أدت التطورات التي شهدتها العلاقات الفلسطينية الإسرائيلية خلال الأشهر ال 13 الماضية إلى نتائج متناقضة أثرت على هذه العلاقات. فمن ناحية، من المؤكد أن الاهتمام بحل الصراع، مرة واحدة وإلى الأبد، أكبر اليوم مما كان عليه قبل هذه التطورات مباشرة. من ناحية أخرى، ولّدت الحرب نتائج مدمرة للغاية على المستويين المجتمعي والنفسي للفلسطينيين والإسرائيليين. إن مستوى الألم والمعاناة والكراهية والغضب وعدم الثقة والتجريد من الإنسانية لم يسبق لها مثيل. كم أن تراجع تأييد حل الدولتين بين الإسرائيليين اليهود خلال عامين فقط هو أمر غير مسبوق. صحيح أن المزيد من الفلسطينيين اليوم، مقارنة بما كان عليه الحال قبل عامين، يؤيدون هذا الحل. لكن مع ذلك، فإن الأغلبية لا تزال تعارضه. كما أن الأغلبية الساحقة من الفلسطينيين تعتقد أن الأهداف الإسرائيلية على المدى القصير والبعيد هي إما الإبادة الجماعية، أو الطرد، أو الحرمان من الحقوق المتساوية. في ظل ظروف كهذه، من غير المرجح أن يسارع قادة الطرفين، الذين يرون أنهم لا يمتلكون قاعدة شعبية مؤيدة للسلام ولحل الدولتين ومستعدة لدفع الثمن المطلوب من أجل تحقيقه، لإجراء مفاوضات جادة لتحقيق السلام على أساس ذلك الحل. ومن المرجح أن تتردد الاطراف الخارجية، بما في ذلك الولايات المتحدة وغيرها من الجهات الفاعلة الإقليمية والدولية في الدفع بقوة باتجاه مثل هذا الحل على ضوء علمها بتردد هؤلاء القادة والمعارضة القوية بين الشعبين.
هل هناك طريقة يمكن من خلالها إقناع هؤلاء القادة بأن شعوبهم ستدعمهم بالفعل إذا قرروا المخاطرة والدخول في مفاوضات جادة على أمل ومع توقع أن تكون الحرب الحالية هي الأخيرة؟ يُظهر هذا التحليل السياساتي أنه رغم التطورات السلبية الهائلة منذ السابع من أكتوبر 2023، فإن الأدلة من الاستطلاع الفلسطيني-الإسرائيلي المشترك الأخير، الذي أجري قبل ثلاثة أشهر، تظهر أن الشعبين لا يشكلان عائقا أمام السلام القائم على أساس حل الدولتين. إن من المؤكد أن الشعبين اليوم لا يشكلان قوة دافعة من أجل السلام. لكن الأبحاث المسحية القائمة على الأدلة الكمية تظهر أنه لو شرع قادة الطرفين اليوم في مفاوضات جادة لإنهاء الصراع بناء على هذا الحل فإن استعداد أغلبية الجمهور في بلديهم لتأييدهم وتأييد نتائج مفاوضاتهم هو أمر مؤكد.
خلفية:
يمكن النظر إلى انهيار مفاوضات السلام التي تقودها الولايات المتحدة في عام 2014 على أنه نقطة التحول التي أذنت بعد ذلك ببدء التراجع التدريجي في الدعم بين الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود لحل الدولتين. بحلول نهاية عام 2017 عبرت الأغلبية من الطرفين عن معارضتها لهذا الحل. كان الباعث الرئيسي للتراجع في ذلك الوقت هو الاعتقاد بأن حل الدولتين لم يعد عمليا أو ممكنا في ظل التغييرات على الأرض، مثل التوسع الاستيطاني والتطورات الاجتماعية والسياسية الأخرى بما في ذلك التأييد المتزايد لليمين في إسرائيل والانقسام المستمر بين الفلسطينيين وضعف السلطة الفلسطينية.
وتضم الدائرة الفلسطينية الأكثر معارضة لحل الدولتين مؤيدي حماس والشباب. تقوم معارضة أنصار حماس على الأيديولوجيا والقيم الدينية، لكن معارضة الشباب لا تستند إلى الدين ولا إلى الأيديولوجيا. بدلا من ذلك، يبدو أنها تستند إلى الاعتقاد بعدم قابلية هذا الحل للتطبيق ولمواقف الشباب المتعلقة بالسياسة الفلسطينية الداخلية وآفاق بناء دولة فلسطينية ديمقراطية وخالية من الفساد. تشير استطلاعات الرأي بين الشباب الفلسطيني إلى أن هذه الفئة العمرية هي الأقل تدينا والأكثر ليبرالية من أي فئة عمرية أخرى في المجتمع. ومع تخليهم عن دعم حل الدولتين، أظهر الشباب دعما أكبر لحل الدولة الواحدة الديمقراطية التي تمنح حقوقا متساوية لليهود والفلسطينيين الإسرائيليين. مع ذلك، فإن تأييد حل الدولتين بين الجمهور الفلسطيني ككل كان دائما أعلى من تأييد الفلسطينيين لأي حل بديل آخر.
إن المعارضة لحل الدولتين أعلى بين الإسرائيليين اليهود مقارنة بالإسرائيليين العرب. كما أنها عالية جدا بين المجموعات الدينية، سواء الأرثوذكسية المتشددة أو المجموعات الدينية القومية أو الصهيونية. وبالمثل، فإن المعارضة عالية نسبيا بين المجموعة التي تعرف نفسها بأنها "تقليدية". هذه المجموعات هي الأكثر احتمالا للتصويت للأحزاب اليمينية، مثل الليكود واليمين المتطرف والأحزاب الدينية. لكن اليهود العلمانيون يظهرون أدنى معدلات المعارضة لهذا الحل. تأتي المعارضة لهذا الحل أيضا من فئة أخرى: الشباب. يظهر الشباب اليهود أعلى مستويات المعارضة لحل الدولتين وتتسع الفجوة في المواقف أكثر بين أولئك الذين تقل أعمارهم عن 35 عاما وأولئك الذين تزيد أعمارهم عن 50 عاما. وبالنظر إلى التوزيع الديموغرافي في إسرائيل، فإن الشباب الإسرائيلي اليهودي يأتي بشكل متزايد من تلك الخلفيات الدينية والدينية والتقليدية المؤيدة بقوة لليمين واليمين المتطرف. لهذا السبب، بينما يميل الشباب الفلسطيني إلى تفضيل حل الدولة الواحدة الديمقراطي، يميل الشباب الإسرائيلي اليهودي إلى تفضيل حل الدولة الواحدة غير الديمقراطي، حيث يُحرم الفلسطينيون من الحقوق المتساوية.
قبل عام واحد من السابع من أكتوبر لعام 2023 أيد حل الدولتين ثلث الفلسطينيين وثلث الإسرائيليين اليهود و60٪ من الإسرائيليين العرب. في ذلك الوقت، عكست هذه النتائج انخفاضا ملموسا في نسبة التأييد مقارنة بنتائج الاستطلاع المشترك قبل عامين من ذلك التاريخ، أي في عام 2020، ومثلت أدنى نسبة تأييد للمجموعات الثلاث، الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود والإسرائيليين العرب في كافة الاستطلاعات الفلسطينية-الإسرائيلية المشتركة منذ عام 2000. في عام 2020 أيدت نسبة من 43٪ من الفلسطينيين و42٪ من اليهود الإسرائيليين هذا الحل. ومع ذلك، أيد في عام 2022 عدد أقل من الفلسطينيين والعرب الإسرائيليين الحلين البديلين المحتملين المشار إليهما أعلاه، الدولة الديمقراطية الواحدة التي تضمن المساواة والدولة الواحدة غير الديمقراطية. أما بالنسبة للإسرائيليين اليهود ، فإن التأييد لدولة واحدة غير ديمقراطية، ولأول مرة منذ إجراء استطلاعات الرأي الفلسطينية الإسرائيلية المشتركة، كان أكبر من تأييد حل الدولتين.
قبل السابع من أكتوبر بسنة وجدنا أيضا أن نسبة تأييد الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود لرزمة سلام شاملة مفصلة تستند إلى مفهوم حل الدولتين كانت الأدنى مقارنة بالجولات السابقة من الاستطلاع المشترك منذ عام 2016. أيد الرزمة التفصيلية ما يزيد قليلا عن ربع الفلسطينيين وأقل بقليل من ثلث الإسرائيليين اليهود فيما كانت نسبة التأييد بين العرب الإسرائيليين أعلى من 60٪. عارض 62٪ من الإسرائيليين اليهود و72٪ من الفلسطينيين رزمة حل الدولتين الشاملة هذه. شملت مكونات رزمة السلام جميع العناصر الرئيسية لحل الدولتين: دولة فلسطينية منزوعة السلاح، وانسحاب إسرائيلي إلى الخط الأخضر مع تبادل متساو للأراضي، ولم شمل عائلات مائة ألف لاجئ فلسطينيي في إسرائيل، وجعل القدس الغربية عاصمة لإسرائيل والقدس الشرقية عاصمة لفلسطين، ووضع الحي اليهودي وحائط المبكى تحت السيادة الإسرائيلية والأحياء الإسلامية والمسيحية والمسجد الأقصى تحت السيادة الفلسطينية، وتكون إسرائيل ودولة فلسطين المستقبلية ديمقراطية، ويكون الاتفاق الثنائي جزءا من اتفاق سلام أكبر مع جميع الدول العربية، وتضمن الولايات المتحدة والدول العربية الكبرى التنفيذ الكامل للاتفاق من قبل الجانبين، وينتهي الصراع وكافة المطالبات من كلا الجانبين.
الأضرار النفسية والاجتماعية غير المرئية التي خلفتها الحرب والسابع من أكتوبر:
لقد ألحقت أحداث الأشهر ال 13 الماضية أضرارا نفسية واجتماعية سلبية هائلة بالمجتمعين وخلقت واقعا سوداويا. لا تزال الصدمة المرتبطة بالصراع المستمر تفرض ثمنا باهظا على الناس العاديين بحيث تجعلهم غير طبيعيين. تظهر نتائج أحدث استطلاع فلسطيني-إسرائيلي مشترك، أجري في تموز/يوليو 2024، مدى الضرر. على كلا الجانبين، لا يرغب الناس العاديون في قبول إنسانية الجانب الآخر، ولا يثقون به بشكل يتجاوز جميع المستويات السابقة من انعدام الثقة، وينظرون إلى معاناة شعبهم على أنها أكبر وأسوء من معاناة أي شعب آخر.
تبرر الغالبية العظمى من الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود العنف الذي ارتكبه جانبهم، أي ما قامت به حماس ضد إسرائيل في السابع من أكتوبر وما قامت به الحكومة والجيش الإسرائيليان منذ ذلك الوقت ضد الطرف الفلسطيني، بما فعله الطرف الآخر بهم. ينظر الفلسطينيون إلى الإغلاق والحصار الإسرائيلي على قطاع غزة على أنه مُبرر لما فعلته حماس في ذلك اليوم، وينظر الإسرائيليون اليهود إلى هجوم حماس في ذلك اليوم على أنه يبرر ما يفعله الجيش الإسرائيلي في الحرب المستمرة في قطاع غزة. كذلك، فإن حوالي 90٪ من الفلسطينيين يعتقدون أن أهداف إسرائيل قصيرة المدى في الحرب الراهنة هي ارتكاب إبادة جماعية أو احتلال الأرض وطرد الفلسطينيين من وطنهم. في صورة مماثلة، يعتقد أكثر من 90٪ من الإسرائيليين اليهود أن هدف حماس في السابع من أكتوبر كان ارتكاب إبادة جماعية أو احتلال الأرض وطرد السكان من وطنهم. كما أن الانطباعات عن اهداف الطرف الآخر بعيدة المدى قاتمة بحيث تعتقد أغلبية ساحقة متطابقة من كلا الجانبين أن الطرف الآخر يريد احتلال أرضهم أو قتل شعبهم أو طرده أو حرمانه من حقوقه السياسية.
تتفاقم هذه التصورات المدمرة بسبب الإحساس العالي من كلا الجانبين بأنهم ضحايا. تميل الغالبية العظمى من الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود إلى النظر إلى معاناتهم على أنها الأسوأ مقارنة بجميع الشعوب الأخرى التي عانت من الاضطهاد والظلم. ينظر ثلاثة أرباع الجمهور من الطرفين إلى الصراع مع الطرف الآخر على أنه صراع صفري، أي أنه عندما يكسب أحدهما أي شيء مهما كان فإن الآخر يخسر، وأن أي شيء جيد أو مفيد لأحد الجانبين هو حتما سيئ أو ضار للجانب الآخر. كما أن المستوى الحالي من عدم الثقة المتبادل، البالغ حوالي 90٪ أو أكثر، هو الأعلى على الإطلاق في الاستطلاعات المشتركة كافة منذ عام 2016 عندما تم طرح السؤال لأول مرة بشكل منهجي. ليس من المستغرب في ظل هذه الظروف أن نجد أنه في حين أن كل جانب قادر بسهولة على إضفاء الصبغة الإنسانية على شعبه بدرجات متطابقة تقريبا، بما يعادل حوالي 90 نقطة من مئة في المتوسط، فإن 6 فلسطينيين و14 يهوديا إسرائيليا فقط من كل مئة، في المتوسط، على استعداد لإضفاء هذه الصبغة الانسانية على مواطني الطرف الآخر. يجب النظر إلى هذا التجريد الكاسح من الإنسانية في زمن الحرب ليس على أنه رؤية للصفات المتأصلة في الآخر، رغم أن البعض يعتقد ذلك بالتأكيد، ولكن كصفة لسلوكه (في السابع أكتوبر في رؤية الجمهور الإسرائيلي، وطوال فترة الحرب الحالية في غزة بالنسبة للفلسطينيين)، أي الاعتقاد بأن من يمارس هذا السلوك ليس بشرا.
ويبدو أن هذه النتائج النفسية والاجتماعية تولد أثرين سياسيين مهمين، أحدهما يؤثر على الاعتقادات بشأن ملكية الأرض والآخر يؤثر على التصورات حول طرق للخروج من الصراع الراهن. إن الاعتقاد بأن الأرض الواقعة بين البحر الأبيض المتوسط ونهر الأردن، أو فلسطين التاريخية، تعود لطرف واحد وليس للآخر كان واضحا دائما في استطلاعاتنا المشتركة السابقة. لكن حدة هذا الاعتقاد، خاصة بين الإسرائيليين اليهود، ازدادت في أعقاب السابع من أكتوبر والحرب المستمرة. اليوم، أكثر من 90٪ من الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود يعتقدون أن الأرض تنتمي بالكامل لجماعتهم. وعلاوة على ذلك، فإن الغالبية العظمى من كلا الجانبين، وخاصة بين الفلسطينيين، تنكر أن الأرض هي أيضا ملك للطرف الآخر.
أخيرا، أثرت الحرب على المواقف المتعلقة بإيجاد مخرج من الصراع، ما بين الحل الدبلوماسي والحل العسكري. والمثير للدهشة أن نتائج الاستطلاع المشترك تظهر إجابات مختلفة على هذا السؤال بين الفلسطينيين والإسرائيليين اليهود. فيما تعتقد أغلبية من كلا الطرفين أن لدى شعبهم مخرجا عسكريا من الصراع الدائر، أي من خلال هزيمة الطرف الآخر، فإن الفلسطينيين أكثر تفاؤلا من الإسرائيليين اليهود (48٪ و38٪ على التوالي) بأن الدبلوماسية توفر أيضا طريقا فعالا لإنهاء الصراع.
مواقف متباينة حول عملية وشروط السلام:
كما رأينا في المفاضلة بين المخرجين الدبلوماسي والعسكري، حيث يخرج الفلسطينيون من الأوضاع المؤلمة المستمرة أكثر تفاؤلا من الإسرائيليين اليهود بشأن مستقبل الدبلوماسية، تظهر نتائج الاستطلاع المشترك لعام 2024 تباينا إضافيا واضحا بين الطرفين. تظهر النتائج ردود فعل سياسية متباينة في المواقف السياسية تجاه العلاقات الفلسطينية-الإسرائيلية، وأهمها حل الدولتين، إذ بينما ينخفض تأييد الإسرائيليين اليهود لمبدأ حل الدولتين خلال أقل من عامين من الثلث (34٪) إلى ما يزيد قليلا عن الخمس (21٪)، أي بانخفاض قدره 13 نقطة مئوية، يرتفع التأييد الفلسطيني لنفس المبدأ بمقدار 7 نقاط مئوية، من 33٪ في عام 2022 إلى 40٪ في عام 2024. كما تزداد نسبة التأييد لنفس المبدأ أيضا بين الإسرائيليين العرب من 60٪ إلى 72٪ خلال نفس الفترة. أما بين الإسرائيليين اليهود، فإن التأييد الحالي لحل الدولتين هو الأدنى منذ بدء عملية السلام قبل أكثر من 30 عاما.
يمكن أيضا رؤية تصلب المواقف الإسرائيلية اليهودية بعد السابع من أكتوبر عند استكشاف المواقف المتغيرة فيما يتعلق ببدائل حل الدولتين. تظهر النتائج ازدياد التأييد "لضم الضفة الغربية دون منح حقوق متساوية للفلسطينيين". تبلغ نسبة التأييد اليوم بين الإسرائيليين اليهود لحل الدولة الواحدة غير المتكافئة وغير الديمقراطية 42٪، وهي أعلى نسبة سجلت في استطلاعات الرأي المشتركة. في عام 2022، بلغ التأييد الإسرائيلي اليهودي لهذا الضم الذي يحرم الفلسطينيين من الحقوق المتساوية 37٪. أما بين الفلسطينيين والإسرائيليين العرب فتبلغ نسبة تأييد حل الدولة الواحدة بدون حقوق متساوية لليهود الإسرائيليين 33٪ و17٪ على التوالي. في عام 2022، بلغ التأييد الفلسطيني لحل الدولة الواحدة غير المتكافئة وغير الديمقراطية 30٪. أما البديل الثاني لحل الدولتين فهو حل الدولة الواحدة الديمقراطية والمتساوية. في تموز (يوليو) 2024 أيدت نسبة من 25٪ من الفلسطينيين و14٪ من الإسرائيليين اليهود مقارنة ب 23٪ بين الفلسطينيين و20٪ بين الإسرائيليين اليهود قبل ذلك بعامين. إن مراجعة تفصيلية لمواقف مؤيدي حل الدولة الواحدة الديمقراطية يبين أن معظمهم يؤيدون أيضا حل الدولتين، وأن بعض مؤيدي الدولة غير الديمقراطية يؤيدون أيضا حل الدولتين.
في الواقع، عندما يقيس الباحث إجمالي الدعم الصافي للحلول الثلاثة، مع إعطاء الأولوية لحل الدولتين، أي بدون التأييد المتداخل للحلول الأخرى، فإن المجموع لا يصل إلى مائة، بل أقل من ذلك بكثير. بل إن نتائج عام 2024 تظهر أن 44٪ من الفلسطينيين و34٪ من الإسرائيليين اليهود لا يؤيدون أي حل على الإطلاق. في عام 2022، بلغ حجم هذه المجموعة، التي يمكن تسميتها بــ “المترددين"، 47٪ بين الفلسطينيين و27٪ بين الإسرائيليين اليهود. قد تشكل هذه النتيجة أخبارا جيدة لمؤيدي حل الدولتين، حيث إن ما يقرب من نصف الزيادة في نسبة تأييد الفلسطينيين لحل الدولتين (3 نقاط مئوية) جاءت من هذه المجموعة وانتقل نصف الانخفاض (7 نقاط مئوية) في تأييد الإسرائيليين اليهود لحل الدولتين إلى هذه المجموعة بدلا من تبني بديل واضح المعالم. بعبارة أخرى، قد يكون "المترددون" هم المجموعة الأسهل للعودة إلى دعم حل الدولتين.
يظهر المزيد من البحث في نتائج عام 2024 المزيد من الأدلة التي تظهر المواقف المتباينة لدى الطرفين في بيئة ما بعد السابع من أكتوبر وحرب غزة. عند عرض رزمة سلام مفصلة بناء على حل الدولتين مكونة من 11 بند على الفلسطينيين والإسرائيليين (كما هو موضح أعلاه في الفقرة الأخيرة من قسم الخلفية في هذا التحليل) مطابقة لتلك التي قدمت لهم في ثلاثة استطلاعات مشتركة سابقة بين عامي 2018 و2022. تُظهر النتائج هبوطا يبلغ 6 نقاط مئوية في نسبة تأييد الإسرائيليين اليهود لهذه الرزمة وارتفاعا في التأييد الفلسطيني بمقدار 7 نقاط مئوية وذلك مقارنة بنتائج عام 2022. تبلغ اليوم نسبة تأييد رزمة السلام المفصلة هذه 69٪ بين العرب الإسرائيليين و34٪ بين الفلسطينيين و25٪ بين الإسرائيليين اليهود. تبلغ نسبة معارضة رزمة الحل الدائم هذه 65٪ بين الإسرائيليين اليهود و63٪ بين الفلسطينيين و13٪ بين العرب الإسرائيليين. من الجدير بالذكر أنه في حين أن تأييد الفلسطينيين لرزمة السلام التفصيلية هذه أقل ب 6 نقاط مئوية من تأييدهم لمبدأ حل الدولتين المجرد من التفاصيل، فإن تأييد الإسرائيليين اليهود للرزمة التفصيلية أعلى ب 4 نقاط مئوية من تأييدهم لمبدأ حل الدولتين. تتناقض هذه المعطيات الإسرائيلية اليهودية مع جميع نتائج الاستطلاع المشترك الأخرى خلال جميع الاستطلاعات المشتركة السابقة، حيث كان المستطلعون اليهود أكثر استعدادا لدعم المبدأ مقارنة بتأييدهم للحل أو الرزمة التفصيلية.
بالرغم من كل ذلك، تظهر النتائج المشتركة أن الرأي العام ليس عائقا أمام السلام القائم على حل الدولتين:
سعى الاستطلاع المشترك، وهو الأول بعد السابع من أكتوبر، إلى تقييم استعداد الشعبين لإظهار المرونة في ظل سيناريوهات وظروف مختلفة من الحوافز السلبية والإيجابية. الحوافز السلبية هي تلك الناتجة عن سيناريوهات الخوف من توسع الحرب في الضفة الغربية ولبنان والمنطقة بمشاركة من إيران. أما الحوافز الإيجابية فهي تلك التي تسعى إلى تلبية الاحتياجات الحيوية للجانبين، مع أو بدون تقديم تنازل مماثل للجانب الآخر. تشير النتائج إلى أن الخوف من الحرب يمكن أن يكون محركا للسلام ويمكن أن يؤدي إلى زيادة الرغبة في التوصل إلى حل وسط. وعلاوة على ذلك، لا تزال الحوافز الإيجابية فعالة للغاية في تقليص وجهات النظر المتشددة وصولا لدعم الأغلبية لدى الطرفين لرزمة السلام المفصلة المذكورة أعلاه.
الخوف من حرب إقليمية: تتوقع غالبية الفلسطينيين والإسرائيليين أن تمتد الحرب الدائرة حاليا إلى الضفة الغربية وتتوقع أن تتوسع في نهاية المطاف إلى حرب إقليمية بمشاركة مباشرة من إيران. هذا هو الرأي الذي تعبر عنه نسبة من 53٪ من الفلسطينيين و62٪ من الإسرائيليين اليهود. عند السؤال عمن قد يفوز في هذه الحرب، تقول أغلبية ضئيلة من الفلسطينيين (53٪) أن القوى المعارضة لإسرائيل هي التي ستفوز فيما تتوقع نسبة من 20٪ فقط أن تفوز إسرائيل. أما بين الإسرائيليين اليهود فإن 79٪ يتوقعون فوز إسرائيل و8٪ فقط يتوقعون أن ينتصر الطرف الآخر.
تأييد الرؤية الأمريكية للسلام: فحص الاستطلاع المشترك مدى التأييد لرؤية السلام التي بلورتها إدارة بايدن في أعقاب هجوم السابع من أكتوبر والحرب اللاحقة في غزة. عرضنا مكونات الرؤية الأمريكية على الطرفين في أربعة بنود تبدأ باتفاق لوقف إطلاق النار وإطلاق سراح الرهائن والأسرى، و"تجديد" السلطة الفلسطينية، وقبول حل الدولتين مع اتخاد خطوات لا رجعة فيها في ذلك الاتجاه، وأخيرا السلام الإقليمي والتطبيع السعودي الإسرائيلي. أعربت أغلبية ضئيلة من الطرفين عن معارضتها: 51٪ من الفلسطينيين و54٪ من الإسرائيليين اليهود. بلغت نسبة معارضة الإسرائيليين العرب 17٪ فقط. بلغت نسبة التأييد 83٪ بين الإسرائيليين العرب و46٪ بين الإسرائيليين اليهود و45٪ بين الفلسطينيين. من الواضح أن اتساع دائرة السلام لتشمل المنطقة بأسرها والربط الذي خلقته الرؤية الأمريكية بين وقف إطلاق النار وحل الدولتين و"تجديد" السلطة الفلسطينية والسلام الإقليمي كان فعالا للغاية، وخاصة بين الإسرائيليين اليهود، في زيادة نسبة التأييد لمبدأ حل الدولتين لترتفع عن المستويات الأصلية (البالغة كما ذكرنا سابقا 40٪ بين الفلسطينيين و21٪ بين الإسرائيليين اليهود) لتضاعفها بين الإسرائيليين اليهود وتزيدها بمقدار 5 نقاط مئوية بين الفلسطينيين.
إجبار الطرفين على الاختيار بين السلام الثنائي-الإقليمي والحرب الإقليمية: عندما أصبح السؤال صريحا، خيار قسري بين الاحتمالين المذكورين أعلاه، توسيع الحرب أو تبني حل الدولتين والسلام الإقليمي، قام الجمهور لدى الطرفين بعمل قفزة هائلة أخرى حيث فضل حوالي ثلثي الفلسطينيين (65٪) و55٪ من الإسرائيليين اليهود و89٪ من الإسرائيليين العرب خيار السلام الذي كانوا قد رفضوه قبل ذلك بقليل. بلغت نسبة المعارضة بين الفلسطينيين 29٪ وبين الإسرائيليين اليهود 45٪.
الحوافز تبقى ذات فاعلية عالية: الحوافز هي تدابير سياسية يمكن للقادة التفاوض بشأنها مع الجانب الآخر من أجل حشد دعم شعبي أكبر بين دوائرهم الانتخابية. منذ حزيران (يونيو) 2016، وفي ثماني تجارب، اختبر الاستطلاع المشترك العشرات من هذه الحوافز من أجل تقييم فعاليتها في القيام بذلك بالضبط، بهدف جعل رزمة حل الدولتين المفصلة أكثر جاذبية وقبول. أنتجت هذه التجارب مجموعة ناجحة من الحوافز الإيجابية أحادية الجانب التي تم ربطها لاحقا لإنتاج حوافز مزدوجة ثنائية يحصل فيها الطرف الأول على تنازل مهم من الطرف الثاني وفي المقابل يوافق الطرف الأول على تقديم حافز إيجابي مهم للطرف الثاني. ومع ذلك، وبالنظر إلى الضرر النفسي والاجتماعي الكبير الذي لحق بالمجتمعين منذ السابع من أكتوبر، كان من المتوقع التشكيك في استمرار قدرة الحوافز على أن تثبت فعاليتها في ظل ظروف مختلفة جدا عن الماضي. عمل الاستطلاع المشترك لعام 2024 على اختبار قدرة الحوافز على إحداث التغيير الإيجابي المتوقع. تظهر النتائج أن فاعلية الحوافز اليوم قد بقيت كما كانت في الماضي، بل لعلها أصبحت أكثر فاعلية من قبل.
تم تقديم ستة حوافز أحادية الجانب لكل طرف بهدف زيادة تأييده لرزمة حل الدولتين التفصيلية. شملت هذه الحوافز تدابير مثل التعاون الأمني، وإنهاء التحريض المتبادل، والسماح للعمال الفلسطينيين بمواصلة العمل في إسرائيل، والسماح للمصانع الإسرائيلية بمواصلة العمل في الدولة الفلسطينية المستقبلية، والاعتراف بالروابط التاريخية والدينية والاعتراف بالهوية الوطنية لكلا الطرفين، وتسهيل استيعاب اللاجئين من خلال تزويدهم بالمنازل والأراضي، وإطلاق سراح السجناء الفلسطينيين. تمكنت الحوافز الأحادية المقدمة لكل طرف من زيادة تأييد ذلك الطرف ليبلغ الأغلبية بين الطرفين، حيث وصل بين الجمهور الفلسطيني إلى 55٪ فيما كانت النتائج بين الإسرائيليين اليهود أفضل من ذلك، نظرا للانخفاض الكبير في نقطة البداية، حيث ارتفع التأييد لرزمة السلام إلى أغلبية وصلت حتى 60٪.
وعندما تم إقران هذه الحوافز لتصبح مزدوجة، حيث بموجبها يحصل كل طرف على حافز فيما يمنح حافزا للطرف الآخر، كان من الواضح، كما وجدنا سابقا، أنها ستكون أقل نجاحا من الحوافز الأحادية الجانب. لكن النتائج كانت واعدة أيضا. زادت خمسة من أصل ستة حوافز مزدوجة من حجم التأييد الإسرائيلي اليهودي وأنتج حافز مزدوج واحد، هو محاربة التحريض في الكتب المدرسية من كلا الطرفين، أغلبية يهودية تؤيد الرزمة وترفع التأييد من نقطة البداية البالغة 25٪ إلى أغلبية بلغت 61٪. وأتت النتائج في الجانب الفلسطيني بنتائج ناجحة مشابهة حيث زادت أربعة حوافز مزدوجة من نسب التأييد الفلسطيني، مقارنة بنقطة البداية، فيما تمكن حافز مزدوج واحد، هو السماح للعمال الفلسطينيين بالدخول إلى إسرائيل مقابل بقاء المصانع الإسرائيلية في الضفة الغربية في العمل في الدولة الفلسطينية في التسوية الدائمة، حيث ارتفعت نسبة التأييد الفلسطيني للرزمة من 34٪ إلى 54٪.
الخلاصة:
أدى مرور أكثر من عام على الحرب الوحشية الراهنة إلى تصلب الرأي العام بين الفلسطينيين والإسرائيليين وتسمم التصورات المتبادلة بين بعضهم البعض. وعلى الرغم من أن تطورات مماثلة قد شوهدت أثناء الحروب السابقة، إلا أن التطور الحالي لم يسبق له مثيل في شدته. ومع ذلك، وكما رأينا في الحروب السابقة، فإن هذه الشدة تضعف عادة في غضون أشهر بعد انتهاء العنف. علاوة على ذلك، لا تظهر البحوث المسحية بين المجتمعين أي دليل على أن التغيير الحالي هو نتاج تحول أيديولوجي أو ديني. بل يعكس هذا التغيير قدرا أعظم من الخوف والألم الذي يمكن الحد منه من خلال تغيير محسوب في السياسات المتبعة من قادة الطرفين. يمكن أن يكون الخوف عاملا إيجابيا أيضا حيث يمكن الاستفادة من الخوف من الحرب في بلورة دعم شعبي أكبر للسلام. لكن هذا الاستنتاج يتطلب قيادات قوية تتمتع بالشرعية وتمتاز بالشجاعة وتلتزم بهدف السلام، وهي قيادات لا يملكها اليوم أي من الطرفين.
في ظل ظروف مناسبة، ومع وجود قيادة قوية، لا يزال ممكنا لتدابير سياسية على شكل حوافز مصممة خصيصا لهذا الغرض، سواء كانت من جانب واحد، أي بدون أثمان، أو مزدوجة، تقدم الحوافز الإيجابية وتفرض التكاليف، أن تلعب دورا حاسما في الحد من تصلب المواقف مما يؤدي إلى التخفيف من حدة المواقف المتشددة بشكل كبير ويحقق دعما من الأغلبية في كلا الجانبين للسلام الدائم وإنهاء الصراع.
يؤدي هذه الاستعراض إلى دلالتين سياسيتين:
(1) إن الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي اليوم ليس قوة دافعة من أجل السلام؛ ولكن الأدلة تبين أيضا أنه ليس عائقا أمام السلام.
(2) في حين أن القوى المجتمعية تلعب دورا رائدا في قيادة المجتمعات نحو السلام، فإنه في ظل الأجواء السوداوية المطبقة على جمهور الطرفين، يمكن للقيادة القوية وذات المشروعية والمصداقية فقط أن تصنع التغيير المطلوب الذي يمكن أن يحول البيئة الراهنة إلى بيئة مواتية لصنع السلام.