تموز (يوليو) 2021

 

التحديات التي اجبرت حركة فتح على تأجيل الانتخابات العامة

 

علاء لحلوح ووليد لدادوه

أصدر الرئيس محمود عباس مرسوما بتاريخ 30-4-2021 يقضي بتأجيل الانتخابات التشريعية التي كان من المقرر عقدها وفق مرسوم سابق أصدره في الخامس عشر من كانون ثاني/ يناير 2021، حيث كان من المفترض ان تبدأ الحملة الانتخابية للانتخابات التشريعية التي كانت ستعقد في 22 أيار القادم. شكل مرسوم تأجيل الانتخابات صدمة لدى اغلبية الجمهور الفلسطيني الراغب بإجراء الانتخابات لغاية إحداث تغيير في الواقع الفلسطيني على صعيد الحكم واستعادة الوحدة وانهاء الانقسام من جهة، ولدى أغلب الكتل الانتخابية التي سجلت للمشاركة في هذه الانتخابات من جهة ثانية. كما شكل صدمة للمجتمع الدولي الذي كان يأمل ان ينتج عن هذه الانتخابات حكومة شرعية تمثل الفلسطينيين كافة. فما هو الأمر الذي دفع الرئيس الفلسطيني لتجاوز كل رغبات الجهات المختلفة من الفصائل والقوائم الانتخابية، والاغلبية الكبيرة من الشعب، ورغبات المجتمع الدولي. تهدف هذه الورقة إلى معرفة التحديات التي أجبرت الرئيس عباس وحركة فتح على تأجيل الانتخابات وكيف يمكنها تجاوزها.

 

مبررات الرئيس المعلنة لتأجيل الانتخابات:

أعلن الرئيس الفلسطيني ان تأجيل الانتخابات جاء حسب قوله "على ضوء قرار اجتماع القيادة الفلسطينية الموسع، الذي شمل اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، واللجنة المركزية لحركة فتح، وقادة فصائل العمل الوطني الفلسطيني، وشخصيات وطنية". وبرر التأجيل بمنع الاحتلال الإسرائيلي إجراء الانتخابات داخل مدينة القدس، حيث قال في خطابه "لا تنازل عن القدس ولا تنازل عن ممارسة الشعب حقه الديمقراطي في القدس"، مضيفا: "إسرائيل قررت قتل العرب بالقدس ولن نسمح لها بذلك". إلا أن هذه المبررات لم تكن كافية لإرضاء الأطراف المختلفة؛ فقد أعرب 65% من الفلسطينيين أنهم يعارضون قرار الرئيس عباس تأجيل الانتخابات العامة، كما قال الثلثان إن قرار التأجيل جاء خوفا من النتائج، وليس من أجل القدس، وذلك حسب استطلاع اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران 2021.[1]كما وصف الاتحاد الأوروبي في بيان له قرار تأجيل الانتخابات الفلسطينية بأنه "مخيب للآمال".[2]

واعتبر رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الفلسطينية إسماعيل هنية، أن أسباب تأجيل الانتخابات غير مقنعة على الإطلاق،

وأكد في كلمة له أن حركته لا تختلف مع حركة فتح ولا مع أي جهة على ضرورة إجراء الانتخابات في القدس "ولكن الخلاف مع الأخ أبو مازن هو أن نرهن قرارنا وإرادة شعبنا إلى الاحتلال الإسرائيلي، أو أن نرضخ لإرادة المحتل، أو أن نستجيب لرغبة هذا الطرف أو ذاك".[3]  كما وصفت حركة حماس  قرار تأجيل الانتخابات بأنه "يمثل انقلابا على مسار الشراكة والتوافقات الوطنية، ولا يجوز رهن الحالة الوطنية كلها والإجماع الشعبي والوطني لأجندة فصيل بعينه".[4]

 

التحديات التي دفعت الرئيس وحركة فتح تأجيل الانتخابات:

لا شك ان المبررات التي قدمها الرئيس وحركة فتح لم تكن هي المبررات الحقيقية وراء تأجيل الانتخابات كما ترى الأغلبية من الفلسطينيين، كما اشرنا سابقا. ولا شك ان الرئيس وحركة فتح كانوا يعلمون ان تأجيل الانتخابات سيجعلها في صدام مباشر مع اغلبية الشعب وأطراف أخرى. ولكن مع ذلك قام الرئيس بتأجيل الانتخابات ما يشير الى ان التحديات التي كانت يواجهها الرئيس وحركة فتح فيما لو جرت انتخابات وما سيترتب عليها من نتائج كانت أكبر من وجهة نظرهم من تكلفة التصادم مع الشعب ومخالفة رغباته في اجراء الانتخابات. فما هي التحديات التي من الممكن ان تكون دفعت الرئيس وحركة فتح لتأجيل الانتخابات.

 

التحدي الأول: التشرذم وغياب الانضباط داخل الحركة

واجهت حركة فتح تحديات كبيرة خلال مسيرتها في السلطة الفلسطينية في جولات الانتخابات العامة 1996 و2006 وفي جولات الانتخابات المحلية المختلفة خلال السنوات الماضية. لعل أهم المشاكل التي تواجه حركة فتح في كل جولات الانتخابات السابقة هي الانقسام في صفوف الحركة وخروج بعض قياداتها وكوادرها لخوض الانتخابات بشكل مستقل. بعد صدور مرسوم إجراء الانتخابات العامة اتخذت قيادة حركة فتح ممثلة بالرئيس عباس قرارا بمنع أعضاء اللجنة المركزية والمجلس الثوري وامناء سر الأقاليم والنواب والوزراء السابقون من الحركة إضافة للقيادات الأمنية والعسكرية من الترشح للانتخابات وإعطاء الفرصة للجيل الشاب ولوجوه جديدة لخوض الانتخابات التشريعية في محاولة لتجديد دماء الحركة وإظهار قائمة الحركة بصورة جديدة قادرة على جذب الناخبين. وضعت قيادة الحركة مجموعة من المعايير التنظيمية والمهنية للترشح للانتخابات. لم يرضي هذا القرار العديد من قيادات الحركة الذين كانوا ينتظرون هذه الفرصة لتعزيز مواقعهم القيادية من خلال الترشح للانتخابات التشريعية القادمة.

وفي الأيام الأخيرة من شهر آذار/ مارس وقبل تقديم حركة فتح لقائمتها الرسمية، ظهر تململ وغضب من بعض الكوادر الفتحاوية في بعض المناطق نتيجة استثنائهم من القائمة الرسمية أو نتيجة ترتيبهم في مواقع غير مضمونة ضمن القائمة الرسمية. تمثل هذا الغضب في بيانات مناطقية وجهوية أعلنت عن مقاطعتها للانتخابات وأنها لن تصوت لقائمة الحركة. ثم جاء الحديث الذي اكتسب مصداقية آنذاك عن تصدر أعضاء من اللجنة المركزية لقائمة حركة فتح في مخالفة كبيرة لقرار رئيس الحركة مضعفا بالتالي فرص شباب الحركة في تولي مناصب قيادية. كما ان القرار بقانون الخاص بالانتخابات اشترط على مرشح الانتخابات الرئاسية أن يكون من خلال قائمة انتخابية او حزب سياسي، مما شكل تهديدا حاسما لفرص ترشح مروان البرغوثي للرئاسة، وشكل بالتالي دافعا قويا له ولمؤيديه لتشكيل قائمة انتخابية منفصلة تنافس قائمة الحركة الرسمية بحيث يتمكن البرغوثي من التنافس على الرئاسة حتى لو رفضت قائمة الحركة الرسمية السماح له بذلك.[5] 

 ساهم ما سبق في قيام كل من الأسير مروان البرغوثي (عضو الجنة المركزية لفتح) والدكتور ناصر القدوة (عضو اللجنة المركزية الذي تم فصله من حركة فتح على ضوء نيته خوض الانتخابات التشريعية خارج القائمة الرئيسية) بتشكيل قائمة انتخابية باسم قائمة الحرية، إضافة إلى قيام القيادي السابق في حركة فتح محمد دحلان (عضو اللجنة المركزية لفتح المفصول منذ أكثر من 10 سنوات) بتشكيل قائمة المستقبل، إلى جانب قائمة الحركة الرسمية.

أظهرت نتائج الاستطلاع الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في منتصف آذار/ مارس أن حركة فتح (الرسمية وغير الرسمية) تمتلك القاعدة الانتخابية الأكبر بين القوى والفصائل الفلسطينية. ففي سؤال عن التصويت في انتخابات برلمانية جديدة بمشاركة كافة القوى السياسية التي شاركت في انتخابات 2006 أظهرت النتائج أن قائمة حركة فتح تحصل على 43%، فيما تحصل قائمة التغيير والإصلاح التابعة لحركة حماس على 30%، وتحصل كافة القوائم الأخرى التي شاركت في انتخابات عام 2006 مجتمعة على 8%، وتقول نسبة من 18% أنها لم تقرر بعد لمن ستصوت.

ولكن ظهرت المخاوف عند سؤال المبحوثين عن خيارات أخرى قد تحصل في الانتخابات، مثل نية القدوة أو دحلان تشكيل قوائم للمنافسة في الانتخابات التشريعية، فيما كان الغموض يلف موقف الأسير البرغوثي حول نيته تشكيل قائمة انتخابية. احدى هذه الخيارات كان المتعلق بقيام مروان البرغوثي بتشكيل قائمة مستقلة أظهرت النتائج ان قائمة حركة فتح ستحصل في هذه الحالة على 24%من الاصوات فقط، وقائمة البرغوثي ستحصل على 20%، وقائمة دحلان على 7%، فيما تحصل قائمة حماس على 27%. وفي سؤال آخر حول قيام القدوة بتشكيل قائمة منفصلة فإن قائمة حركة فتح كانت ستحصل على 32%، وقائمة حماس على 28%، وقائمة دحلان على 6%، وقائمة القدوة على 4%. إن المغزى من كل ذلك هو أن هناك مخاوف مشروعة أن تحصل حركة حماس على النسبة الأكبر من المقاعد في المجلس التشريعي القادم. لكن من المؤكد أن ذلك ما كان سيعطيها الأغلبية أو حتى القدرة على تشكيل حكومة ائتلافية إلا في حالة رفض حركة فتح الرسمية بقيادة الرئيس عباس إقامة حكومة ائتلافية مع البرغوثي والقدوة ودحلان.

 

التحدي الثاني: تراجع شعبية الرئيس محمود عباس

شهدت السنوات الأخيرة، خاصة منذ 2014، تراجعا في شعبية الرئيس الفلسطيني محمود عباس. وكان الرئيس عباس قد انتخب لرئاسة السلطة الفلسطينية في كانون ثاني 2005 وانتخب رئيسا لحركة فتح في المؤتمر العام السادس لحركة فتح 2009، واعيد انتخابه في المؤتمر السابع 2016.  شكل عام 2014 منعطفا في شعبية الرئيس عباس، حيث أظهرت استطلاعات الرأي العام تراجع شعبية الرئيس عباس لصالح مرشح حركة حماس إسماعيل هنية كمرشح محتمل للانتخابات الرئاسية، إضافة للشعبية الكبيرة للأسير مروان البرغوثي. يعود التراجع في شعبية الرئيس عباس لعدد من الأسباب، أهمها ما يلي:

  • انغلاق الأفق السياسي للعملية السلمية؛ لطالما كان الرئيس عباس من دعاة الحل السلمي والمفاوضات وغير المؤيد لوسائل المقاومة العنيفة، ولكن مع هيمنة اليمين الإسرائيلي برئاسة بنيامين نتنياهو لرئاسة الحكومة الإسرائيلية منذ 2009. وصلت عملية السلام إلى طريق مسدود. ففي الوقت الذي تتواصل فيه الإجراءات الإسرائيلية المتمثلة بالتوسع الاستيطاني الذي يمزق التواصل الجغرافي للدولة الفلسطينية الموعودة ويستمر في تهويد مدينة القدس، رفض الفلسطينيون العودة للمفاوضات إلا بوقف التوسع الاستيطاني وبالتالي بقيت المسألة بين مد وجزر طوال الفترة الأولى للرئيس أوباما. ورغم جهود وزير الخارجية الأمريكي جون كيري ونجاحه في إجراء مفاوضات بين الطرفين عام 2014، إلا أن هذه الجهود واجهت نفس المصير من الفشل. وبعد ذلك دخلت المفاوضات حالة موت سريري، وفي نفس الوقت بقي الرئيس عباس متمسكاً بخيار المفاوضات كخيار وحيد، ورغم تبنيه لخيار المقاومة السلمية فإن القيادة الفلسطينية لم تنجح في تفعيل هذا الخيار ليصبح سلاحا جماهيريا.  تظهر استطلاعات الرأي العام تراجعا بين الفلسطينيين في تأييد خيار حل الدولتين في السنوات الأخيرة من حوالي 48% في اذار 2019 إلى 39% في حزيران 2021 وذلك حسب استطلاعات رأي اجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في تلك الفترات، وهذا ناتج عن وصول المفاوضات لطريق مسدود، إضافة لذلك أظهرت الاستطلاعات أن المفاوضات لم تعد بنظر الفلسطينيين الطريق الأكثر نجاعة لقيام دولة فلسطينية.
  • عدم رضا الجمهور وخاصة في قطاع غزة عن سياسة الرئيس عباس تجاه القطاع: شهدت السنوات الأخيرة تراجعا حادا في شعبية الرئيس عباس في قطاع غزة، حيث أظهرت استطلاعات الرأي العام أن شعبية الرئيس تراجعت بشكل كبير بعد العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة صيف 2014 حيث هبطت من 53% في حزيران [6]2014  قبل الحرب الى 38% في سبتمبر 2014[7]  بعد الحرب وذلك في منافسته لإسماعيل هنية في انتخابات رئاسية حسب استطلاعين للرأي اجراهما المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في تلك الفترة، وذلك حينما شعر المواطنون في قطاع غزة أنهم لوحدهم في معركتهم مع الاحتلال، وأن قيادة السلطة تساهم في حصارهم الذي تفرضه إسرائيل من جهة ومصر من جهة أخرى. استمر التراجع في شعبية الرئيس عباس في قطاع غزة بعد سلسلة الإجراءات التي اتخذتها قيادة السلطة وقلصت فيها خدمات أساسية مثل الكهرباء والخدمات الصحية وتبعتها إجراءات بحق عدد كبير الموظفين العموميين في قطاع غزة من إحالة على التقاعد المبكر والاجباري ووقف للرواتب، واعتبروها إجراءات عقابية تستهدف المواطنين في قطاع غزة الذي يعاني من ويلات الحصار المستمر والمشدد منذ 2006.[8]
  • تحول النظام السياسي الفلسطيني في ظل حكم الرئيس عباس إلى نظام سلطوي يفتقد للمساءلة والمحاسبة: أدت سيطرة حركة حماس على قطاع غزة في حزيران 2007 إثر الانقسام إلى غياب المجلس التشريعي، وتحويل كافة صلاحيات المجلس التشريعية والرقابية للسلطة التنفيذية وبالذات لرئيس السلطة. خلال بضعة سنوات أصدر الرئيس عباس حوالي 300 قرار بقانون، وهي في غالبيتها العظمى قوانين عادية غير مستعجلة أو طارئة، يفوق عددها بكثير عدد القوانين التي كان المجلس التشريعي قد أصدرها طيلة فترة عمله ( 1996 – 2007). بدون مجلس تشريعي لم يعد هناك مساءلة أو محاسبة للسلطة التنفيذية، باستثناء تلك التي مارسها القضاء والصحافة والمجتمع المدني بين حين وآخر.  كذلك حصل في السنوات الأخيرة استحواذ كبير على السلطة تمثل بحل المجلس التشريعي في كانون ثاني / ديسمبر 2018 بعد أكثر من 11 عاما من التعطيل. كما جرى إضعاف السلطة القضائية من خلال عدم التزام السلطة التنفيذية بتنفيذ القرارات الصادرة عن القضاء كما نص القانون، إضافة للتدخل في شؤون القضاء والذي توج بالقرار بقانون رقم (40) لسنة 2020 المعدل لقانون السلطة القضائية الذي عزز من هيمنة السلطة التنفيذية على القضاء. كما شهدت هذه الفترة استهدافا لمؤسسات المجتمع المدني من خلال مجموعة من الإجراءات بحق الشركات غير الربحية والمنظمات الاهلية تمثل في وضع مجموعة من القيود الجديدة على هذه المؤسسات تمثل مؤخرا في القرار بقانون رقم (7) لسنة 2021 المعدل لقانون الجمعيات الخيرية والهيئات الاهلية.[9]

 

الضرر الذي سببه تأجيل الانتخابات للرئيس وحركة فتح:

لا شك بأن قرار تأجيل الانتخابات وما تبعه من أحداث تتعلق بالقدس ثم العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة كانت هي الأسوأ على شعبية الرئيس وشعبية حركة فتح بشكل غير مسبوق. ففي الوقت الذي ترغب به اغلبية الجمهور (حوالي 70%) إجراء الانتخابات قام الرئيس بتأجيل الانتخابات، وفي الوقت الذي قال فيه الرئيس إن التأجيل كان من أجل القدس رأى اغلبية الفلسطينيين (حوالي 65%) ان هذا التأجيل لم يكن من أجل القدس وإنما كان سببه الخوف من نتائج الانتخابات. تبع ذلك احداث القدس، والتي كان من المفترض ان الانتخابات تم تأجيلها من أجلها، الا ان الرئيس والسلطة الفلسطينية وتبعتها حركة فتح لم تظهر للجمهور انها تقوم بما يجب عليها في الدفاع عن القدس كما يعتقد الجمهور، حيث وصف فقط 8%من الجمهور أداء الرئيس بانه قوي في الدفاع عن القدس و11% وصفت أداء السلطة بانه قوي و13% وصفت أداء فتح بانه قوي، في حين وصف 75% من الجمهور ان أداء حركة حماس كان قويا في ذلك.[10]

كل ذلك انعكس على هبوط مدوي في شعبية الرئيس عباس تبعه هبوط في شعبية حركة فتح أيضا، فقد هبطت قدرة الرئيس عباس على المنافسة في انتخابات رئاسية أمام هنية إلى أدنى مستوياتها منذ انتخابه حيث تفوق هنية بفارق كبير(59% لهنية مقابل 27% لعباس) وفقا لنتائج الاستطلاع الرأي العام رقم (80) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران/ يونيو 2021، مقارنة بنتائج استطلاع الرأي العام رقم (79) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آذار/ مارس 2021  حيث أشارت النتائج آنذاك الى حصول الرئيس عباس على 47% مقابل 46% لإسماعيل هنية.

كما هبطت أيضا في حزيران/يونيو شعبية حركة فتح أمام حركة حماس؛ بحيث تفوقت الثانية فيما لو جرت انتخابات تشريعية بفارق 11 نقطة لصالحها، حيث حصلت حركة حماس على 41% من الأصوات مقابل 30% لحركة فتح، وذلك حسب نتائج الاستطلاع المذكور أعلاه.  وكانت فتح قد تفوقت على حركة حماس قبل ذلك بثلاث أشهر حيث حصلت على 43% مقابل 30% لحركة حماس في استطلاع اجراه نفس المركز في آذار مارس 2021[11]. كما رأت الأغلبية (53%) في حزيران/ يونيو أن حركة حماس هي الاجدر بتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، وذلك مقابل 14% فقط رأت ان فتح بقيادة الرئيس عباس هي الاجدر بذلك.  

 

التوصيات:

تقترح هذه الورقة ثلاث توصيات على حركة فتح وقياداتها تبدأ بالعودة عن قرار التأجيل وإجراء الانتخابات، والاعلان عن الاستعداد لبناء ائتلاف حكومي مع قوائم فتح الأخرى، والاعلان عن نية الحركة الدخول في انتخابات رئاسية بمرشح بديل عن الرئيس عباس.

  1. إجراء الانتخابات فورا بما يشمل القدس وتحدي الإجراءات الاحتلالية

ان إجراء الانتخابات بات مطلبا فلسطينيا ملحا تدعمه الأغلبية كما إن إجرائها في داخل مدينة القدس مطلب الكل الفلسطيني، ولكن في حال أصرت الحكومة الإسرائيلية على رفضها إجراء الانتخابات في القدس، يتوجب على لجنة الانتخابات المركزية أن تعلن عن حلول بديلة من داخل مدينة القدس، وان تحظى هذه الحلول بدعم القوى والفصائل الفلسطينية وفي مقدمتهم حركة فتح. بإمكان لجنة الانتخابات وبدعم من القيادة الفلسطينية وضع صناديق الاقتراع أمام مكاتب البريد الإسرائيلي، ومخاطبة القنصليات العامة الأوروبية المعتمدة لدى فلسطين لوضع صناديق الانتخابات فيها، ووضع الصناديق في ساحات المسجد الأقصى ومخاطبة الكنائس المختلفة لوضع صناديق الانتخابات فيها. إضافة لتوفير الإمكانيات اللازمة للتصويت الالكتروني من داخل القدس.

بالتأكيد ستعمل الحكومة الإسرائيلية على افشال عملية الانتخابات وستقوم باعتقال القائمين عليها وستعمل على منع المواطنين من التوجه إلى صناديق الانتخابات لممارسة حقوقهم الأساسية بالانتخاب واختيار ممثليهم، ولكن هذا سيكون امام العالم ووسائل الاعلام العالمية ولتظهر إسرائيل على حقيقتها وليكن يوم الانتخابات يوم من أيام المقاومة الشعبية والسلمية التي لطالما نادى بها الرئيس عباس، ولتتصدر حركة فتح المشهد داخل مدينة القدس، بعد أن غابت هي وبقية الفصائل والقوى الفلسطينية عنه في مناسبات هامة مثل يوم نقل السفارة الأمريكية للقدس. إن إجراء الانتخابات في القدس هو شكل من أشكال تحدي الاحتلال وهو أفضل دعاية انتخابية لحركة فتح في معركتها الانتخابية القادمة.

  1. التوحد داخل المجلس التشريعي

في ضوء تشتت القاعدة الانتخابية لحركة فتح بين ثلاثة كتل، يتوجب عليها توظيف نتائج الانتخابات بشكل يمكنها من جعلها الكتلة الانتخابية الأكبر من خلال توحيد عناصرها داخل المجلس التشريعي، خاصة إذا ما أرادت تشكيل حكومة بعيدا عن حماس، فمن شبه المؤكد ان قائمة الحرية (البرغوثي والقدوة) وقائمة المستقبل (دحلان) لن تقوما بالتحالف مع حركة حماس، خاصة ان حلفاء قائمة المستقبل الإقليميين (مصر، والامارات العربية) لن يسمحوا لهم بذلك في ظل صراعهم مع الجماعة الام (جماعة الاخوان المسلمين) وفي ظل توتر العلاقات مع حلفاء حركة حماس في الإقليم (قطر، تركيا، ايران).

 

  1. خوض الانتخابات الرئاسية بمرشح جديد

يبدو أن الرئيس عباس أصبح مصدر ضعف لشعبية حركة فتح. فمكوثه الطويل في السلطة دون انتخابات ودون إنجازات يمكن تقديمها للشعب، لا على الصعيد مع الاحتلال ولا على الصعيد الداخلي، من حيث الوحدة وإزالة الانقسام، بالإضافة إلى تردي الأوضاع الاقتصادية والحريات وبروز التغول على السلطة التنفيذية والتشريعية والقضائية، كل ذلك أدى إلى مطالبة الأغلبية باستقالة الرئيس.  إن من المؤكد أن الرئيس عباس غير قادر على الفوز في انتخابات رئاسية ستجرى في الأراضي الفلسطينية في أي فترة قريبة. كما أن حركة فتح تكون اقوى بكثير فيما لو كانت تحت قيادات أخرى، مثل مروان البرغوثي الذي من شأنه ان ينقل الحركة من ناحية جماهيرية خطوات كبيرة إلى الامام، حيث أنه يتفوق على منافسه اسماعيل هنية بفارق كبير في أي انتخابات رئاسية. وقد كان الرئيس عباس قد أعلن في السابق عدة مرات خلال مقابلات تلفزيونية عدم رغبته بخوض الانتخابات الرئاسية، وبالتالي فإن هذا التصريح يفتح المجال أمام حركة فتح لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة بمرشح رئاسي جديد من أُطرها القيادية. في المقابل أعلن عضو اللجنة المركزية الأسير مروان البرغوثي[12] ، الذي يتمتع بشعبية كبيرة بين الجمهور الفلسطيني، نيته خوض الانتخابات الرئاسية القادمة؛ فقد أظهرت استطلاعات الرأي العام  خلال السنوات الماضية أن البرغوثي هو المرشح الأقوى من داخل حركة فتح الذي يستطيع الفوز بالانتخابات الرئاسية القادمة بكل سهولة، واظهرت الاستطلاعات أن البرغوثي يستطيع منافسة مرشح حماس ويتغلب عليه بفارق كبير تراوح بين (20 و30) نقطة، بالمقابل أظهرت الاستطلاعات أن مرشح حركة حماس تفوق خلال السنوات الماضية على الرئيس محمود عباس في العديد من المرات وفي المرات الأخرى كان قريبا منه.[13]

ويعود السبب في تفوق البرغوثي في استطلاعات الرأي إلى أن قاعدته الانتخابية تضم مكونات المجتمع الفلسطيني من فتحاويين واسلاميين ويساريين ومستقلين وغيرهم، لكن القاعدة الانتخابية للرئيس عباس تضم فتحاويين فقط وربما بعض فصائل منظمة التحرير الفلسطينية. كذلك الحال لمرشح حركة حماس التي تضم قاعدتها الانتخابية حمساويين ومستقلين إسلاميين واخرين. اظهر اخر استطلاع اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران / يونيو 2021 أي في ذروة شعبية حركة حماس ومرشحها إسماعيل هنية  أنه في حال حدوث انتخابات رئاسية جديدة اليوم يترشح فيها اثنان فقط هما محمود عباس واسماعيل هنية، يحصل الأول على 27% من الأصوات ويحصل الثاني على 59%، أما لو كانت المنافسة بين مروان البرغوثي وهنية فإن البرغوثي يحصل على 51% وهنية على 41%.[14]

 

 

[1] انظر: نتائج استطلاع الرأي العام رقم 80 الذي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية على الرابط التالي، http://pcpsr.org/ar/node/844

[4]  المصدر سابق.

[5]  وقد نشرت الوقائع الفلسطينية تنويها بتاريخ 18 اذار 2021 عن ورود خطأ في القرار بقانون رقم (1) لسنة 2021 بتعديل قرار بقانون رقم (1) لسنة 2007 بشأن الانتخابات العامة. وفحوى هذا التنويه ان المرشح للانتخابات الرئاسية لا يشترط أن يرشحه حزب سياسي أو قائمة انتخابية.

[8] في كانون أول ديسمبر 2017 طالبت نسبة من 70% باستقالة الرئيس عباس: نتائج استطلاع الرأي العام رقم 66 | PCPSR

[9] جرى وقف العمل بهذا القرار بقانون إثر ضغط محلي وخارجي.

[10] انظر: نتائج استطلاع الرأي العام رقم 80 الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية على الرابط التالي، http://pcpsr.org/ar/node/844

[12]  في الانتخابات الرئاسية 2005 قام الأسير مروان البرغوثي بترشيح نفسه في الانتخابات الرئاسية، ولكنه انسحب لاحقا لصالح مرشح حركة فتح محمود عباس.

[13]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، استطلاعات المركز خلال 2014 -2021. http://www.pcpsr.org/ar/node/602

[14]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، استطلاع رقم (80)، حزيران 2021.  http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Poll-79-Arabic%20Full%20Text.pdf