لـتأييد العنف.

أما المؤشر الإيجابي الثاني فيكمن في حقيقة كون حل الدولتين هو الأكثر قبولاً من أي حل آخر لدى جمهور الطرفين. كما يظهر الشكلان التاليان فإن البدائل لهذا الحل، (مثل حل الدولة الواحدة الديمقراطية، أو حل الدولة الواحدة ذات النظام العنصري، الذي يتحكم فيه طرف بالأرض كافة فيما ينكر ذلك على الطرف الآخر، أو الطرد، حيث يقوم طرف بطرد الطرف الآخر من البلاد كافة) تبقى أقل قبولاً لدى الطرفين من حل الدولتين. يتضح من النتائج أن القاعدة الأساس الأكثر تأييداً من بين البدائل الممكنة لدى كل طرف (أي هؤلاء الذين يؤيدون هذا البديل ولا بديل غيره) هي أقل في الحجم من نصف الجمهور المؤيد لحل الدولتين (حيث تبلغ نسبة هذه القاعدة الأساس 19% بين الإسرائيليين اليهود (المؤيدة لحل الدولة الواحدة الديمقراطية) مقابل 43% يؤيدون حل الدولتين، وتبلغ نسبة هذه القاعدة الأساس 17% بين الفلسطينيين (وهي تؤيد خيار الطرد) مقابل 43% يؤيدون حل الدولتين.

عند فحص النتائج في الطرف الفلسطيني نجد أن حل الدولتين هو الأكثر تأييداً من البدائل الأخرى في كلتا الضفة وقطاع غزة. كما أنه الحل المفضل أكثر من غيره بين مؤيدي كافة الفصائل والأحزاب باستثناء حركة حماس (حيث قالت النسبة الأكبر من مؤيدي حماس في عام 2018 أنها لا تفضل أي من الخيارات، وأيدت خيار الطرد نسبة أعلى قليلاً من نسبة مؤيدي حل الدولتين). كما أن المتدينين بين الفلسطينيين هم أقل تأييداً لحل الدولتين مقارنة مع الأقل تديناً، كما هي الحال بين الإسرائيليين اليهود كما تشير الفقرة التالية.

كذلك، عند فحص النتائج في الطرف الإسرائيلي اليهودي فإننا نجد أن التأييد لحل الدولتين هو الأعلى فقط بين العلمانيين والتقليديين وليس بين المتدينين (حيث يفضل هؤلاء نظام الفصل العنصري أكثر من غيره من الخيارات) وليس بين اليهود شديدي التدين (حيث تبلغ نسبة مؤيدي حل الدولتين بينهم نفس نسبة مؤيدي نظام الفصل العنصري). أما عند النظر إلى التوجهات السياسية، فإن تأييد حل الدولتين هو الأعلى بين اليسار والوسط ولكن ليس بين اليمين حيث يفضل هؤلاء نظام الفصل العنصري أكثر من غيره من الخيارات.

تعزز هذه النتائج الملاحظة التي أشرنا إليها سابقاً من أنه بينما يميل الجمهور لدى الطرفين لتأييد حل الدولتين، فإن الوصول للأغلبية تعترضه أقليات محددة تشكل القاعدة الأساس للمعارضة لدى الطرفين.

أما المؤشر الثالث والأكثر أهمية فيكمن في النتائج الثابتة خلال السنتين الماضيتين التي تشير إلى أنه من الممكن زيادة نسبة التأييد لحل دائم شامل على أساس حل الدولتين وأنه مع هذه الزيادة يمكن الوصول لتأييد ثلثي الجمهور أو أكثر بين الطرفين وذلك عند إعطاء مجموعات مختلفة من الجمهور مصلحة أو مكسباً من وراء نجاح عملية السلام. تشير النتائج إلى أنه بالنسبة للطرف الفلسطيني فإن الحافز الأكثر فاعلية (أي الذي يقنع العدد الأكبر ممن عارضوا خطة السلام عند عرضها عليهم بتغيير موقفهم والقبول بهذه الخطة) يكمن في إطلاق سراح الأسرى الفلسطينيين كجزء من خطة السلام. يمكن لهذا الحافز وحده أن يدفع بأكثر من نصف المعارضين لتغيير موقفهم والقبول بالخطة مما يرفع نسبة التأييد لخطة السلام إلى 70%. كذلك، فإن اكتساب قدرة الوصول لسوق العمل الإسرائيلي وحرية الحركة بين الدولتين لدى الطرفين كفيل أيضاً بتحقيق نتائج مماثلة في زيادة نسبة التأييد. كما تشير النتائج إلى أن الحوافز غير المادية قادرة على تحقيق نتائج مماثلة لتلك التي تحققها الحوافز المادية: فمثلاً، يمكن لاعتراف إسرائيلي بالجذور التاريخية والدينية للفلسطينيين في فلسطين التاريخية أو الاعتراف الإسرائيلي بالهوية العربية والإسلامية للدولة الفلسطينية أن تحقق نتائج مماثلة.

كذلك، فإن اعترافاً إسرائيلياً بالمسؤولية عن خلق مشكلة اللاجئين أو تقديم اعتذار للاجئين عن المعاناة التي مروا بها منذ عام 1948 يمكن لها أن تغير مواقف الكثيرين وتدفعهم لقبول الخطة والحلول الوسط.  أخيراً يمكن للقادة أن يلعبو دوراً بالغ الأهمية في زيادة نسبة التأييد للخطة. فمثلاً يقول ثلث الجمهور المعارض لخطة السلام أنهم على استعداد لقبول الخطة لو قام مروان البرغوثي بالإعراب عن تأييده لها.

أما في الجانب الإسرائيلي فالنتائج مشابهة حيث أن الحوافز المادية وغير المادية تلعب دوراً حاسماً في زيادة نسبة التأييد لخطة السلام ورفعها من الأقلية للأغلبية لتصل للثلثين. من بين الحوافز الأكثر فاعلية ما يلي: تعويضات للإسرائيليين اليهود الذين تركوا أملاكاً وراءهم عندما تركوا بلدانهم العربية للقدوم لإسرائيل بعد عام 1948، إعطاء ضمانات بحرية زيارة الحرم الشريف بعد التوصل لاتفاق سلام، تغيير المناهج الفلسطينية وإزالة أي تحريض ضد اليهود، عقد معاهدة دفاع مع الولايات المتحدة، وإقامة علاقات سلام واعتراف دبلوماسي ومشاريع اقتصادية مع دول عربية. كذلك، فإن استمرار التعاون الأمني الفلسطيني-الإسرائيلي يرفع نسبة التأييد لخطة سلام دائم شاملة إلى حوالي 60%. كما أن تأثير أي اثنين من هذه الحوافز كفيل برفع نسبة التأييد لأكثر من 60%. كذلك الحال بالنسبة للحوافز غير المادية مثل اعتراف فلسطيني بإسرائيل كدولة يهودية، أو اعتراف فلسطيني بالجذور التاريخية والدينية اليهودية في أرض فلسطين التاريخية حيث أن جميعها من ضمن الحوافز الأكثر فاعلية. كذلك الحال بالنسبة لدور القادة حيث أن تأييد نتنياهو للاتفاق كفيل بإقناع 30% ممن عارضوا الاتفاق بتغيير موقفهم والقبول به.


تحسين شروط خطة السلام:

في استطلاعنا الخامس ضمن سلسلة استطلاعات نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي، وهو الاستطلاع الذي أُجري بعد سنتين من التجارب والاختبارات للحوافز المختلفة، قمنا بدمج ثلاثة من الحوافز (التي لاقت قبولاً من الطرفين) في خطة السلام التفصيلية وذلك في اختبار تجريبي أولي لقيمة الحوافز عند دمجها في اتفاق السلام. لا يشكل أي من هذه الحوافز مصدراً للقلق لأي من الطرفين ولهذا لم يكن متوقعاً أن يلاقيا اعتراضاً منهما. على العكس، أظهرت التجارب وجود قبول لهذه الحوافز بين شرائح مختلفة من الطرفين باعتبارها مكسباً لكليهما، وهذه الحوافز هي:

  • ضمان أن تكون الدولة الفلسطينية دولة ديمقراطية
  • إعطاء ضمانات بتطبيق الاتفاق من دول عربية والولايات المتحدة
  • تطبيع كامل للعلاقات بين إسرائيل والدول العربية حسبما جاء في مبادرة السلام العربية

تشير نتائج الاختبار التجريبي الأولي هذا إلى نجاح هذه التجربة في زيادة نسبة التأييد لخطة السلام بين الطرفين. عندما قمنا باختبار الخطة الجديدة المعدلة على نصف العينة فيما قمنا بعرض الخطة الأصلية على النصف الأخر، فإن الخطة المعدلة حازت على تأييد أوسع. فمثلاً، أيدت الخطة الجديدة نسبة من 42% من الفلسطينيين أي بزيادة قدرها خمس نقاط مئوية عن نسبة التأييد للخطة الأصلية؛ أما بين الإسرائيلين فإن أغلبية من 53% (45% فقط بين الإسرائيليين اليهود) أيدوا الخطة المعدلة فيما أيدت نسبة من 46% من كافة الإسرائيليين و39% من الإسرائيليين اليهود الخطة الأصلية. إضافة لذلك، فإن الخطة المعدلة حازت على نسب تأييد أعلى من الخطة الأصلية بين مجموعات مختلفة داخل إسرائيل مثل الذين يصفون أنفسهم بأنهم من الوسط أو المركز حيث ارتفع التأييد من 44% للخطة الأصلية إلى 58% للمعدلة. وحتى بين المجموعات الأكثر تشدداً فإن الخطة المعدلة حصلت على نسب تأييد أعلى. وأشارت النتائج بين الفلسطينيين لفروقات مشابهة لصالح الخطة المعدلة بما في ذلك بين المتدينيين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18-22 سنة.

 

 

تغيير المواقف

قمنا في الاستطلاع الأخير أيضاً بإجراء تجربة أولية ثانية هدفت أيضاً لفحص النتائج التي قد تترتب على دمج المزيد من الحوافز التي كانت قد أثبتت نجاعتها عند تقديمها لأول مرة لكل طرف على حدة. تضمنت هذه التجربة إجراء مزاوجة للحوافز يحصل فيها كل طرف على حافز يرغب فيه مقابل الموافقة على حافز يعطي للطرف الآخر. هدفت هذه التجربة الأولية لاكتساب تصور أكثر واقعية للقيمة المتوخاه من وراء الحوافز التي تتطلب تنازلات صعبة متبادلة: هل تتغير تبعاً لذلك نسب التأييد لخطة السلام الأصلية زيادة أو نقصاناً؟ أم تبقى كما كانت بدون تغيير؟

أشارت النتائج كما كان متوقعاً، إلى أن المكاسب المتحققة من الحوافز المزدوجة كانت أقل من المكاسب المتحققة عندما كانت الحوافز منفردة، أي بدون ثمن مقابل. قمنا في هذه التجربة بسؤال كافة أفراد العينة، المؤيدين والمعارضين لخطة السلام على حد سواء. أجاب البعض من كلا الطرفين بأن الحوافز المزدوجة قد جعلتهم أكثر استعداداً لتأييد الخطة فيما قال البعض الآخر أنها جعلتهم أقل استعداداً لتأييد الخطة. قمنا بناءاً على ذلك باحتساب المكاسب الخالصة لصالح تأييد أو معارضة الخطة وذلك بعد إضافة أولئك الذين قاموا بتغيير موقفهم إلى نسب التأييد والمعارضة الأصلية.

أظهرت عملية الاحتساب هذه أن ستة من الحوافز المزدوجة نجحت في زيادة نسبة تأييد الإسرائيليين للخطة، بل إن أربعة من هذه الحوافز تمكنت من رفع نسبة التأييد لأكثر من 50%. فمثلاً تمكن الحافز المزدوج المتعلق بتغيير المناهج الدراسية الفلسطينية والإسرائيلية معاً من رفع نسبة التأييد الإسرائيلي للخطة إلى 61%.

أما بالنسبة للفلسطينيين فإن هذا الاختبار لم يحقق نجاحاً مثل الذي حققه بين الإسرائيليين، حيث أن اثنين فقط من الحوافز الثمانية نجحا في رفع نسبة التأييد للخطة فوق النسبة الأصلية ولم تكن الزيادة في نسبة التأييد ذات مغزى. إضافة لذلك، فإن نسب معارضة الخطة بقيت أعلى من نسب تأييدها في كافة الحالات. رغم ذلك، فإن هذا الاختبار أكد على صحة استنتاج سابق بأن أقوى الحوافز للطرف الفلسطيني هو المتعلق بالإفراج عن الأسرى الفلسطينيين.

 

الخلاصة والتوصيات:

إن العامل الأكثر تأثيراً في إحداث انخفاض في نسبة تأييد حل الدولتين هو انطباع الجمهور بأن هذا الحل لم يعد عملياً أو ممكناً. عند فحص الأسباب وراء ذلك فإننا نجد أن الإسرائيليين يميلون لرؤية الوضع الراهن بشكل إيجابي مما يدفعهم للرضا عنه والقبول به كما هو. أما بالنسبة للفلسطينيين فإن الاعتقاد بأن التوسع الاستيطاني قد بلغ نقطة اللاعودة وأن الولايات المتحدة قد تخلت عن دورها كوسيط في المفاوضات، وأن الدول العربية لم تعد معنية بالقضية الفلسطينية يدفعهم للقناعة بانعدام الأمل بتحقيق السلام بناءاً على حل الدولتين.

لكن هذه الانطباعات قابلة للتغيير: يمكن مثلاً لخطة سلام أمريكية جادة أن تشكل تذكيراً للإسرائيليين بأنه حتى الرئيس الأمريكي يعتقد بأن التوصل لتسوية سلمية هو أمر لا يمكن الاستغناء عنه.أما بالنسبة للفلسطينيين فإن الخطة الأمريكية لن تكون على الأرجح قادرة على منحهم الاستقلال والسيادة، لكنها قد توفر الفرصة لهم للرد عليها بتقديم اقتراح بديل مقبول عليهم في الوقت الذي تكون الأنظار منصبة عليهم لسماع رأيهم. يمكن بلورة خطة كهذه بالاستفادة من تلك البنود والحوافز التي أثبتت نجاعتها من خلال هذا البحث.

بعبارة أخرى، إن زيادة نسبة الاعتقاد بإمكانية وواقعية حل الدولتين تشكل مفتاحاً للبدء بإحداث التغيير لدى الرأي العام لدى الطرفين.

إضافة لذلك، هناك توصيتين إضافيتين تستحقان المتابعة:  ينبغي تشجيع خطوات أو تطورات إقليمية ذات قدرة على زيادة فرص التوصل لاتفاق أو ذات قدرة على زيادة إمكانية تطبيق هذا الاتفاق. كذلك، فإن تقوية المؤسسات العامة والأهلية المدنية الفلسطينية أمر لا يستهان به، فبالإضافة للفوائد الفورية المتوقعة من وراء ذلك بالنسبة للمجتمع الفلسطيني فإنها تعزز أيضاً من فرص التأييد الفلسطيني والإسرئيلي لحل الدولتين، بل إن ذلك كفيل بجعل ذلك الحل اكثر قدرة على البقاء.

أخيراً، من الضروري استمرار البحث عن حوافز مقبولة لدى الطرفين من خلال أبحاث تجريبية مسحية ذات مضامين سياساتية. إن أفكاراً تجريبية جديدة يتم دمجها في خطة السلام الأصلية أو إجراء تعديلات مقبولة من الطرفين على تلك الخطة الأصلية قد تزيد من فرص قيام القادة بأخذ المبادرة في المستقبل للدفع نحو السلام وخاصة عند وصولهم للقناعة بأن التأييد الموجود لهذا السلام في مجتمعهم وفي المجتمع الآخر كفيل بزيادة فرص النجاح.  

 


[1] تشمل خطة السلام هذه على بنود متشابهة مثل قيام دولة فلسطينية غير مسلحة، وانسحاب إسرائيل لخطوط عام 1967 أو الخط الأخضر، مع تعديلات حدودية متساوية، وجمع شمل عائلات لمائة ألف لاجئ فلسطيني، وجعل القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، وضم الحي اليهودي والحائظ الغربي أو حائط المبكى لإسرائيل والأحياء الإسلامية والمسيحية والحرم الشريف لفلسطين، ونهاية الصراع وكافة الإدعاءات.  

 

[1] تم أخد كافة النتائج من "نبض الرأي العام الفلسطيني-الإسرائيلي"، وهو استطلاع مشترك، فلسطيني-إسرائيلي، بتمويل من الاتحاد الأوروبي ومانحين آخرين. تم تصميم وإجراء هذا المشروع البحثي من قبل المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في رام الله ومركز تامي شتايمتز لأبحاث السلام في جامعة تل أبيب. تم تحليل النتائج من قبل خليل الشقاقي ووليد لدادوة من المركز الفلسطيني وداليا شيندلين ودافيد ريس من مركز شتايمتس يمكن الحصول على كافة النتائج من موقع المركز الفلسطيني:  Http:// http://pcpsr.org/en/nudee/860