LeftTop

Sub Title: 

26 حزيران (يونيو) 2024 
...

Image: 

هذه نتائج موجزة من الجولة الأخيرة لاستطلاع الباروميتر العربي في فلسطين، وهو الاستطلاع الثامن الذي يتم إجراؤه منذ بدء هذه الاستطلاعات في العالم العربي. تم إجراء الاستطلاع من قبل المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية ......المزيدRead more

Sub Title: 

22 نيسان (ابريل) 2024 
...

Image: 

هذه نتائج موجزة من الجولة الأخيرة لاستطلاع الباروميتر العربي في فلسطين، وهو الاستطلاع الثامن الذي يتم إجراؤه منذ بدء هذه الاستطلاعات في العالم العربي. تم إجراء الاستطلاع من قبل المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية ......المزيدRead more

Sub Title: 

15 كانون الثاني (يناير) 2024 
...

Image: 

هذه نتائج موجزة من الجولة الأخيرة لاستطلاع الباروميتر العربي في فلسطين، وهو الاستطلاع الثامن الذي يتم إجراؤه منذ بدء هذه الاستطلاعات في العالم العربي. تم إجراء الاستطلاع من قبل المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الضفة الغربية وقطاع غزة خلال الفترة التي سبقت مباشرة اندلاع حرب تشرين أول (أكتوبر) في قطاع غزة ومحيطها في الجانب الإسرائيلي.....المزيد

 Read more

في الثاني من تموز/ يوليو 2020 عقد كل من اللواء جبريل رجوب عضو اللجنة المركزية لحركة فتح وصالح العاروري نائب رئيس المكتب الساسي لحركة حماس مؤتمرا صحفيا مشتركا، بعد قطيعة دامت أكثر من عامين، في إطار مواجهة خطة الضم الإسرائيلية. لكن هذا المؤتمر لم يتضمن تصورا لكيفية انهاء الانقسام واستعادة الوحدة بعد مرور ثلاثة عشر عاما على الانقسام الفلسطيني الداخلي، ومن غير الواضح قدرة هذا اللقاء والحوارات اللاحقة بين الحركتين على إحداث تحول أو خلق أفق لتسوية تعيد اللحمة السياسية للكيان الفلسطيني في الضفة الغربية وقطاع غزة.

بقيت الحلول المطروحة لاستعادة الوحدة وانهاء الانقسام طموحة منذ اتفاق القاهرة عام 2011، فإما الوحدة الاندماجية أو البقاء على حالة الانفصال المؤسساتي بينهما، وبقيت تراوح مكانها دون أمل بتجاوز العقبات القائمة، ودون تخفيف من أطماع الأطراف في الهيمنة والسيطرة على الطرف الاخر وتعزيز مواقعه واستحواذه على النظام السياسي. وفي غياب رؤية فلسطينية موحدة لتجاوز هذا الانقسام أو وضع حلول مرحلية لاستعادة الوحدة وإنهاء الانقسام تظهر نتائج الاستطلاع الذي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران/ يونيو 2020 أن حوالي ثلثي الجمهور متشائمون بإمكانية استعادة الوحدة قريبا.[1]

أدى الانقسام الفلسطيني إلى إعادة طرح طبيعة النظام الاداري في السلطة الفلسطينية للنقاش من حيث شكله وعلاقته بطبيعة الكيان السياسي الفلسطيني؛ ما بين المركزية الادارية واللامركزية للنظام الاداري، وما بين الوحدة الاندماجية والفدرالية أو حتى الكونفدرالية. في هذه الأثناء تعمقت الفجوة بين الضفة الغربية وقطاع غزة ليس فقط بسبب الانقسام بل لمجمل عوامل ثقافية واجتماعية واقتصادية بالإضافة إلى النظام القانوني. كما ازدادت الفجوة في نظرة المواطنين في كل من الضفة والقطاع فيما يزداد إحساس سكان قطاع غزة بالعزلة والإهمال يقابله إحساس بالإحباط وعدم الثقة في النظام السياسي ومستقبله القائم على حل الدولتين.

تهدف هذه الورقة إلى استعراض ثلاثة بدائل مؤقتة لاستعادة الوحدة الكاملة في ظل استعصاء انهاء الانقسام على مدار السنوات الثلاثة عشر الماضية: كإقامة اتحاد كونفدرالي، أو تبني النظام الفدرالي، أو اعتماد اللامركزية الإدارية. تستند المفاضلة بين البدائل الثلاث على أربعة اعتبارات هي: (1) قدرتها على تقصير الفترة الانتقالية لإنهاء الانقسام، و(2) قبول الرأي العام الفلسطيني لها، و(3) اسهامها في رسم مستقبل بناء الدولة وعملية السلام، و(4) ومدى نجاحها في بناء نظام سياسي ديمقراطي. 

 

 (1) خلفية ولماذا هذه الورقة:  

تكتسي استعادة الوحدة أهمية بالغة لدى الشعب الفلسطيني باعتبارها مصلحة وطنية عليا. لكن الخلافات تتعمق كلما اقترب أي حوار من مصالح أو مكانة أو مكتسبات أي طرف من الأطراف الحاكمة في الضفة والقطاع. كما يتجذر الانقسام والفرقة كلما انقضى الزمن، فبعد ثلاث عشرة سنة على الانقسام باتت إمكانية استعادة الوحدة أصعب مما كانت عليه في السنوات الأولى بسبب الافرازات المؤسساتية والثقافية أو البنى الاجتماعية المحمولة على التعامل معها. 

فشلت الحوارات والاتفاقيات التي تم توقيعها سواء بين حركتي فتح وحماس أو الاتفاقية الجماعية التي وقعتها الفصائل الفلسطينية مجتمعة بدءا من اتفاق القاهرة عام 2011 مرورا باتفاق الشاطئ وقبله اتفاق الدوحة وصولا إلى اتفاق أكتوبر 2017 القاضي باستلام حكومة الوفاق الوطني لمؤسسات السلطة في قطاع غزة وإدارة المعابر. كذلك فشلت الحكومات المتعاقبة في توحيد المؤسسات وتهيئة الظروف لإجراء الانتخابات العامة سواء التشريعية أو الرئاسية. كما اصطدمت المحاولة الأخيرة لإنهاء الانقسام التي قادتها لجنة الانتخابات المركزية برئاسة د. حنا ناصر "كوسيط" لإجراء الانتخابات التشريعية كخطوة على طريق الانتخابات الرئاسية واستعادة الوحدة بعدم اصدار المرسوم الرئاسي بحجة عدم اليقين بإمكانية اجراء هذه الانتخابات في مدينة القدس. ويبدو أن الأطراف المتنازعة ما زالت تعتقد أنه يمكن الحصول على مبتغاها القاضي بتحييد الآخر في مناطق سيطرتها أو الظفر بمقاليد النظام السياسي دون وصول الاخرين أو مشاركتهم فيه. هذا الامر بات غير ممكن لأسباب موضوعية حاكمة تتعلق بالجغرافيا والقدرة المادية وكذلك التأييد الشعبي.

 

تشاؤم شعبي

تشير استطلاعات الرأي التي أجراها المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية[2] إلى أن الجمهور متشائم بمستقبل المصالحة واستعادة الوحدة في الوقت القريب نتيجة للممارسات التي تقوم بها الأطراف في الضفة الغربية وقطاع غزة. ففي الوقت الذي يحظى انهاء الانقسام وتوحيد الضفة الغربية وقطاع غزة بتأييد واسع بين جمهور من الفلسطينيين باعتبارها مصلحة وطنية عليا؛ حيث أظهرت نتائج الاستطلاع رقم 75 الذي أجراه المركز الفلسطيني في شباط/ فبراير 2020 أن نسبة من 90% من المواطنين يؤيدون انهاء الانقسام وتوحيد الضفة والقطاع للرد على الخطة الامريكية وعلى ضم إسرائيل لأراضي فلسطينية (89% في الضفة و91% في قطاع غزة). في المقابل يقول 29% من الجمهور أنهم متفائلون بنجاح المصالحة فيما يقول 64% بأنهم غير متفائلين، وفقا لنتائج الاستطلاع الذي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في حزيران/ يونيو 2020. كما أن نسبة من 41% تعتقد أن الوحدة لن تعود وسينشأ كيانان منفصلان في الضفة وغزة فيما تعتقد نسبة من 40% أن الوحدة ستعود ولكن بعد فترة طويلة وتعتقد نسبة من 12% فقط أن الوحدة ستعود في وقت قريب.[3] 

 

الانقسام يزيد الفجوة في الآراء بين سكان المنطقتين

بالإضافة لما سبق ذكره، وجدت نتائج استطلاع الرأي العام الذي أجراه المركز الفلسطيني في شباط/فبراير 2020[4] تباينات في مواقف وآراء وانطباعات المواطنين في كل من الضفة والقطاع حول مسائل متعددة: ففي الوقت الذي يرى 25% من المواطنين في قطاع غزة أن استمرار حصار قطاع غزة واغلاق معابرة تعد المشكلة الأساسية التي يجب أن تحظى بالأولوية للسلطة الفلسطينية فإن 8% فقط من المواطنين في الضفة الغربية يعتقدون ذلك. ينعكس هذا التباين على أولية مكافحة الفساد في مؤسسات السلطة بفارق 23 نقطة حيث يرى 34% في الضفة بأنها يجب ان تحظى بالأولية مقابل 11% في القطاع.

يظهر الاختلاف واضحاً بين المواطنين في الضفة والقطاع في وصف أنفسهم حيث يقول 30% فقط من سكان الضفة أنهم متدينون مقابل 50% من سكان القطاع، ويقول 67% من سكان الضفة أنهم متوسطو التدين مقابل 44% في القطاع. ويزداد الفارق بحوالي 28 نقطة في تقييم أداء الرئيس محمود عباس منذ انتخابه حيث يقول 77% من سكان القطاع بأنهم غير راضين مقارنة بـ 49% في الضفة. ويظهر الاختلاف أيضا في مسألة اجراء الانتخابات حتى ولو كان الثمن تصويت سكان القدس في صناديق اقتراع خارج المدينة على خلاف الانتخابات الرئاسية التشريعية التي جرت في 2005 و2006 على التوالي، حيث يوافق 51% من سكان الضفة الغربية على ذلك مقارنة بـ37% من سكان قطاع غزة. كذلك يقول 51% من سكان الضفة أن السلطة انجاز للشعب الفلسطيني مقارنة بـ 39% في قطاع غزة، فيما يرى 55% من سكان غزة ان السلطة الفلسطينية قد اصبحت عبأً على الشعب الفلسطيني مقابل 42% من سكان الضفة.

يزيد الفرق إلى 21 نقطة في مدى الرضا عن رد القيادة الفلسطينية على الخطة الأمريكية حيث يقول 47% من سكان الضفة الغربية، مقابل 26% في قطاع غزة، بأنهم راضون عن رد القيادة الفلسطينية. كما تظهر الفروقات بين آراء المواطنين في الضفة الغربية وقطاع غزة للمطلوب من الطرف الفلسطيني فعله ردا على الخطة الامريكية وعلى ضم إسرائيل لأراضي فلسطينية؛ حيث يؤيد 81% من سكان القطاع اللجوء للعمل المسلح أو العودة لانتفاضة مسلحة مقابل 53% في الضفة الغربية، ويؤيد 59% من سكان القطاع حل السلطة الفلسطينية مقابل 36% من سكان الضفة، كما يؤيد 49% من سكان القطاع مقابل 29% في الضفة التخلي عن حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة.

 

تأثيرات الانقسام على الفجوة الاقتصادية بين الضفة والقطاع

نتج خلال الثلاثة عشر عاما من الانقسام تحولات عميقة على الاقتصاد في قطاع غزة، مقارنة بالضفة الغربية، في جزء منه ناجم عن الحصار الإسرائيلي المتواصل منذ اكثر من أربعة عشر عاما للقطاع ما أدى إلى تراجع حاد في التنمية الاقتصادية، ومن العدوان الإسرائيلي المتكرر الذي أدى إلى تدمير البنى التحتية وممتلكات الافراد والمنشآت الاقتصادية، وجزء آخر ناجم عن الانفصال عن الضفة الغربية التي حظيت بدعم اقتصادي سواء من الدعم الدولي أو الانفاق الحكومي الواسع سواء في التوظيف أو الاستثمار في القطاعات المختلفة بالإضافة إلى تدفق العمالة في إسرائيل.

تشير بعض المؤشرات الاقتصادية إلى فروقات واسعة، حيث تبلغ نسبة الفقر بين الافراد في قطاع غزة للعام 2017، وفقا للجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، 53% مقارنة بـ 13% في الضفة الغربية. كما ترتفع البطالة في قطاع غزة بمقدار ثلاثة أضعاف مثيلاتها في الضفة الغربية (45% مقابل 15%).[5] ينخفض معدل الأجر اليومي للعاملين في القطاع الخاص إلى 44 شيقلا في قطاع غزة مقارنة بـ118 شيقلا للعاملين في الضفة الغربية. كما بلغ عدد المستخدمين بأجر في القطاع الخاص الذين يتقاضون أقل من الحد الأدنى للأجر (أي 1,450 شيقل) حوالي 109,000 عامل منهم 24,300 فقط في الضفة الغربية (يمثلون حوالي 22% من إجمالي المستخدمين باجر في القطاع الخاص في الضفة الغربية وبمعدل أجر شهري يبلغ 1,038 شيقلا) مقابل 84,400 مستخدم بأجر في قطاع غزة، (يمثلون حوالي 78% من إجمالي المستخدمين بأجر في القطاع الخاص في قطاع غزة بمعدل أجر شهري لا يتجاوز 700 شيقل).[6]

ووفقا لمؤشرات الحسابات القومية في فلسطين للعام 2018 فإن الناتج المحلي الإجمالي يبلغ 15.6 مليار دولار أمريكي تساهم الضفة الغربية فيه بحوالي 12.8 مليار دولار أمريكي فيما يساهم قطاع غزة بحوالي 2.8 مليار دولار أمريكي فقط. كذلك، يبلغ نصيب الفرد من الناتج المحلي في قطاع غزة حوالي ثلث ما يبلغ نصيب الفرد في الضفة الغربية، أي 1458 دولار أمريكي مقابل 4854 دولار أمريكي.[7] 

 

مستقبل الديمقراطية

أوقف الانقسام الداخلي السند الرئيسي الذي يقوم عليه النظام السياسي الفلسطيني المتمثل بالانتخابات الحرة لاختيار ممثليه في المجلس التشريعي وانتخاب رئيس السلطة. فقد انقضت عشر سنوات منذ انتهاء مدة ولاية رئيس السلطة والمجلس التشريعي في كانون ثاني/ يناير 2010 وفقا لقانون الانتخابات الذي جرت على أساسه الانتخابات العام 2006.

يشكل إجراء الانتخابات الفلسطينية حاجة أساسية لبناء نظام ديمقراطي يحظى بالمشروعية، لكن عدم إجراء الانتخابات في الضفة والقطاع يُفقد النظام السياسي القدرة على الانتقال الديمقراطي، ويحجر حق المواطنين في اختيار ممثليهم في الحكم، ويضاعف من المأزق السياسي الفلسطيني باستمرار تآكل شرعية مؤسسات النظام السياسي الفلسطيني. إن مما لا شك فيه أن عدم إجراء الانتخابات للمؤسسات السياسية في السلطة الفلسطينية سيبقى المؤسسات السياسية غير خاضعة للمساءلة ولمبدأ المشروعية، ويبقي الجهاز القضائي خاضعا للتدخلات، ويضيق من ضمانات الحريات العامة وحقوق الانسان، ويضعف من استقلالية المجتمع المدني وتعدديته.

 

صراع إقليمي ومحاور على حساب الفلسطينيين واستمرار الحصار

كذلك أدى الانقسام الداخلي، على مدار السنوات الثلاثة عشر ماضية، إلى تحويل الموضوع الفلسطيني لمكون من مكونات الصراع الإقليمي بين القوى الإقليمية المختلفة. كما أن وجود ارتباطات لأطراف فلسطينية مع هذه القوى والمحاور الإقليمية أضعف الجبهة الفلسطينية وحدّ من إمكانية استعادة الوحدة بسبب الخلافات بين هذه القوى، وتعرض الفلسطينيون، خاصة في قطاع غزة، إلى تحمل أعباء إضافية ناجمة عن الصراعات الإقليمية.

كما أن الدخول في لعبة المحاور الإقليمية وتبعثر الجهود الفلسطينية والإقليمية، وعدم القدرة على تمكين الحكومة من العمل في قطاع غزة أو انشاء حكومة شرعية جعل انهاء الحصار الإسرائيلي غير ممكن بل منح الطرح الإسرائيلي قبولا من بعض الأطراف الدولية لهذا الحصار، وأبقى النظر إلى قطاع غزة من باب المساعدة الإنسانية بحدها الأدنى دون النظر إلى الاحتياجات السياسية الفلسطينية بإنهاء الاحتلال واقامة دولتهم المستقلة، وعزز ادعاء اسرائيل بعدم وجود شريك للسلام قادر على الحديث باسم كافة الفلسطينيين.        

  

(2) البدائل المتاحة لاستعادة الوحدة

إن الرغبة الواسعة لدى الجمهور باستعادة الوحدة تدعونا للتفكير في بدائل مؤقتة عن العودة للوحدة الاندماجية "الكاملة" مثل الفدرالية أو الكونفدرالية باعتبارها بدائل مؤقتة قد تتيح نوعا من الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة. إن مما لا شك فيه أن العودة إلى الوحدة الكاملة، التي تتمثل بسيطرة سياسية وإدارية للمركز (العاصمة) على بقية الأجزاء، وبوجود موازنات موحدة ونظام ضريبي واحد، وبتحكم السلطة السياسية بأولويات التنمية وجهاتها وبالمسؤولية عن الأمن العام، هو الخيار الأمثل للحفاظ على الوحدة الجغرافية الذي يحاول الفلسطينيون ضمان وجودها في أي اتفاق مستقبلي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، وهي التعبير الاوسع عن انصهار الوطنية الفلسطينية في ظل غياب اختلافات جوهرية في البنى الثقافية. لكن الفرقاء لم يتمكنوا من تحقيق ذلك طوال الفترة الممتدة من عام 2011، أي منذ توقيع اتفاق القاهرة، ومن ثم بروتوكول مخيم الشاطئ وصولا إلى اتفاق اكتوبر 2017، وبقيت مسألة الحصول على امتيازات الحكم والسيطرة عليه قائمة. تعرض هذه الورقة ثلاثة بدائل مؤقتة ممكنة لشكل استعادة الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة بهدف تجاوز حالة الانقسام وعدم تحولها إلى انفصال دائم هي:[8] 

 

البديل الأول هو إقامة اتحاد كونفدرالي. يستند هذا البديل المؤقت على إقامة كيانين أو "دولتين" منفصلتين، واحدة في قطاع غزة وأخرى في الضفة الغربية، لكنهما ترتبطان بعلاقات اقتصادية مشتركة وتوحيد المواقف السياسية الخارجية ضمن مجلس مشترك أمام المجتمع الدولي. يتيح هذا البديل إمكانية بناء نظم مؤسساتية منفصلة ومنح شرعية لها من خلال إمكانية اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية في كلا الدولتين دون الخضوع لشروط متبادلة كالتخوفات المتعلقة بعدم نزاهتها. ويتيح لكل دولة اختيار شكل النظام السياسي وحدوده، كما يمكن لكل دولة اختيار النظام الاقتصادي بما يتناسب مع امكانياته الاقتصادية. لكن هذا البديل يزيد من مخاطر الانفصال السياسي بين الضفة والقطاع، ويثير تخوف عدم إمكانية العودة للوحدة الكاملة. كما أن مخاطر استغلال إسرائيل وتسويقها أمام العالم أن الدولة الفلسطينية قائمة في قطاع غزة، وتدعيم استفرادها بالضفة الغربية وتنفيذ اطماعها بالضم والسيطرة على الضفة الغربية تبقى قائمة، وكذلك الإبقاء على حصارها على قطاع غزة حيث "الدولة المعادية التي تسيطر عليها حركة حماس". كذلك تزداد في هذا البديل مخاطر عدم قيام نظام ديمقراطي في الكيانين نتيجة لغياب أية انتخابات عامة منذ أربعة عشر عاما. 

 

البديل الثاني هو تبني النظام الفيدرالي. يتمثل هذا البديل بوجود لا مركزية سياسية وإدارية؛ بحيث يتولى كل "إقليم" انتهاج سياسات اقتصادية ونظام ضرائبي وموازنات مختلفة، كما أن النظام القانوني والتعليمي قد يكونان مختلفين، وتوجد فيه سيطرة تامة للسلطات الإقليمية على قوى الأمن. كما أن السلطات الإقليمية تستمد صلاحياتها السياسية والإدارية بقرار دستوري سياسي، فيما تتولى الحكومة المركزية شؤون العلاقات الخارجية وتوقيع الاتفاقيات والدفاع.

يُبقي هذا البديل على الوحدة المركزية للفلسطينيين في دولة واحدة مع الاخذ بالاعتبار الاحتياجات والظروف والقدرات الاقتصادية والثقافية لسكان كل إقليم على حدة. ويتيح إمكانية قيام نظام ديمقراطي في كل إقليم وعلى المستوى الوطني باعتباره مرحلة انتقالية للعودة التدريجية للوحدة الكاملة للإقليمين، خاصة إذا ما تم إجراء توحيد للمنظومة القانونية والمؤسساتية فيها. يبقي هذا البديل امكانية الانفصال قائما في ظل وجود منظومتين قانونيين مختلفتين يتمسك كل إقليم بصوابية نظامه؛ وقد يعود ذلك لتعود المراكز القانونية فيها عليها وعدم الرغبة في تغييرها كما هي الحال في السنوات التي سبقت الانقسام. كما يستمر وجود منظومتين للمؤسسات القائمة فيهما تتنافسان على المصالح والنفوذ والصلاحيات للأشخاص والتنظيمات الحاكمة فيهما.

 

البديل الثالث هو اعتماد الوحدة اللامركزية. تتمثل هذه اللامركزية بوجود سلطة سياسية مركزية ولكن مع لامركزية إدارية. يقتضي هذا الاقتراح وجود سلطتين إقليميتين إداريتين في الضفة الغربية وقطاع غزة (يتم إنشائهما بقرار إداري من السلطة المركزية ويمكن توسيع أو تقليص صلاحياتهما) تتوليان تنسيق خطط وجهود السلطات المحلية في كل إقليم، حيث أن كل إقليم يتمتع بدرجة من التجانس الاقتصادي والإداري الداخلي يمكن معها اعتباره وحدة مستقلة قادرة على بلورة خططها التنموية المنفردة في ظل السياسات الاقتصادية العامة التي تضعها السلطة المركزية. تتولى السلطة المركزية، في هذا النظام، اتخاذ القرارات الرئيسية وتبني سياسات اقتصادية واحدة فيما تتولى السلطات الإقليمية والمحلية تبني نظام ضريبي محلي ووجود موازنات محلية مستقلة ومختلفة، ووجود عناصر مشتركة في النظام القانوني والتعليمي على مستوى الدولة وأخرى محلية، وتتشارك كل من السلطات المركزية والإقليمية والمحلية في السيطرة على قوى الأمن وفق قواعد محددة مما يخفف من قبضة السلطة المركزية على الأجهزة الأمنية ويساهم في تعزيز مهنيتها.

إن أحد مزايا هذا البديل المؤقت أنه يُبقي على الوحدة بين الضفة الغربية وقطاع غزة وهو الأقرب للوحدة الاندماجية الكاملة، ويراعي الاحتياجات والظروف والقدرات الاقتصادية والثقافية لسكان كل إقليم على حدة. ويتيح إمكانية قيام نظام ديمقراطي على المستوى الوطني وعلى المستوى المحلي ويعزز التنمية المحلية على أساس اللامركزية الإدارية في البلاد. لكن يبقي التخوف من بقاء الهيمنة الحزبية القائمة في القطاع والضفة على المؤسسة المحلية من جهة والسيطرة على قوى الامن فيهما وامتداد ثقافتهما الانفصالية في المؤسسات المستحدثة.

 

الخلاصة:

مما لا شك فيه أن الخروج من الازمة الحالية، بهدف استعادة الوحدة وإنهاء الانقسام، يقتضي النظر بعقل مفتوح وبعين فاحصة لطبيعة العلاقة بين الضفة والقطاع في ضوء تجارب متعددة بدلا من الإبقاء على الانقسام المفضي إلى الانفصال حتما مع مرور الوقت. كما يتطلب تقديم حل يخلق توازنا بين مصلحة الحفاظ على النظام السياسي وصون الثقافات وحماية الخصوصية للسكان والظروف الخاصة للمنطقة الجغرافية وأدوات ربط ناجعة بينهما.  

إن البديل المتمثل بالوحدة اللامركزية التي تتمثل بوجود سلطة سياسية مركزية ولا مركزية إدارية، كما جاء في البديل الثالث أعلاه، هو الأكثر قدرة على خلق هذا التوازن في ظل الظروف الراهنة حيث أنه يوفر آليات وأدوات الانصهار الوطني، ويعزز الوحدة السياسية بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ويراعي الاحتياجات والظروف والقدرات الاقتصادية والثقافية لسكان كل إقليم على حدة. كما يتيح تبني التنمية المحلية على أساس اللامركزية الإدارية في البلاد، ويمنح إمكانية اجراء الانتخابات العامة لتعزيز مشروعية النظام السياسي ويحد من مخاطر الانتقال الديمقراطي. يحد هذا البديل من مخاطر الانفصال مستقبلا كما هو الحال في البديلين الآخرين، وهو ينسجم مع موقف الأغلبية في الرأي العام الفلسطيني الرافضة بشكل واسع (60% من الجمهور)[9] لإمكانية وجود قيام أشكال أخرى من العلاقة بين جناحي الكيان الفلسطيني كالكونفدرالية مثلا. كما يساعد هذا البديل الثالث على إنهاء معاناة الفلسطينيين في قطاع غزة، ويوحد الجهود في عملية المواجهة مع الاستعمار الإسرائيلي ويحد من المخاطر الناجمة عن السياسات الإسرائيلية الاستعمارية، ويقوي الموقف السياسي الرسمي في المحافل الدولية. بالإضافة إلى أنه يمكن من تجاوز العقبات القائمة للوصول إلى الوحدة الكاملة المرغوبة من قبل أغلبية الشعب الفلسطيني.

 

[1]  انظر: الموقع الالكتروني للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية المسحية. https://www.pcpsr.org/ar/node/602

[2] أنظر: استطلاعات الرأي العام للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية www.pcpsr.org

[3]  انظر: الموقع الالكتروني للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية المسحية. https://www.pcpsr.org/ar/node/602

[4]  انظر: الموقع الالكتروني للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية المسحية.      http://pcpsr.org/ar/node/800

[5]  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فلسطين في أرقام 2019، رام الله، 2020. http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2512.pdf

 [6] أنظر: موقع الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني http://www.pcbs.gov.ps/portals/_pcbs/PressRelease/Press_Ar_13-4-2020-lab.pdf

[7]  الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، فلسطين في أرقام 2019، مصدر سابق، ص 60.

[8]  انظر: خليل الشقاقي، الضفة الغربية وقطاع غزة: العلاقات السياسية والإدارية المستقبلية، القدس: الجمعية الفلسطينية الأكاديمية للشؤون الدولية، 1994، ص ص 91-116.  وكذلك: جهاد حرب، الفرص والعقبات أمام استعادة الوحدة ببين الضفة الغربية وقطاع غزة: تغيرات على النظام السياسي والإدارة العامة منذ الانفصال، رام الله: المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، 2011، ص ص 17-19.

[9]  انظر نتائج الاستطلاع رقم 76 للمرز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. http://pcpsr.org/sites/default/files/Poll-76-Arabic-Full%20Text.pdf

Arabic

On July 2, 2020, Jibril Rajoub, member of the Fatah Central Committee, and Saleh Al-Arouri, deputy head of the Hamas political bureau, held a joint press conference to announce joint plans to confront the Israeli annexation plan. The joint statement issued by the two men comes after a rift of more than two years. The statement did not refer to a vision of how to end the split and restore unity after thirteen years of internal Palestinian division. The ability of this meeting and subsequent dialogue to bridge differences between the two sides is unclear.

 

The solutions proposed since the 2011 Cairo Agreement to restore unity have failed to reach the intended goal, in part because of their ambitious goal of restoring full reunification. This failure reflect the inability to overcome existing obstacles as both sides refuse to abandon their goal of dominating and controlling the other while strengthening their own positions and manipulating the political system. Today, we remain unable to develop a unified Palestinian vision able to overcome this division or put in place interim solutions to end it. Indeed, the Palestinian public seems to have lost hope of a quick fix as the results of a poll conducted by the Palestinian Center for Policy and Survey Research (PSR) in June 2020 reveal that about two-thirds of the public are pessimistic about the possibility of restoring unity in the near future.[1]

Over the years of the split, a review has taken place of the nature and form of the Palestinian Authority’s administrative system and its relationship to the vision for the Palestinian political entity. This review sought to examine various organizational concepts, such as centralization vs. decentralization, integrative vs. federal or even confederal unity. Moreover, during the past thirteen years, the gap between the West Bank and the Gaza Strip has widened, not only due to the division, but also due to the totality of cultural, social, economic and legal factors and developments. The gap in citizens’ perception in the West Bank and the Gaza Strip has also widened, with increasing feelings of isolation and neglect among residents of the Gaza Strip, matched by a feeling of frustration and distrust in the political system and the future of the two-state solution.

In light of the current deadlock in the efforts to restore full unity, this critical brief aims to review three phased or temporary alternatives: a confederation, a federal system, and a decentralized administration. The assessment of each of these alternatives is based on four main considerations: (1) the ability to shorten the transitional period to end the split, (2) acceptance by the Palestinian public, (3) the ability to protect the goal of state-building in the context of the Palestinian-Israeli peace process, and (4) the ability to positively affect a transition to democracy in the Palestinian political system.

 

(1) Background: why this paper?

The restoration of unity is of great importance to the Palestinian people as a supreme national interest. But the gap widens between the positions of the two rival parties whenever the reconciliation dialogue affects their interests, status, or gains. Division and discord are also more entrenched with the passage of time. After thirteen years, the possibility of restoring unity has become more difficult than it was at the outset, due to institutional changes, cultural developments, and social structures that have evolved over time in order to accommodate and deal with the split.

The dialogues and signed agreements have failed, whether between Fatah and Hamas or the collective agreement signed by the Palestinian factions starting with the 2011 Cairo Agreement, through the Doha Agreement, the Beach Camp Agreement, and the October 2017 agreement to hand control of PA institutions in the Gaza Strip and management of the border crossings to a unity government. Successive governments have failed to unify institutions and create conditions to hold general elections, whether legislative or presidential. The last attempt to end the division, led by the Central Elections Commission, headed by Dr. Hanna Nasser as ‘mediator’, which aimed to conduct legislative elections as a step toward presidential elections and the restoration of unity, has also failed when the expected presidential decree was not issued, on the pretext of uncertainty about the possibility of holding these elections in Jerusalem. It seems that the conflicting parties still believe that they can achieve their aims to neutralize the other within the areas of their control, or take the reins of the political system while not allowing others access or participation. This is no longer feasible due to objective factors and the overriding forces of geography, material ability, and popular support.

Prevailing pessimism

Opinion polls by PSR[2] show the public to be pessimistic on reconciliation and restoration of unity in the near future. Ending the division and unifying the West Bank and Gaza Strip enjoys a wide public support as a supreme national interest. Results of PSR Poll #75, conducted in February 2020, show a 90% support (89% in the West Bank and 91% in the Gaza Strip) for ending the division and unifying the West Bank and the Gaza Strip as a response to the Trump plan and the Israeli annexation threat. Yet, only 29% of the public are optimistic about the prospects of reconciliation while 64% are not, according to the results of a PSR poll conducted in June 2020. Also, 41% believe that unity will not return and two separate entities will be established in the West Bank and Gaza while 40% believe unity will return, but after a long period; only 12% believe that it will return in the near future.[3]

Division widens the gap between residents of the two regions

In addition to the previous findings, PSR’s February 2020[4] poll shows important attitudinal differences between residents of the West Bank and the Gaza Strip on various issues, with a gap of more than 20 points, in some instances. For example, while 25% of Gazans see the continuing blockade and the closing of the Gaza’s border crossings as the top priority problem for the Palestinian Authority, only 8% of West Bankers feel the same. The same variation is reflected in the primacy of fighting corruption in PA institutions, with a difference of 23 points: 34% in the West Bank see it as the top priority, compared to 11% in the Gaza Strip.

The differences are wide in the level of religiosity with 30% of West Banker describing themselves as religious, compared to 50% of the Gazans; 67% of West Bankers describe themselves as somewhat religious, compared to 44% in the Strip. The gap increases by about 28 points in the evaluation of the performance of President Mahmoud Abbas since his election, with 77% of Gazans indicating dissatisfaction, compared to 49% in the West Bank.  A difference also appears in the issue of holding elections even if, unlike the previous legislative and presidential elections that took place in 2005 and 2006, it results in voting by Jerusalem residents in polling stations outside the city, with 51% of West Bankers, compared to only 37% of Gazans supporting such electoral arrangement. There is a gap of 11 points between the opinion of the two groups in assessing the value of the Palestinian Authority, with 51% of West Bankers describing it as an asset for the Palestinian people, compared to 39% in the Gaza Strip. Conversely, 55% of Gazans see the PA as a burden on the Palestinian people, compared to 42% in the West Bank.

The gap increases to 21 points in the level of satisfaction with the Palestinian leadership’s response to the American plan, with 47% of West Bankers, compared to only 26% of Gazans, satisfied with that response. There are also differences on what should be done by the Palestinians in response to the Trump plan and the Israeli annexation threat, with 81% of Gazans in favor of a resort to armed struggle or a return to an armed uprising, versus 53% in the West Bank. Moreover, 59% of Gazans, compared to only 36% of West Bankers support a dissolution of the Palestinian Authority. Finally, 49% of Gazans, compared to 29% of West Bankers, support the abandonment of the two-state solution and embracing a one-state solution.

Effects of the split on the economic gap between the West Bank and Gaza Strip

Thirteen years of division have led to profound transformations in the economy of the Gaza Strip compared to that of the West Bank.  This has been partly the result of the Israeli blockade of the Gaza Strip, that has continued for more than fourteen years, and repeated Israeli wars that have destroyed infrastructure, individual property and economic establishments, leading to a sharp decline in economic development. Additionally, the gap has been caused by the separation from the West Bank, which has received economic support from both international donors or broad government spending, whether in employment or investment in various sectors, as well as the flow of labor in Israel.

Some of the main economic indicators point to wide economic gaps. The poverty rate in the Gaza Strip for 2017, according to the Palestinian Central Bureau of Statistics, is 53%, compared to only 13% in the West Bank. Unemployment in the Gaza Strip is also three times higher than that in the West Bank (45% versus 15%).[5] The average daily wage for workers in the private sector drops to NIS 44 in the Gaza Strip compared to NIS 118 for workers in the West Bank. The total number of wage employees in the private sector who are paid less than the minimum wage (i.e., NIS 1,450) is about 109,000 workers, of which only 24,300 are found in the West Bank (representing about 22% of the total wage employees in the private sector in the West Bank) with a monthly wage rate of NIS 1,038, compared to 84,400 wage employees in the Gaza Strip (representing about 78% of the total wage employees in the private sector in the Gaza Strip) at a monthly wage of no more than NIS 700.[6]

According to the 2018 indicators of national accounts in Palestine, the gross domestic product was $15.6 billion, of which the West Bank contributed about $12.8 billion versus $2.8 billion only by the Gaza Strip. Per capita GDP in the Gaza Strip is about a third of that in the West Bank ($1,458 compared to $4,854).[7]

The Future of democracy

The split has halted the main pillar of the political system, free elections to choose one’s own representatives to the Palestinian Legislative Council (PLC) and elect the President of the PA. Ten years have passed since 2010, the date for the end of the term of the President and the PLC, according to the election law which the 2006 elections were based on.

The holding of Palestinian elections is essential to build a democratic system that enjoys legitimacy. The lack of elections in the West Bank and the Gaza Strip deprives the political system of the ability for democratic transition, impedes the right of citizens to choose their government representatives, and increases the political deadlock by the continued erosion of institutional legitimacy of the political system. There is no doubt that the lack of elections deprives PA institutions of accountability and legitimacy, keeps the judiciary subject to executive interventions, restricts public freedoms and human rights, and undermines the independence and pluralism of civil society.

Regional conflict and axis at Palestinian expense and continuation of the Gaza blockade

Thirteen years of internal division have transformed the Palestinian issue to become one of the components of the regional conflict. The alignment of Palestinian parties to regional powers and axis have also weakened the Palestinian front and limited the possibility of restoring unity due to the disputes between those outside forces. Palestinians, especially in the Gaza Strip, have been subjected to additional burdens resulting from regional conflicts.

Becoming part of the regional rivalry and scattering Palestinian and regional efforts while failing to establish a legitimate governing body, have made it more difficult to end the Israeli blockade. Instead, it gave Israel the opportunity to take advantage and gain acceptance for its imposed blockade by some international powers and kept the attention paid to the Gaza Strip restricted to humanitarian assistance, without regard to the Palestinian political needs of ending the occupation and establishing an independent state. This situation has also reinforced Israel’s claim that there is no peace partner capable of speaking on behalf of all Palestinians.       

 

(2) Possible alternatives to full reunification

The widespread public desire to restore unity invites the political elite to consider temporary alternatives to a return to ‘full’ integrative unity, such as a federation or confederation which could provide a form of phased or temporary partial unity between the West Bank and Gaza. There is no doubt that a return to full unity-- represented by political and administrative control by the center (the capital) over the remaining parts, the existence of unified budgets, a single tax system, and the setting of developmental priorities and the control over public security by a single political authority-- is the best option to preserve territorial unity that the Palestinians seek to ensure in any future agreement with Israel. It is also the broadest expression of Palestinian nationalism, in the absence of fundamental differences in cultural structures. But the rival groups have failed since the 2011 Cairo Agreement to achieve this goal. The impeding dynamics of the rivalry, the desire to have access to the privileges of governance and its control, have remained in place. This brief presents three temporary alternatives to a possible restoration of unity between the West Bank and the Gaza Strip with the aim of overcoming the split and preventing it from leading to a permanent separation:[8]

Alternative one, a confederation: This temporary alternative is based on the establishment of two entities or “states,” one in the Gaza Strip and the other in the West Bank. The two would be separate but related through joint economic relations and the unification of external political positions within a joint council addressing the international community. This alternative offers the possibility of building separate institutional systems and granting them legitimacy through holding legislative and presidential elections in both states. It allows each state to choose the form and limits of its political system, and to select its economic system in accordance with its needs. But this alternative increases the risk of cementing separation and raises fears that it will not be possible to return in the future to full unity. Likewise, it raises the danger of Israel exploiting and marketing to the world that the Palestinian state already exists in the Gaza Strip, strengthening Israel’s control over the West Bank and implementing its ambitions to annex and control it. Also, it enables Israel to maintain its blockade of the Gaza Strip, “the hostile state controlled by Hamas.” In addition, there is a continued risk of failure to build a democratic system in either of the two states given the absence of any general elections for fourteen years.

Alternative two, a federation: A federal system is one with political and administrative decentralization, so that each “region” undertakes different economic policies, taxation systems, and budgets. The legal and educational systems may also be different. It allows control by the local authorities over the security forces. The local authorities derive their political and administrative jurisdiction from a political constitutional decision. The federal government controls security and foreign relations and signs agreements with outside powers.

This alternative maintains Palestinian central unity in a single state, while taking into account the needs, circumstances, and economic and cultural particularities of the population of each region separately. It offers a path to a democratic transition in each region and at the national level. A reunification of the institutional systems, as a transitional stage, allows for a gradual return to a fuller unity of the two regions. This alternative however preserves separation given the existence of two different legal systems, with each region adhering to the correctness of its regime. Separation might be strengthened in the presence of two systems of institutions competing for resources and jurisdiction leading to elite conflict over interests, influence and powers.

Alternative Three, decentralization: Decentralized unity represented by a centralized political and decentralized administrative authority is a third alternative to full unity. In this case, two regional administrative powers coexist in the West Bank and Gaza Strip. The two centers of administrative power coordinate the plans and efforts of the local authorities in each region, as each region has a degree of internal economic and administrative homogeneousness with which it can be considered an independent unit capable of crystallizing its individual developmental plans in light of general economic policies laid down by the central authority. In this system, the central authority assumes control over major decisions and adopts a single economic policy, while regional and local authorities adopt local tax systems, separate and distinct local budgets, and common elements in the legal and educational system at the state and local levels. Central, regional and local authorities cooperate in controlling the security forces according to specific rules, which reduce the grip of the central authority on the security services and contributes to enhancing their professionalism.

One of the advantages of this temporary alternative is that it maintains the political unity of the West Bank and Gaza Strip and it is the closest to full reunification. At the same time, it takes into account the needs, circumstances and economic and cultural capacities of the population of each region separately. It provides the means for a democratic transition at the national and local levels and promotes local development on the basis of administrative decentralization in the country. However, the fear remains of persisting partisan domination in the West Bank and Gaza Strip over the local establishment, on the one hand, and control of their security forces and the expansion of their separatist culture in the newly created institutions, on the other.

 

Conclusion:

There is no doubt that finding a way out of the current deadlock on the road to restore unity requires an open mind and new thinking in looking at the nature of the relationship between the West Bank and the Gaza Strip. This scrutiny should be done in the light of the multiple experiences in the world around us.  Failure to do so risks the inevitability of a permanent separation over time. It also requires providing a solution that creates a balance between the interest in protecting the political system, preserving cultures, protecting the particularities of the population, and the special circumstances of each geographical area, with tools to link them effectively.  

Under today’s conditions, decentralization, represented by the existence of a centralized political and decentralized administrative authority, as stated in the third alternative above, is the most capable of creating this balance. It provides mechanisms and tools for national fusion and promotes political unity between the West Bank and the Gaza Strip, while taking into account the needs, circumstances and economic and cultural capacities of the people of each region separately. It also allows the adoption of local development on the basis of administrative decentralization in the country, and gives the possibility of holding general elections to enhance the legitimacy of the political system and reduces the risks of a democratic transition. This alternative reduces the risks of permanent separation, which is a risk present in the two other alternatives, and is consistent with the position of the majority in Palestinian public, a majority of which (60%) rejects[9] other alternatives, such as a confederation. Decentralization also helps to reduce the suffering of the Palestinians in the Gaza Strip, unifies Palestinian efforts to confront Israeli colonization, and strengthens the official political position in international fora. In addition, with time, it can help bypass the existing obstacles to reach the full unity desired by the majority of the Palestinian people.

 

 

[1] See the Palestinian Center for Policy and Survey Research website: http://pcpsr.org/en/node/813

[2] See the public polls of the Palestinian Center for Policy and Survey Research: www.pcpsr.org

[5] Palestinian Central Bureau of Statistics, Palestine in Numbers, 2019. Ramallah, 2020: http://www.pcbs.gov.ps/Downloads/book2512.pdf

[7] Ibid., p. 60.

[8] For an early review of such ideas, see, Khalil Shikaki, West Bank and Gaza Strip: Future Political and Administrative Relations, Jerusalem: The Palestinian Academic Society for the Study of International Affairs (PASSIA), 1994, pp. 91-116. Likewise, see Jihad Harb, Opportunities and Obstacles to Restoring Unity between the West Bank and Gaza: Changes in the Political System and Public Administration since the Split, Ramallah: Palestinian Center for Policy and Survey Research, 2011, pp . 17-19.

[9] See results of Poll #76 of the Palestinian Center for Policy and Survey Research: http://pcpsr.org/sites/default/files/Poll-76-Arabic-Full%20Text.pdf

English

طرحت القرارات الرئاسية المتعلقة بحل مجلس القضاء الأعلى وتشكيل مجلس قضاء انتقالي برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق المستشار عيسى أبو شرار (القرار بقانون رقم 16 و17 لسنة 2019) مسألة مدى تدخل السلطة التنفيذية في استقلال الجهاز القضائي الفلسطيني، وأعادت إثارة مسألة حماية استقلال القضاء الفلسطيني من تدخلات جهات مختلفة في السلطة التنفيذية سواء في عملية التعيين للقضاة أو اقحام السلطة القضائية في عملية تصفية حسابات بينها، أو زج المحاكم في عملية قمع الحريات الإعلامية.

مما لا شك فيه أن استقلال القضاء يمثل عنصرا أساسيا من عناصر الحق في محاكمة عادلة وسيادة القانون. وأن اشتراط استقلال القضاة ونزاهتهم ليس ميزة ممنوحة لهم من أجل مصلحتهم الخاصة، بل هي أمر يبرر الحاجة إلى تمكين القضاة من الاضطلاع بدورهم كحماة لسيادة القانون ولحقوق الانسان والحريات الأساسية للناس. وهو ضمانة للحقيقة والحرية واحترام حقوق الإنسان والعدالة النزيهة الخالية من التأثير الخارجي. إن ضمان استقلالية الجهاز القضائي أحد أهم مطالبات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية بالإضافة إلى توصيات لجنة تطوير أركان العدالة المكلفة بوضع رؤية شمولية لتطوير قطاع العدالة والقضاء والتي نشرت في تقريرها عام 2018[1]. ويمثل مجلس القضاء الأداة الأبرز نحو ضمان هذا الاستقلال الامر الذي يتطلب أولا تقوية هذا الجهاز المسؤول عن إدارة الجهاز القضائي وثانيا توفير ضمانات عدم تدخل السلطة التنفيذية في تعيين أعضائه، وثالثا توفير قواعد مانعة لحدوث أي تحيز لأبناء المهنة القضائية بحيث تكون أطراف غير قضائية جزءا من هذا المجلس. 

تهدف هذه الورقة إلى تقديم توصيات للمجلس القضائي الانتقالي بهدف تعزيز استقلالية الجهاز القضائي الفلسطينية وحمايته من تدخلات الجهات الخارجية سواء من السلطة التنفيذية أو متنفذين على هامش السلطة التنفيذية في إطار الحفاظ على مبدأ فصل السلطات وضمان نزاهة الجهاز القضائي واستعادة ثقة المواطنين بالمحاكم النظامية. تقدم الورقة خيارات للقيام بذلك هي توسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى، وادخال الديمقراطية على عملية تشكيل هذا المجلس، أو جعل تشكيل المجلس مختلطاً. 

 

الحاجة للإصلاح   

أحدث الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس طوال السنوات الاثنتي عشر الماضية تراجعا كبيرا في النظام الديمقراطي الفلسطيني المبني على الفصل بين السلطات. فقد غاب المجلس التشريعي الفلسطيني عن القيام بدوره التشريعي والرقابي إلى أن تم حله في كانون ثاني (ديسمبر) 2018، وتركزت السلطة التشريعية بيد الرئيس الفلسطيني من خلال إصداره القرارات بقوانين. وقد شكل تصريح المستشار القاضي سامي صرصور رئيس مجلس القضاء الأعلى "المستقيل/المعزول" بتاريخ 24/10/2016، فضحاً لتدخلات السلطة التنفيذية في عمله وذلك بالتوقيع على الاستقالة من منصبه قبل حلف اليمين القانوني امام الرئيس بناء على طلب من مرجع أمني كما وقع رؤساء المحاكم السابقين.[2] وأشار المستشار عبد الله غزلان قاضي المحكمة العليا إلى أن القضاء غير قادر على اصلاح نفسه، بل ان بعض القضاة لا يثقون بأحكام المحاكم إذا ما مثلوا أمامها.[3] كذلك طالبت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في مناسبات عدة بإصلاح الجهاز القضائي خاصة إثر فشله في اصلاح نفسه خلال السنوات الماضية وعدم المحافظة على استقلاله وزيادة الصراعات بين كبار القضاة.[4]

كما شاب عمل الجهاز القضائي العديد من الإشكالات كإصدار احكام متناقضة فيما يتعلق بقرارات التقاعد لموظفين في القطاع العام تشوبها شبهة تدخل السلطة التنفيذية، أو تدخل أطراف متنفذة على هامش السلطة التنفيذية لإصدار احكام لصالح أشخاص وشركات كالحكم الخاص بشركات المواصلات[5]، أو القرارات الداخلية المختلفة في الجهاز القضائي فيما يتعلق بالهيئات القضائية وتشكيلاتها أو إحالة بعض القضاة على خلفية حرية الرأي والتعبير أو حضور لقاء وورش عمل بدعوة من منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى التأخر في الفصل في القضايا لسنوات متعددة مما أدى إلى تقليل ثقة المواطنين بالقضاء، والتوجه إلى القضاء العشائري كبديل للقضاء النظامي وتفضيله.

كذلك، فإن تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، وفقا لأحكام قانون السلطة القضائية لسنة 2002، يمنح استقلالية واسعة للسلطة القضائية خاصة أن العضوية فيه تعتمد على المناصب وليس الأشخاص وتحصر العضوية عمليا بالقضاة. لكن هذه التشكيلة تُبقي على التركيز المفرط للسلطات في هيئة قضائية واحدة ما يثير ادعاءات متعلقة بالانحياز لأبناء المهنة "القضاة" مما يحول دون النظر في مساءلة القضاة. كذلك، يبقي هذا التشكيل على إمكانية وجود تعارض بين مسؤوليات رئيس المحكمة العليا وبين رئيس المجلس الأعلى للقضاء، قد يسمح بتضارب المصالح بالتنسيب لرئيس السلطة لتعيين رئيس المحكمة العليا وهو في نفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للقضاء. 

 

انخفاض ثقة المواطنين الفلسطينيين بالجهاز القضائي

تراجعت ثقة المواطنين الفلسطينيين بالجهاز القضائي الفلسطيني على مدار السنوات العشرة الأخيرة بشكل عام وبين جمهور المتعاملين مع الجهاز القضائي بشكل خاص. فقد اشارت نتائج استطلاعات الباروميتر العربي إلى تراجع الثقة في الجهاز القضائي من قبل الجمهور الفلسطيني من 60% في الدورتين الأولى والثانية التي تم اجراؤهما في العامين (2007 و2010 على التوالي) إلى 42% في الدورتين الثالثة والرابعة التي تم اجراؤهما في العامين (2016، و2019 على التوالي).[6] 

كما تشير نتائج استطلاع الرأي العام رقم (73) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أيلول/ سبتمبر 2019 إلى انعدام الثقة بالجهاز القضائي لدى أغلبية الجمهور؛ حيث قالت نسبة من 65% في الضفة الغربية أنها لن تحصل على محاكمة عادلة لو وجدت نفسها أمام محكمة فلسطينية. وأشارت نسبة من 72% في الضفة الغربية أن عمل القضاء والمحاكم في فلسطين يشوبه الفساد أو عدم الاستقلال أو يحكم بحسب الأهواء. وينعكس الانقسام السياسي بين الفلسطينيين على نظرة المواطنين للقضاء وقدرة المواطن في الضفة الغربية على الحصول على محكمة عادلة في حال وجد نفسه يوما ما متهما امام القضاء الفلسطيني، ففي الوقت الذي يعتقد فيه 37% من مؤيدي حركة فتح أنهم سيحصلون على محكمة عادلة، فإن 9% فقط من مؤيدي حركة حماس يعتقدون أنهم سيحصلون على محاكمة عادلة.[7]

ووفقا لنتائج تقرير المرصد القانوني الخامس[8] الصادر عام 2018؛ فإن 39% فقط من المحامين أبدوا موافقتهم على أن القضاء في تحسن مستمر وعارض ذلك 49%، ووافق 62% من المحامين على أن الاحكام الصادرة عن القضاء تخضع للتأثيرات والضغوط الخارجية وعارض ذلك 16%، ووافق 27% على أن القضاء فاسد فيما عارضه 36%، ويرى 85% أن هناك بطء شديد في البت في القضايا في المحاكم النظامية.

كما أن المواطنين الفلسطينيين الذين لهم تجربة مع القضاء في الضفة الغربية أكثر تشاؤما واعطوا تقييما أكثر سلبية حيال وضع القضاء من غيرهم ممن ليست لهم تجربة مع القضاء وفقا لتقرير مقياس الامن في فلسطين عام 2016. فقد أظهرت النتائج أن 75% ممن كان لهم تجربة يعتقدون بوجود فساد في المحاكم وبين القضاة. ويعتقد 78% أن القضاء الفلسطيني لا يعامل المواطنين بالتساوي بغض النظر عن وضعهم المالي أو الاجتماعي أو الحزبي أو عن مكانتهم في أجهزة السلطة أو أجهزة الأمن. ويعتقد 78% أن إجراءات المحاكم كانت بطيئة.[9] 

 

محاولات متعثرة لإصلاح السلطة القضائية

واجهت عملية الإصلاح القضائي على مدار العشرين عاما الماضية تحديات عديدة أبرزها الانقسام السياسي الحاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وغياب المجلس التشريعي، وتدخل السلطة التنفيذية المتكرر في عمل السلطة القضائية، والصراع بين مؤسسات "قطاع العدالة"، والخلافات بين القضاة أنفسهم ونظرتهم إلى استقلال السلطة القضائية بشكل مطلق على غير غايات القانون الأساسي الذي يشير إلى استقلال القاضي بأحكامه، ومنع تضارب المصالح في حال وجودها، وضعف الأداء، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المتاحة للسلطة القضائية، وتراكم القضايا في أروقة المحاكم، مما أدى إلى فقدان السلطة القضائية مصداقيتها أمام الجمهور الفلسطيني.

أطلقت السلطة الفلسطينية أولى مبادراتها الإصلاحية في مجال إصلاح الجهاز القضائي في حزيران /يونيو 2000 بإعلانها تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي لترتيب وضع الجهاز القضائي، ومن ثم في شهر أيار / مايو 2002 إثر صدور قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 بتعيين مجلس القضاء الأعلى. وجاءت المحاولة الثالثة بقرار رئاسي بتاريخ 14/3/2005 صادر عن الرئيس محمود عباس يقضي بتشكيل لجنة توجيهية لتطوير القضاء والعدل أنيطت بها مهمة إعداد مسودة مشروع قانون معدل لقانون السلطة القضائية، واقتراح الإجراءات التي يتوجب اتخاذها لتأمين استقلال القضاء وكرامة القضاة وكفاءتهم ونزاهتهم. لكن تم وأد هذه اللجنة إثر قرار المحكمة العليا بصفتها الدستورية المنعقدة بتاريخ 27/11/2005 والتي قضت بعدم دستورية قانون السلطة القضائية رقم 15 لسنة 2005 الذي تبناه المجلس التشريعي آنذاك بناء على مقترح اللجنة التوجيهية لتطوير القضاء والعدل. 

وفي 6/9/2017 أصدر الرئيس محمود عباس مرسوما رئاسيا يقضي بتشكل اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة مهمتها مراجعة منظومة التشريعات القضائية واعداد رؤية شمولية لتطوير قطاع العدالة والقضاء، وقد حدد القرار بقانون فترة عملها بستة أشهر إلا أن مداولاتها وعملها استغرق عاما لتقديم تقريرها المتعلق بنتائج اعمالها وتوصياتها. تبنى التقرير مجموعة من التوصيات تتعلق بتعزيز استقلال القضاء، وتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى، وتخفيض سن تقاعد القضاة ليصبح 65 سنة بدلاً من 70 سنة، ومعالجة الإشكاليات الفنية والمهنية المتعلقة بعمل الجهاز القضائي[10].   

أخيرا، أصدر الرئيس محمود عباس في تموز 2019 قرارين بقانون بشأن القضاء عَدَّلَ في أحدهما قانون السلطة القضائية (خفض سن تقاعد القضاة من سن السبعين إلى سن الستين)، فيما حل بالقرار الثاني مجلس القضاء، وأنشأ مجلس قضاء انتقالي لمدة عام (قابلة للتمديد لستة شهور) ومنح مجلس القضاء الانتقالي حق إعادة تشكيل هيئات المحاكم في كافة الدرجات، واعداد مشاريع القوانين اللازمة لإصلاح القضاء واستعادة ثقة المواطن به، وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وفقا لأحكام القانون. هذان القراران قوبلا بالترحيب من بعض مؤسسات المجتمع المدني شريطة عدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية فيما عارضت مجموعة أخرى من مؤسسات المجتمع المدني هذين القرارين معتبرة أنهما مخالفان لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، وأنهما استمرار لتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام رقم (73) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أيلول/ سبتمبر 2019 انقساما في رأي الجمهور حيال القرارين بقانونين المتعلقين بتعديل قانون السلطة القضائية، فقد عبر أكثر من نصف الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية (51%) عن رضاهم عن قراراي الرئيس بقانون بشأن القضاء. كما أظهر أن حوالي نصف الجمهور في الضفة الغربية (49%) لا يوافقون على الآراء المنتقدة لقرارات الرئيس المتعلقة بالقضاء بأن هذه القرارات ليست من صلاحيات الرئيس وأنها تشكل تدخلا من السلطة التنفيذية في شؤون القضاء مما يقلل من استقلاليته وجعله عرضة لتدخلات الحكومة وأجهزة الأمن. ويوافق 47% على الرأي القائل بأن قرارات الرئيس كانت ضرورية لأن الجهاز القضائي قد فشل في اصلاح أوضاعه وأنه لم يعد قادرا على كسب ثقة الناس به وبالتالي كان على الرئيس التدخل، فيما لا يوافق على هذا القول 37%.[11] 

 

تطوير بنية المجلس الأعلى للقضاء كضامن لحماية استقلال القضاء

تقدم هذه الورقة عدة خيارات أمام المجلس القضائي الانتقالي بعد انقضاء ستة أشهر من تعيينه لتحديد شكل المجلس القضائي الفلسطيني القادم كأحد الضمانات الرئيسية لاستقلال الجهاز القضائي الفلسطيني وهي على النحو التالي:

الخيار الاول: توسيع مجلس القضاء الأعلى وإدخال أعضاء منتخبين من هيئات قضائية محددة، حيث يتكون من اثني عشر عضوا (رئيس المحكمة العليا رئيسا، وأقدم نواب رئيس المحكمة العليا نائبا، وقاضيين من أقدم قضاة المحكمة العليا، ورؤساء محاكم استئناف القدس وغزة ورام الله، والنائب العام ووكيل وزارة العدل، والمفتش الأول، وقاضيين من محكمة البداية). هذا الخيار مقترح من قبل مجلس القضاء الانتقالي الحالي في مسودة مشروع تعديل قانون السلطة القضائية. يأخذ هذا المقترح جزئيا بانتخاب بعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لكنه يُبقي على هيمنة العصبوية المهنية للقضاة مما يحول دون النظر في مساءلة القضاة من جهة، ويبقي التعارض بين مسؤوليات رئيس المحكمة العليا الإدارية وبين رئيس المجلس الأعلى للقضاء من جهة ثانية. كما يثير مسألة تضارب المصالح بالتنسيب لرئيس السلطة لتعيين رئيس المحكمة العليا وهو في نفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للقضاء. كما لا يتيح لقضاة محاكم الاستئناف حق اختيار ممثليهم في المجلس الأعلى للقضاء في تناقض مع الحق الممنوح لقضاة المحكمة العليا وقضاة محاكم البداية.

الخيار الثاني: دمقرطة تعيين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، حيث يجري اختيار الأعضاء القضاة في المجلس الأعلى بالانتخاب من الهيئات القضائية بحيث تقوم الهيئة العامة لكل درجة قضائية بانتخاب ممثليها في المجلس، بالإضافة الى وجود النائب العام ووكيل وزارة العدل على غرار ما هو موجود في قانون السلطة القضائية لعام 2002 بصفتهم الوظيفية، وأن يتم انتخاب رئيس المجلس من أعضاء المجلس القضائي. هذا الخيار يتيح تمثيلا لجميع مستويات السلطة القضائية مع احترام التعددية في الجهاز القضائي، ويضمن عدم تضارب اعمال رئيس المجلس مع صلاحيات رئيس المحكمة العليا ذات الصفة الإدارية في محكمته وانشغالاته القضائية كرئيس للمحكمة العليا. في المقابل فإن هذه التشكيلة تبقي على التركيز المفرط للسلطات في هيئة قضائية واحدة، ما يثير ادعاءات متعلقة بالانحياز لأبناء المهنة "القضاة" مما يحول دون النظر في مساءلة القضاة.

الخيار الثالث: تشكيل مجلس قضائي مختلط بحيث يتكون من أعضاء قضاة (منتخبين من الهيئات القضائية في المستويات المختلفة في الجهاز القضائي)، ومن أعضاء غير قضاة (محامين وأساتذة القانون والحقوقيين وأعضاء نقابة المحامين وشخصيات عامة من ذوي السمعة والخبرة المشهود بهما دون أن يكونوا من الناشطين السياسيين أو العاملين في السلطتين التنفيذية والتشريعية) بشكل متوازن على أن يتم اختيار رئيس المجلس من قبل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أنفسهم، وتحديد مدة زمنية لعضوية المجلس. أوصت اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة ومراجعة التشريعات القضائية بإدخال شخصيات عامة من خارج السلطة القضائية والسلطة التنفيذية كما طالبت مؤسسات المجتمع المدني برؤيتها الشاملة بإدخال شخصيات من خارج الجهاز القضائي. تفيد التجارب الدولية بعدم وجود نموذج موحد لإنشاء المجلس القضائي ما دام تكوينه يضمن استقلاله ويمكنه من الاضطلاع بمهامه بصورة فعالة، بيد أنه يوجد ميل على المستوى العالمي إلى أن يكون المجلس القضائي ذو تكوين مختلط تكون أغلبية أعضائه قضاة منتخبين من اقرانهم.[12]

إن أحد مساوئ هذا الخيار أنه قد يمنح إمكانية تدخل سياسي في اختيار بعض الأشخاص من الكفاءات أو الأعضاء من غير القضاة في ظل التركيبة المجتمعية وحالة التجاذب السياسي في البلادـ. لكن في المقابل فإن هذا الخيار يقيم توازنا عادلا بين الحاجة إلى تحصين القضاء من الضغوط الخارجية والحاجة إلى تجنب الآثار السلبية للعصبية المهنية داخل الجهاز القضائي. كما يتيح ضم مهنيين من مجالات أخرى غير القانون (مثل الخبراء في مجالات الإدارة أو الشؤون المالية أو العلوم الاجتماعية) في عضوية المجلس بما ينسجم مع التوجه نحو إضفاء الصبغة القضائية على مجالات اجتماعية واسعة. كما أن هذا الخيار يتيح تمثيلا لجميع مستويات السلطة القضائية مع احترام التعددية في الجهاز القضائي، ويضمن عدم تضارب اعمال رئيس المجلس مع صلاحيات رئيس المحكمة العليا الإدارية في محكمته وانشغالاته القضائية كرئيس للمحكمة العليا. ومن شأن التكوين المختلط تجنب تصور وجود المصلحة الذاتية والحماية الذاتية والمحسوبية. 

 

الخلاصة:

إن خيار تشكيل مجلس قضائي مختلط، كما جاء في الخيار الثالث أعلاه، يمنح مشروعية أكبر للمجلس القضائي ويحول دون التركيز المفرط للسلطات في هيئة قضائية واحدة، وتجنب اثارة ادعاءات متعلقة بالعصبوية المهنية للقضاة وضمان اتباع إجراءات تأديبية عادلة، كما يتيح تيسير الرقابة الديمقراطية على جودة وحيادية تطبيق العدالة، ويعكس وجهات النظر المختلفة داخل المجتمع. ومع ذلك، فإن هذا ليس كافيا لحماية استقلال القضاء حيث أن هناك حاجة لخطوات إضافية:    

أولا: تجريم التدخل في شؤون القضاء وتفعيل النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بذلك.

ثانيا: أن يتم اختيار أعضاء المجلس القضائي بطريقة علنية وشفافة من أجل القضاء على مخاطر التدخل السياسي واستيلاء قوى الامر الواقع على هذه العملية، ومنع ظهور ادعاءات العصبة المهنية.

ثالثا: ينبغي اتخاذ تدابير مناسبة لضمان مراعاة منظور النوع الاجتماعي في تكوين المجلس لتشجيع المساواة بين الرجل والمرأة داخل الهيئات القضائية.

رابعا: ينبغي أن يعهد لمؤسسات غير سياسية بانتخاب الأعضاء غير القضاة في المجلس. ومنع تدخل السلطة التنفيذية في اختيار هؤلاء الأعضاء أو تعيينهم في حال الأخذ بالخيار الثالث أعلاه.

خامسا: على السلطة التنفيذية تزويد المجلس الأعلى للقضاء بالموارد البشرية والمادية الكافية ليتمكن الجهاز القضائي من القيام بمهامه.

 

[1]  انظر: رؤية شاملة لإصلاح منظومة العدالة وتوحيدها في فلسطين مقدمة من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" والائتلاف الأهلي لاستقلال القضاء وحمايته

 http://istiqlal.ps/?q=node/133

[2]  انظر: تصريحات المستشار سامي صرصور على موقع وكالة وطن للأنباء https://www.wattan.tv/ar/news/189737.html

[3]  مقابلة إذاعية مع القاضي عبد الله غزلان على راديو 24FM   - 19\2\2018 https://www.youtube.com/watch?v=Bgdze0t-1vY&feature=youtu.be

[4]  انظر: رؤية شاملة لإصلاح منظومة العدالة وتوحيدها في فلسطين، مصدر سابق.

 

[5]  تم عرض هذا الحكم في جلسة استماع عقدتها الهيئة الاهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون بتاريخ 15/1/2017. http://www.alquds.com/articles/1484587424499930000/

[7]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. استطلاع الرأي العم رقم (73) أيلول 2019، مصدر سابق.

[8]  المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة". المرصد القانوني الخامس، 2018، ص 129.

[9]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. مقياس قطاع الأمن العربي الثاني، تقرير فلسطين، 2016، http://www.pcpsr.org/ar/node/616

[10]  تقرير اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة ومراجعة منظومة التشريعات القضائية، أيلول 2018. موقع الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون – استقلال http://www.istiqlal.ps/?q=node/139

[11]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. استطلاع الرأي العم رقم (73) أيلول 2019، http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Poll-73-Arabic-Full%20Text1.pdf

[12]  انظر: الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقرير المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين رقم A/HRC/38/38 بتاريخ 2 أيار/ ماي 2018، مجلس حقوق الانسان الدورة الثامنة والثلاثين، ص21. https://undocs.org/pdf?symbol=ar/A/HRC/38/38

Arabic

تعتبر استطلاعات الرأي العام المهنية واحدة من الأدوات الأكثر ضبطاً في قياس ومعرفة آراء الناس في المسائل المختلفة، حيث تعتمد منهجية علمية مجربة عند إجرائها، من صياغة الأسئلة واختيار العينات وغيرها. كما يمكن فحص هذه المنهجية والحكم عليها بشكل علمي. إزدادت أهمية استطلاعات الرأي مع انتشار الأنظمة الديمقراطية التي تعطي قيمة كبيرة لآراء الناس ومواقفهم في مختلف المجالات، بما في ذلك اختيار ممثليهم، وبالتالي تقدمت استطلاعات الرأي في الدول الديمقراطية وتعززت مكانتها بشكل كبير في حين يلاحظ ضعفها في البلدان الأقل ديمقراطية، وشبه انعدامها تقريباً في البلاد ذات الأنظمة الديكتاتورية.

تُمكن استطلاعات الرأي العام صانعي القرار من معرفة توجه الجمهور وحاجاته ومواقفه تجاه قضايا هامة، وبالتالي تمكنهم من وضع السياسات الأكثر فعالية واتخاذ القرارات بشكل منسجم مع متطلبات هذا الجمهور. كما تمكنهم من تلبية الاحتياجات الأكثر الحاحاً وتجنب الصدام مع الشارع مما يعزز من حالة الانسجام بين النظام والناس ويحقق الاستقرار العام للنظام.

تزداد أهمية استطلاعات الرأي في الوضع الفلسطيني في ظل تعقيدات الوضع السياسي والاجتماعي والتغيرات المستمرة على هذه الأوضاع والحاجة الى اتخاذ قرارات واعية تجنب التصادم مع الناس في ظل التباينات المختلفة في المواقف بين اتجاهات سياسية عديدة في قضايا مصيرية ومهمة. وعلى الرغم من ذلك، إلا انه يبدو واضحا لكل مراقب أن صانعي القرار في السلطة لا يأخذون نتائج هذه الاستطلاعات على محمل الجد، بل قد لا ينظرون إليها أصلاً. قد يؤدي هذا لخلق الانطباع لدى الناس بان صانعي القرار لا يهتمون بآراء الناس وتوجهاتهم، وقد يعزز هذا بدوره إمكانية حدوث الصدام بين الشارع والسلطة. 

تلقي هذه الورقة الضوء على مدى جدية واهتمام صانعي القرار في السلطة باستطلاعات الرأي العام وآراء الناس والأسباب التي قد تدفعها لذلك. 

 

هل تقيم السلطة وزناً لآراء الناس؟ 

 

للإجابة على هذا السؤال سنستعرض كيفية تعامل صانعي قرار السلطة بموضوعين هامين خلال الفترة الأخيرة. يوضح هذان المثالان الحديثان مدى ضعف متابعة السلطة للرأي العام الفلسطيني حتى عندما يتعلق الأمر بسياسات وقرارات شديدة الأهمية.  الأول، هو قضية الضمان الاجتماعي، والثاني هو التنسيق الأمني مع الأمن الإسرائيلي.

 

أصدرت السلطة الفلسطينية قانوناً للضمان الاجتماعي في نهاية عام 2018 بغرض تطبيقه على العاملين في المؤسسات غير الحكومية. واجه هذا القانون انتقادات كبيرة من الشارع الفلسطيني تحولت إلى حراك شعبي كبير ضد القانون وضد تطبيقه، وقد توسع الحراك شيئاً فشيئاً حتى شمل كافة المدن الفلسطينية. أشارت استطلاعات الرأي العام الى ان الغالبية العظمى من الجمهور الفلسطيني يرفضون قانون الضمان الاجتماعي. بدا ذلك واضحا في نتائج استطلاع للرأي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في منتصف ديسمبر 2018[1] حيث أظهر أن 65% من سكان الضفة الغربية يعارضون تطبيق هذا القانون، وأن المعارضة له ترتفع لتصل الى 84% بين من سينطبق عليهم القانون. تم نشر هذه النتائج في الاعلام وفي الصحف المحلية في حين بدا واضحاً أن صانعي القرار في السلطة لم يلتفتوا لتلك النتائج، بل أظهرت تصريحات قيادات في السلطة انهم مغيبون عن الشارع تماماً. فقد صرح وزير الحكم المحلي في السلطة الفلسطينية بتاريخ 19-1-2019[2] أن: "من يقود الحراك ضد الضمان الاجتماعي يسكن في كريات أربع، والخليل تنساق خلفه". أثار هذا التصريح ضجة كبيرة لدى الشارع وتعزز الشعور بأن هناك انفصال بين صانعي القرار وحاجات الناس ومتطلباتها. يقول أحد المعلقين على الفيس بوك عن تصريحات الوزير: "هو سياق كامل من الاستعلاء على المواطن  ببساطة، لأن المواطنين خارج حسابات المسؤولين."

 

في مقابلة للكاتب مع وكيل وزارة العمل السيد سامر سلامة[3] قال أنه أثناء مشكلة الضمان الاجتماعي لم يطلع هو شخصياً على استطلاع موثوق حول آراء الناس في موضوع الضمان مع أنه يرى أنه كان بحاجة الى ذلك بصفته واحداً من صانعي القرار، ويقول انه لا يوجد جهة مختصة في الوزارة او السلطة لتزويدنا وتزويد صانعي القرار بمثل هذه النتائج، وأنه لم يطلع على استطلاع المركز الفلسطيني المشار اليه اعلاه.

يتعلق المثال الثاني بالتنسيق الأمني. ليس الهدف هو الحديث عن سياسة التنسيق الأمني بحد ذاتها ولكن الهدف هو كيف يتعامل صانعوا القرار مع نتائج الاستطلاعات وتوجهات الناس حول قضايا حساسة كهذه. يعد التنسيق الأمني مع الاحتلال من الأمور الحساسة التي تواجه رفضاً كبيراً من أغلبية الفلسطينيين والتي قد تلعب دوراً هاما في زعزعة الثقة بين الجمهور الفلسطيني والسلطة الفلسطينية. ولكن على الرغم من ذلك لا يبدو ان صانعي القرار في السلطة ينظرون الى هذا الامر على محمل الجد وهو بأمر ليس بخافٍ على الجمهور. فعلى الرغم من أن استطلاعات الرأي العام[4] أشارت بشكل متكرر الى أن الغالبية العظمى تطالب بوقف هذا التنسيق، إلا أنها تشير أيضاً إلى أن الغالبية العظمى ترى أن السلطة لن تقوم بوقف هذا التنسيق. وهذا يدل بشكل واضح على أن الناس لا يتوقعون من السلطة أن تأخذ رأيهم على محمل الجد. مع ذلك لم يصدر عن السلطة أي توضيح مقنع للناس حول التنسيق الأمني وشكله وصعوبات التخلي عنه. وهذا يبقي التساؤل مفتوحاً لماذا لا تنظر السلطة لنتائج الاستطلاعات بجدية؟ أي لماذا لا تعطي اعتباراً لآراء الناس.

 يقول الدكتور عمار دويك مدير عام الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان في مقالة حول التنسيق الأمني[5] "لا شك أن موضوع التنسيق الأمني من أكثر المواضيع حساسية ومثاراً للجدل في السياسة الفلسطينية. ورغم كثرة الحديث عن الموضوع، إلا أن تفاصيل التنسيق الأمني، من حيث مدى سيطرة المستوى السياسي عليه ومتابعته لتفاصيله، وكيف يتم، وعلى أي مستوى، وما هي طبيعة المعلومات التي يتم تمريرها وبأي وسيلة اتصال، تبقى قيد الكتمان ولا نعرف الكثير عنها.كما لم يجري أي حوار هادئ وموضوعي على المستوى الوطني بشأن التنسيق الأمني، وإنما للأسف نجد أن لغة التخوين والمزايدات السياسية هي التي تحكم منطق النقاش في هذا الموضوع في أغلب الحالات". وهذا يوضح أن هناك استياء عام لدى الشارع من الكيفية التي تتعاطى بها السلطة من تجاهل آراء الشارع في مواضيع حساسة قد تثير نقمة الناس عليها.

من جهة أخرى يبدو واضحاً أن مراكز استطلاعات الرأي لديها انطباع سلبي عن مدى اهتمام صانع القرار بنتائج الاستطلاعات التي تصدرها. يرى د. نادر سعيد مدير مركز أوراد[6]، وهو مركز لاستطلاعات الرأي في الضفة الغربية، أن النظام السياسي الحالي يشهد تراجعاً كبيراً في الاهتمام باستطلاعات الرأي وبالرأي العام إجمالاً، ويرى أن ذلك يعود الى أن النظام السياسي القائم حاليا هو أكثر مركزية وفردانية، وهناك شعور عام لديه أنه لا يوجد فائدة من الحوار بين المجتمع المدني ومراكز البحث ومؤسسات السلطة. ويضيف أنه لا توجد آلية ممنهجة للتعامل مع الرأي العام ودراسته، ولا يوجد صانع قرار فلسطيني يجلس وينظر الى الاستطلاعات بشكل دوري ومنظم وممنهج بحيث يمكن من خلال ذلك بلورة سياسات وقائية أو علاجية. ويقول أن هذا كان واضحاً من خلال تجربتنا في استطلاعات كثيرة، ويعتقد أن هناك نوعاً من عدم الوعي لأهمية هذه الاستطلاعات، ونوعاً من عدم القناعة بنتائج هذه الاستطلاعات لأن بعض صانعي القرار يعتقدون أنهم يعرفون عن المجتمع أكثر من الاستطلاعات.

يقول سامر سلامة أنه على الرغم من أنه شخصياً يهتم باستطلاعات الرأي العام ويرى أنها مهمة وأنه يجب أن تكون هناك استطلاعات حول قضايا عامة لمعرفة آراء الناس فيها بشكل مستمر ودائم، إلا أنه يرى أن بعض صناع القرار ينظر إليها باستخفاف ويرون أن ذلك كله حبر على ورق. ويقول ان ثقة المسؤولين باستطلاعات الرأي ضعيفة أو أنهم لا يدركون أهميتها. كما بين أنه لا يوجد في وزارة العمل جهة تتابع استطلاعات الرأي بشكل منظم، وأنه إن وجد هناك اهتمام بالاستطلاعات فإن ذلك يكون اهتماماً شخصياً.[7]

 

لماذا لا تأخذ السلطة بنتائج استطلاعات الرأي؟

يعود عدم اخذ السلطة بنتائج استطلاعات الرأي لواحد أو اكثر  من ثلاثة عوامل:

الأول، عدم الثقة بنتائج استطلاعات الرأي العام: قد يكون هذا هو أحد العوامل التي تدفع صانعو القرار لعدم الأخذ بنتائج استطلاعات الرأي، إذ يرى سامر سلامة أن نتائج الاستطلاعات قبيل الانتخابات التشريعية الفلسطينية في كانون ثاني 2006 (والتي  ثبت خطأ تنبؤاتها، حيث كانت الاستطلاعات تشير الا أن حركة فتح ستفوز في اغلب المقاعد، ولكن النتائج أظهرت فوز كتلة الإصلاح والتغيير التابعة لحركة حماس بأغلب المقاعد) قد تكون تركت انطباعات سلبية عن مصداقية هذه الاستطلاعات، وأعطت انطباعاً لدى الكثير من صانعي القرار بأن ما يصدر عن هذه المراكز غير دقيق. يقول سلامة أنه في نقاشات مع بعض صانعي القرار وعند الحديث عن نتائج بعض الاستطلاعات تكون ردة فعلهم سلبية وينظرون اليها بعدم ثقة.

ولكن إن كان هذا هو السبب فهو غير مبرر. فالتشكيك يجب أن يبنى على أسس علمية منهجية ومتابعة لآلية عمل مراكز الاستطلاعات ومدى التزامها بالمناهج العلمية في اختيار العينات وفي صياغة الأسئلة وقراءة النتائج. وهذا كله لا يحتاج إلى جهود كبيرة، ومع ذلك لا تقوم السلطة بهذا الأمر. يقول سلامة: "على الرغم من التشكيك بالاستطلاعات، إلا أنه لا يوجد متابعة للتدقيق في منهجية الاستطلاع، وإذا كان هناك اهتمام يكون غير منهجي"[8]. يعمل كاتب هذه الورقة منذ أكثر من 15 عام كمسؤول عن وحدة البحوث المسحية في المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، وهو مركز يجري استطلاعات رأي كل ثلاثة شهور منذ عام 2000 ، وخلال هذه الفترة نادراً ما تقدمت جهات رسمية باستفسارات حول آليات العمل والمنهجيات رغم أنه تصلنا الكثير من الاستفسارات والأسئلة حول منهجيتنا من طلاب وديلوماسيين دوليين. وهذا يعني إما أن السلطة تشكك بهذه الاستطلاعات بناءً على أسس غير علمية، أو أنها لا تأخذ هذه النتائج أصلاً على محمل الجد.

 

الثاني، عدم الاهتمام بآراء الناس  وتوجهاتهم: قد يرى البعض بأن القيادة وجدت وانتخبت لتقود الناس الى ما هو خير للدولة وللمجتمع وأنه ليس عليها أن تعمل حسب رغبات الناس، فقد تكون هي على معرفة  واطلاع أكثر من الجمهور وبالتالي تكون أقدر على وضع السياسات التي تحقق مصالح الناس وإن كانت مخالفة لما تراه الأغلبية من الجمهور. لاشك بأن هذا صحيح في كثير من الأمور، فهناك أمور تتعلق بمواضيع فنية تحتاج إلى الخبراء، وليس لعامة الجمهور، لسن السياسات لها. كما أن هناك حالات كثيرة يكون فيها على صانع القرار اتخاذ قرارات سريعة بدون أن يكون لديه الوقت لمعرفة رأي الجمهور وعليه، يكون على القيادة اختيار ما هو أصلح. لكن هذا لا يعني بتاتاً الاستهتار بالرأي العام والتعامل معه وكأنه ليس موجوداً. ينبغي على القيادة أن تعطي وزناً لتوجهات شعبها وأن تضع الأساليب المناسبة للتوضيح للجمهور عن مكامن المصلحة فيما تراه، وبالتالي تحدث توازناً بين الرأي العام وقراراتها.

إن إهمال الرأي العام يعد مؤشراً خطيراً على احتمالية تكرار الصدامات بين الشارع والسلطة في المستقبل. إن عدم أخذ آراء الناس حول أداء النظام الحاكم وعمل مؤسساته ومواقف قياداته وتقييمهم لكل ذلك كان سبباً مهماً في نشوء الثورات في البلدان العربية المجاورة. تظهر نتائج الباروميتر العربي في دورته الخامسة الأخيرة  (وهي دراسة مسحية تجرى في معظم الدول العربية، بما في ذلك فلسطين، منذ عام 2006 وحتى عام 2019 )[9] أن مجموعة من مؤشرات الرأي العام يمكن أن تعطي إنذاراً عن قرب حدوث إضطرابات في الشارع العربي. فمثلاً، أظهرت نتائج  الباروميتر العربي أن السودان والجزائر ولبنان، التي حدثت فيهما الموجة الأخيرة من الحراك الشعبي، معرضتان أكثر من غيرهما لغضب الجماهير من خلال مؤشرات مثل فقدان حرية التعبير، والوضع الاقتصادي السيء، والاعتقاد بوجود فساد بنسب عالية جداً قد تزيد عن الثلثين من الجمهور. ولكن، وكما هو الحال في أغلب الدول العربية، لا يأخذ صانعو القرار بآراء الناس أو لا يعنون أنفسهم بالاطلاع عليها.

يسير صانعو القرار في السلطة الفلسطينية على نفس خطى اشقائهم صانعي القرار في الدول العربية من حيث الاستخفاف بآراء الناس، أو هذا على الأقل ما يشعر به الناس فعلا، وهذا ما بيناه سابقا ، وهم بذلك يفقدون ثقة الشارع شيئا فشيئا. يبدو أن عدم وجود انتخابات لفترة طويلة وعدم إمكانية حدوث ذلك قريبا وتحول النظام شيئا فشيئا الى التفرد بالسلطة ، قد جعل صانعي القرار لا يلقون بالاً إلى آراء جمهور ويظنون أنه لا يهدد مستقبلهم السياسي من خلال صناديق الاقتراع .

 

الثالث، ضعف الجهات المخولة بمتابعة الرأي العام وتوجيه التوصيات لصانعي القرار:  قد يكون لدى صانعي القرار أو أغلبهم اهتمام بشكل فردي باستطلاعات الرأي وآراء الناس ولكنهم يعتمدون على اجتهادهم الشخصي حسبما يتاح لهم، وهذا ما أشار اليه سامر سلامة ونادر سعيد عند إشارتهم إلى أنه لايوجد متابعة منظمة وممنهجة لاستطلاعات الرأي لتنعكس في صناعة القرار، والاعتماد على الحاشية المنعزلة أصلا عن الشعب لتقديم المشورة والتأثير على صانع القرار دون الاكتراث لانطباعات الجمهور ومواقفه وآرائه.

 

خلاصة:

لا تقتصر المسؤولية عن إهمال دور الرأي العام على صانع القرار، بل تتعداه لتشمل مراكز البحث واستطلاعات الرأي. من هنا فإن توصياتنا تشمل الطرفين معاً. من جانب، لا بد من أن تعدل السلطة وصانعو القرار فيها سياساتهم تجاه عدم الجدية في النظر لاستطلاعات الرأي وآراء الناس، ليس فقط لتكون قراراتها وسياساتها انعكاساً لما يريده من وضعوهم في مركز صنع القرار، وهم الشعب، ولكن أيضا لتجاوز صدامات محتملة قد تحدث مع الناس في أي لحظة. من جانب آخر، على مراكز البحث في الرأي العام مسؤولية كبيرة في كسب ثقة السلطة والجمهور الفلسطيني لتجعل من هذا البحث العلمي مرجعاً ذي مصداقية.

وعليه من الممكن أن تقوم السلطة بما يلي:

  1. زيادة توعية العاملين لديها وخاصة صانعي القرار بأهمية الرأي العام ومتابعته بشكل مستمر
  2. تشكيل جهة مختصة لدى الرئاسة أو مجلس الوزراء لتكون متخصصة بمتابعة الرأي العام ودمج توصيات هذه الجهة في التحليلات المقدمة لصانع القرار وأن تعمل هذه الحهة على فحص منهجيات مراكز استطلاعات الرأي والعمل معها من خلال النصح والتشاور لتحسين أدائها عند الضرورة .

في المقابل، تعاني العديد من مراكز استطلاعات الرأي من معيقين كبيرين في الطريق لنيل الثقة من الجمهور وصانعي القرار وهما التحيز السياسي والبحث عن التكلفة الأقل. على هذه المراكز أن تكون على إدراك بهاتين القضيتين والعمل بجد للتغلب عليهما: 

  1.  على مراكز الاستطلاعات أن تفهم أنها ليست أحزاباً سياسية أو مجموعات ضغط ذات مصالح سياسية وعليها أن تفهم أن العدو الأول للبحث الجيد ذي المصداقية هو وجود تناقض في  المصالح في عملها لأن هذا التناقض كفيل بالتحول لتحيز سياسي بدون إدراك الباحثين في هذه المراكز لذلك. إن العمل لضمان بحث موضوعي لا يشوبه التحيز هو أصعب التحديات التي تواجه الأبحاث المسحية. ينبغي على الباحث إدراك نقطة الضعف هذه واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة ليتمكن من تحييد أي تحيز لديه. 
  2.  على مراكز الاستطلاعات والبحث عموماً، وخاصة التجارية منها، ألا  تسمح لنقص التمويل، أو الحاجة للتنافس للحصول على مشاريع البحث أو العطاءات، بأن يأتي على حساب منهجية البحث ومصداقيته، فتجد نفسها تضحي بالدقة وبالتدريب الضروري لإنجاز العمل بموضوعية أو بدون الوسائل والمعدات اللازمة. إن ممارسة البحث في ظل القيود المالية تدفع بعض المراكز للجوء للطرق الرخيصة والباحثين الميدانيين ممن لا  كفاءة لديهم. ينبغي التوقف التام عن هذه الممارسات لكي تتمكن البحوث الاستطلاعية من استعادة مصداقيتها وثقة الجمهور بها. هناك بالطبع درجة من المسؤولية تقع على عاتق الممولين لهذه الأبحاث إذ ينبغي عليهم التدقيق في منهجية الأطراف المشاركة في العطاءات أو الدعوات للمشاريع البحثية.
 

[3] مقابلة أجراها الباحث مع السيد سامر سلامة وكيل وزارة العمل بتاريخ: 19/8/2019

[6] مقابلة اجراها الباحث مع الدكتور نادر سعيد مدير مركز أوراد بتاريخ: 12/8/2019

[7] سامر سلامة، مصدر سابق.

[8] سامر سلامة، مصدر سابق. 

Arabic

Role of public opinion in policy making

Professionally prepared public opinion polls represent one of most penetrating means of measuring the attitudes of the public on various socio-political issues. Proficient polls rely on scientifically tried and tested methodology that includes sample selection and design of the questions, among others.  By examining its methodology, one can easily ascertain the validity and reliability of polls. As democracy gained ground, survey research became essential because it provided the means to explore public positions and demands in the various aspects of political life, including electoral behavior. As a result, survey research gained significant attention in democratic countries while attracting little attention in countries in their early stages of transition to democracy and no interest at all in authoritarian and totalitarian countries.

Public opinion research allows policy makers to uncover public needs and positions toward important policy questions thereby allowing them to take effective measures consistent with pubic requirements. It allows decision making to become more evidence-based and more responsive to the most urgent societal priorities while helping policy makers to avoid confrontation with the public. In doing so, it contributes to the formation of trust and harmony between the public and the political regime which helps to consolidate stability. 

In the Palestinian case, a need exists to pay attention to public opinion polls due to the considerable complexity of the socio-political conditions and the rate of change in these conditions and the need to make carefully studied decisions that help avoid direct conflict with the public. There are considerable differences among Palestinians on some of the most vital political issues and survey research can easily demonstrate the gap between the public and the policy makers. Yet, it is evident that Palestinian policy makers pay little attention to survey research and show little interest in finding out what Palestinians think. One can hypothesize that the leaders of the Palestinian Authority (PA) do not care about public views and demands. Such a conclusion might lead one to anticipate the likelihood of internal confrontations: the PA against the people.

This critical policy brief sheds light on the issue by exploring the seriousness with which PA policy makers view Palestinian public opinion and proposes ways of probing the reasons for this PA behavior. 

 

Does the PA take the Palestinian public seriously?

To answer this question, we will review the manner in which PA policy makers addressed public response to two recent policy issues. It is evident that for most of the time, policy makers showed little or no attention to public needs in two occasions: when addressing the case of public opposition to the proposed social security system and the case of security coordination with the Israeli security sector. 
The PA issued a social security law around the end of 2018 with the intention of implementing the law by applying it on those who work in the private and non-governmental sectors. The law was met by a fierce opposition among the public that soon developed into a popular movement determined to derail its implementation. The movement expanded to all cities in a relatively short period of time. Public opinion surveys showed very early on that the overwhelming majority of the public rejected the law. Indeed, by mid-December 2018 a poll[1] conducted by the Palestinian Center for Policy and Survey Research (PSR) showed that 65% of the public in the West Bank opposed the implementation of the law and that this opposition rises to 84% among those who would be directly affected by it.  These findings were widely published in the local media. But it seemed that policy makers were oblivious of the findings.  Indeed, policy makers continued to demonstrate total ignorance of public mood. On 19 January 2019, the minister of local government publicly stated[2] that the “leader of the anti-social security law movement in Hebron lives in the settlement of Kiryat Arba and that the city just follows him.” The minister’s statement fueled public anger and consolidated the prevailing public perception of the huge gap between the public and the policy makers and the extent to which policy makers are willing to turn a blind eye to vital public needs. One Facebook comment argued that the episode reveals “a whole context of supremacy and invincibility over citizens exhibited by policy makers who rule out public needs as irrelevant.”

 

In an interview with the author[3], deputy minister of labor, Mr. Samir Salamah, stated that throughout the period in which the issue of the implementation of the social security law was being debated, he himself was not aware of any trusted findings on public views regarding the issue despite the fact that he, as one of the relevant policy makers, surely needed one and that he was not made aware of the results of PSR poll mentioned above. Salamah added that there is no department at the ministry, or at the entire PA, whose task was to ascertain public views on such matters.

The second example is an ongoing one involving PA security coordination with the Israeli security sector. The aim is not to discuss the policy itself; rather, we want to examine how policy makers viewed public attitudes regarding this and other similar critical issues in PA policy. It is evident from polling results that a clear majority of Palestinians are opposed to continued Palestinian coordination with Israel regarding security matters. This issues has the potential of damaging trust between the Palestinian public and the PA. Yet, policy makers seem uninterested in addressing the matter in a serious manner, a fact that is not hidden from the Palestinian public. Palestinian polls[4] have shown strong public demand for the termination of security coordination. The same polls have also shown that the public does not expect the PA to take its views on this matter seriously. On its part, the PA has done little to provide the public with a convincing argument in favor of continuing its current policy. Nor has the PA explained the types of coordination involved, the expected benefits of such a policy, and the difficulties involved in terminating it. The question one needs to address is why the PA makes no effort to seriously consider public opinion when reviewing its policy.

Dr. Ammar Duwaik, director general of the Palestinian Independent Commission for Human Rights has stated in an article on the subject[5] that this is “one of the most sensitive and controversial issues in Palestinian politics,” and that despite a great deal of public interest on the subject, “details on the nature and types of this coordination, the extent to which civilians are in control of this policy, and the how and what kind of intelligence information is shared or passed on remain hidden from the public.” He adds that “there has not been any quiet and objective dialogue at the national level regarding this matter.” Instead, the debate has been overwhelmed by mud-slinging and mutual accusations of treason. This environment only contributes to public distrust of the policy and the PA disregard of public opinion.

It is worth noting in this regard that public opinion firms have developed a negative impression of the extent to which the PA cares about their poll findings. Nadir Said[6], director of AWRAD,  center for public opinion polling located in the West Bank, notices that the current PA regime shows less and less interest in polls and public opinion in general and he attributes that to what he sees as a tendency in the regime to become more centralized and under the control of a single individual. He senses that the PA policy makers see no point in a dialogue with civil society or research centers. He thinks that the PA has not developed an interest in studying or addressing public opinion needs and that no policy maker is willing to pay attention to polling research in any systemic way; thereby the PA finds itself lacking any readiness to develop preemptive or counter strategies to win hearts and minds. Said come to these conclusions based on his own experience in polling research. He concludes that there is lack of awareness on the part of the PA of the importance of public opinion research and a readiness to dismiss it as unimportant and irrelevant and that policy makers tend to think that they know more about the society than revealed by the polls.

Mr. Salamah agrees in part with this assessment. While he personally expresses interest in public opinion research, views it as important, and believes that it is critical that on-going research must be maintained, he nonetheless think that some policy makers treat opinion research with disdain, mere ink on paper. He adds that the trust of policy makers in polling is very limited and that they do not appreciate its importance. He explains that his ministry has no body whose responsibility is to gather updated information of public sentiments and that if some individuals show such an interest, it is usually a personal initiative.[7]

 

Understanding PA’s lack of interest in public opinion research:

One or more of the following factors are responsible for the lack of PA interest in public opinion research: distrust in poll findings, disregard of public opinion, institutional weakness within the PA that hinders its ability to ascertain public preferences.

1. Distrust in public opinion research: Among all factors, this might be the most critical in pushing policy makers away form public opinion. For example, Mr. Salama was quick to point out that polling results failed in 2006 to predict Hamas’s electoral victory when all polling centers predicted a victory for Fateh only to see Hamas winning a sweeping victory on the day of elections. This might have led to a great suspicion among policy makers and the public at large of the credibility of polling centers. Indeed, Salamah indicates that when the subject of polling is opened for discussion, the reaction is usually negative and distrustful.    
If this is the only reason to disregard public opinion, it is certainly unwarranted. Skepticism about survey research must be based on methodological and scientific bases and a follow up to the progress made in state of the art of this research. It should be based on an examination of the methods currently employed in the polling centers at all levels, sample selection, design of questions, and statement of findings. This is not a difficult task at all; yet, the PA shows no interest in exploring it. As Salamah indicates, “despite the skeptical reception of polling, there is no interest in examining its deficiencies or in exploring research methodology.”[8] The author of this brief has been working for the past 15 years as a head of the polling unit at PSR, a survey research center that has been conducting quarterly surveys among the Palestinian public since 2000. Only in rare occasions did I receive requests for a description of our research methodology from PA officials despite the fact that we receive plenty of enquiries from international students and diplomats. This lack of interest in methodology on the part of the PA clearly indicates either a skepticism about the poll findings based on non-scientific analysis or that the PA has no interest in public opinion in general.

 

2. Lack of interest in the opinion of the Palestinian public: Some policy makers might subscribe to the notion that leaders’ job is to lead the public rather than being led by it; that instead of following a swinging public mood, leaders’ job is to do what they think is in the best interest of the country regardless of the prevailing public opinion at any given moment. Needless to say, this is a valid position in many cases. In some cases, policy makers face problems that require expert, not public, opinion. Moreover, leaders often have to make swift policy decisions long before public opinion is known. Still, complete disregard to public opinion is not only unwise, but also risky. Ultimately, leaders’ job is to strike a balance between leadership and representation of the views of the public that elected them. When a need arises to disregard public opinion, leaders must provide clarification and seek to persuade the public that their own unpopular policies are worth testing.  
The risks involved in disregarding the views of the majority of the Palestinian public are evident in the scenes of confrontations between the public and the masses in countries like Lebanon, Iraq, Sudan, and Algeria and before that in those countries of the first wave of the Arab Spring. Indeed, the findings of the latest wave of the Arab Barometer[9], a survey of public opinion conducted regularly in most Arab countries since 2006, including Palestine, provides valuable indicators of trends in the Arab world. For example, the 2018-19 indicators highlight the extent of extreme discontent in countries like Algeria, Sudan and Lebanon thereby providing an early warning sign for policy makers, but only to those who do care about their own publics. These indicators of discontent include areas such as room for free speech, perception of prevailing and future economic conditions, perceptions of corruption, and so on.  
PA policy makers follow the steps of their counterparts in the Arab countries in disregarding and underestimating the level of discontent among the Palestinian public. It should be clear to those policy makers that the public is fully aware of this fact. The result is a huge loss of trust. It is of course possible that the fact that Palestine has not witnessed any general elections since 2006 and the fact that elections might not take place any time in the near future might inevitably lead to authoritarianism and with it a total disregard to public opinion. Indeed, leaders will ignore their public as long as the public is not a threat to their place of power through the voting booths.  

 

3. Institutional weaknesses in the PA: Individual PA policy makers might have an interest in public opinion but the lack of institutional support forces them to rely on their own initiative making it difficult to regularly incorporate public attitudes in their own policy input. As both Mr. Salamah and Mr. Said indicated, PA public institutions lack a systemic follow up or a regular review of existing public opinion research and the PA itself does not invest in building its own capacity to assess public opinion. This lack of readily available data on public positions from trusted sources forces senior policy makers to rely on instinct or guesses of their own and those of their close advisors that might not be informed by any kind of evidence.  

 

Conclusions and recommendations

It is evident that the problem involved in the lack of attention to public opinion involves not only the policy making circles, but also the polling centers. Therefore, our recommendations address both sides. On the one hand, the PA must reassess its position regarding public opinion research not only to ensure that its policies are consistent with public needs and demands, but also to avoid conflict and the potential for violent confrontations with the public that placed them in their positions. On the other hand, polling centers share a responsibility that requires them to make an effort to regain public and PA trust in their research and in restoring the credibility of scientific research and methods.

The PA should do the following:

  • It should educate its own staff and policy makers on the importance of public opinion and the need to carefully monitor it and find ways to measure public response to PA-initiated policies.
  • The PA should establish a unit in the office of the president and/or the prime minister whose job is to monitor public attitudes. This unit should seek to inform policy making by routinely imbedding public opinion research in policy analysis. In doing so, it should also work closely with polling centers, examine their methods, and provide advice when necessary while showing willingness to consult. 

Many Palestinian polling centers suffer from two major impediments to trusted public opinion research: political bias and cheap data. They must be aware of these impediments and find ways to overcome them.

  • First, they should keep in mind that they are not political parties or advocacy groups and that the first enemy of good and reliable research is a conflict of interest that might inadvertently cloud minds of researchers and methods of research. Objective research, not tainted by political biases, is the most difficult problem to address. Researchers must be fully aware of it and must take deliberate precautionary measures to neutralize their biases.
  • Second, polling centers, particularly the commercial ones, should not allow lack of funding to sacrifice rigorous and verifiable research methods. Polling centers who have to compete for funding or take part in biddings to secure badly needed funds tend to reduce costs embodied in fully trained manpower or utilization of advanced equipment. This is a highly problematic practice that must be stopped before polling can regain public and PA trust. In this regard, a certain responsibility lies with the funders themselves, particularly those who place a great focus of bids assessment on cost. It is their responsibility to insure full commitment to sound research methods, not only on paper, but also on the field.
English

 

 

تنطلق هذه الورقة من ثلاثة افتراضات. أولاً: موت حل الدولتين أو استحالة تحقيقه، وذلك بسبب التوسع الاستيطاني الاسرائيلي في أراضي الدولة الفلسطينية المنشودة وغياب القضية الفلسطينية عن برامج الأحزاب الفاعلة في اسرائيل من جهة، وغياب الأدوات الفلسطينية الفاعلة في الوضع الراهن للضغط على اسرائيل من جهة أخرى. وكذلك بسبب عجز أو عدم رغبة المجتمع الدولي في الضغط على اسرائيل لإنقاذ هذا الحل، فضلاً عن أن حل الدولتين لا يقدم حلاً عادلاً لقضية اللاجئين الفلسطينيين ولهذا السبب أيضاً يرى كثير من الفلسطينيين والاسرائيليين بأن حل الدولتين حتى لو تحقق فإنه لن يكون نهاية الصراع.

والافتراض الثاني هو أن إنهيار السلطة الفلسطينية مسألة وقت، إما لأسباب اقتصادية أو بسبب صراع داخلي على السلطة، فضلاً عن فقدانها لمبررات وجودها وفشلها في تقديم نفسها كنواة لدولة ديمقراطية تحترم حقوق مواطنيها وتفصل بين السلطات وغير فاسدة كما أرادها الفلسطينيون، حيث يقول 23% فقط من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة بأن الديمقراطية في  نظام الحكم في السلطة الفلسطينية جيدة أو جيدة جداً مقابل 57% لاسرائيل([1]).

أما الافتراض الثالث فهو إستحالة استمرار الوضع الراهن في المنطقة الواقعة بين البحر والنهر. إن الوضع الراهن ليس إلا صورة لواقع دولة واحدة تفرض فيه إسرائيل كل يوم مزيدا من الحقائق على الأرض لصالحها، وذلك بتمييز متزايد ضد الفلسطينيين. يجعل هذا التمييز من واقع الدولة الواحدة هذا نظاما عنصريا في مراحل متقدمة من التطور. مع ذلك، هناك فرصة -قد لا تدوم طويلاً- لدى الفلسطينيين لتغيير الوضع الراهن، بكشف عنصرية هذا الواقع المتبلور وفرض حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية، ولتحقيق مكاسب استراتيجية وتعويض الكثير من الخسائر التي نتجت عن مغامرة أوسلو.

إن الاستمرار في تبني والترويج لحل الدولتين من أطراف فلسطينية أو غيرها، هو مشاركة في استمرار معاناة الشعب الفلسطيني. بل إن هذا الخداع القائل بأن حل الدولتين مازال ممكناً قد يكلف الفلسطينيين نكبة ثانية. حل الدولتين مات وانتهى، وان السذاجة المتمثلة بتحميل الرئيس ترمب مسؤولية قتله، وبالتالي التعويل على ما بعد نهاية فترة رئاسته، غير صحيحة وغير مفيدة. بل إن ترمب -من حيث لا يدري-  قد يكون فرصة يجب اقتناصها قبل فوات الأوان، حيث إن ما قام ويقوم به هو لوقف بائعي الأوهام للفلسطينيين عند حدهم وإجبار القيادة الفلسطينية للاعتراف بخطئها وتبني استراتيجية جديدة.

 

إن من يحكم فلسطين التاريخية منذ عام 1967 هي دولة واحدة وهي إسرائيل، وهذا الحكم استمر حتى بعد اتفاق أوسلو وانشاء جهاز السلطة الفلسطينية وحتى الآن. وجدت اسرائيل ضالتها في "عملية السلام" بالالتفاف على الانتفاضة الأولى من خلال انشاء جهاز السلطة الفلسطينية ليعفيها من وصمها بالدولة العنصرية الذي كانت موصومة به من قِبل الجمعية العامة للأمم المتحدة (قرار رقم 3379 عام 1975)([2]) قبل الغائه (قرار رقم 86/46 عام 1991)([3]) بعد 45 يوم فقط من انعقاد مؤتمر مدريد للسلام عام 1991. ولكن اليوم، بل مبكراً وبعد سنوات قليلة على أوسلو، بدأت تتكشف نوايا اسرائيل. وبالفعل لقد كسبت اسرائيل 25 عاماً كانت الأفضل في تاريخها على كافة المستويات من خلال إلهاء وإيهام الفلسطينيين بعملية سلام لا تنتهي بينما قامت وتقوم بتعزيز وجودها وسيطرتها والتحكم بكل مناحي الحياة اليومية للفلسطينيين، وكذلك سرقة الأراضي ومواردها وفرض أمر واقع جديد سيكون من يطالب بتغييره غير متصل بالواقع بنظر اسرائيل ونظر اللاعبين الدوليين الرئيسيين في العملية السياسية القائمة على حل الدولتين وحتى بنظر بعض الفلسطينيين.

نجحت اسرائيل باستغلال ضعف منظمة التحرير وتلهف قيادتها للعب دور جديد بعدما أصبحت تقريباً غير ذي صلة بحكم الجغرافيا وضعف وتساقط الحلفاء، وجفاف مواردها المالية، وفرضت عليها اتفاقاً هزيلاً في أوسلو يتم فيه انشاء سلطة فلسطينية لادارة شؤون الفسطينيين شكلياً بالنيابة عنها، حيث بدأت قيادة السلطة منذ اليوم الأول لإنشائها تتصرف كأنها دولة مستقلة في علاقتها مع شعبها وحلفائها، مُعطية الانطباع بأنها نواة الدولة الفلسطينية المنشودة، وليصبح فيما بعد من الصعب على هذه القيادة التفكير بالعودة خطوة للوراء. وعندما أدركت القيادة الفلسطينية بعد قمة كامب ديفيد عام 2000 بانه ليس باستطاعتها بيع مزيد من الأوهام لشعبها، وبدلاً من قلب الطاولة على الاحتلال بالتراجع خطوة للوراء وإرجاع الأمور إلى ما كانت عليه قبل أوسلو وذلك بحل السلطة الفلسطينية، برزت هنا الصعوبة التي راهنت عليها اسرئيل، أي عدم استعداد قيادة السلطة للتخلي عن مكتسباتها الشكلية والفردية.

المفارقة، أنه وبعد حوالي عشرين عاماً على انتهاء المرحلة الانتقالية (1999)، وفشل قمة كامب ديفيد (2000)، وفي ظل افتقار القيادة الفلسطيينة لأدوات الضغط والتأثير، وفشل استراتيجية التدويل وعزل إسرائيل، يبقى خيار حل السلطة الفلسطينية هو الخيار الوحيد بيد القيادة الفلسطينية لمحاولة إنقاذ ما يمكن إنقاذه. والدليل على أنه الخيار الوحيد هو تهديد رأس هرم منظمة التحرير والسلطة الفلسطينية منذ عشر سنوات بحلها و "تسليم المفاتيح" للاحتلال، وقراره بوقف العمل بالاتفاقيات الموقعة مع اسرائيل في شهر تموز/يوليو الماضي رداً على هدم بيوت فلسطينية يقع بعضها في منطقة "أ" في وادي الحمص في بلدة صور باهر قضاء القدس. ولكنها بقيت كما غيرها دون خطوات عملية وبأدنى مستوى من الجدية مما أفقدها المصداقية.  

 

حل السلطة أو انتظار انهيارها؟

إن رهان اسرائيل سابق الذكر ما زال فعالاً لدرجة أن القيادة الفلسطينية مستعدة هذه المرة للمغامرة بالتمسك بالسلطة لآخر لحظة حتى انهيارها، بدلاً من المبادرة بحلها. وهذا الانهيار وشيك ويمكن أن يحدث في أي لحظة كما ذكرنا سابقاً، إما لأسباب اقتصادية وعدم قدرة السلطة الفلسطينية على الاستمرار بأداء المهام الموكلة لها، أو بسبب صراع داخلي على السلطة، حيث أن مخاطر هذا الصراع قد تضاعفت بعد حل المجلس التشريعي الذي حسب القانون الأساسي وفي حال عدم قدرة الرئيس على القيام بمهامه أو وفاته، يصبح رئيس المجلس التشريعي هو الرئيس ليقوم بالتحضير لانتخابات رئاسية خلال مدة شهربن وهذا هو السيناريو الذي حدث بعد وفاة الرئيس عرفات.

 إن الفرق بين انتظار الانهيار والمبادرة بالحل هو فرق استراتيجي ومصيري. ففي سيناريو حل السلطة ستعود القيادة بأكملها لمنظمة التحرير والشعب معاً (ويا حبذا لو كان ذلك بالتوازي مع اجراء تغييرات واصلاحات من حيث طريقة صنع القرار وشمولية التمثيل داخل مؤسسات المنظمة لوقف النزيف المتسارع في رصيد شعار المنظمة كممثل شرعي ووحيد للفلسطينيين الذي يؤيده اليوم فقط 54%([4]) من فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة مقابل 69% قبل ثلاثة عشر عاماً) ليكونا في موقع المبادرة والقدرة على التحكم والتوجيه للاستراتيجية التي سيتم تبنيها وطرحها لمرحلة ما بعد حل السلطة. كذلك ينبغي على القيادة تزامناً مع ذلك إعطاء صلاحيات واسعة للبلديات والمجالس المحلية وتشكيل لجان شعبية في أحياء المدن والقرى لمساندة البلديات والمجالس المحلية في حفظ الأمن الداخلي وقيادة العمل الشعبي المقاوم. وعليها أيضاً المبادرة بجمع أسلحة الأجهزة الأمنية وتسليمها لطرف ثالث مثل الأمم المتحدة وذلك لتحقيق ثلاثة أهداف: أولاً، لتفادي محاولة إسرائيل جر الفلسطينيين لسيناريو الانتفاضة الثانية؛ وثانياً، خدمةً لاستراتيجية حل الدولة الواحدة التي سيتم تبنيها والقائمة على المقاومة الشعبية السلمية؛ وثالثاً، لضم المزيد من الاسرائيليين اليهود لمشاركة الفلسطينيين في نضالهم لإنهاء النظام العنصري.

 أما في سيناريو الانهيار، وما يمكن أن يتلوه من فوضى وفلتان أمني وصراع مسلح، فإن إسرائيل ستكون في موقع المتحكم في الأمور لدرجة أنها قد تستغل هذا الوضع بارتكاب نكبة ثانية بحق الشعب الفلسطيني يكون مسرحها الضفة الغربية. بل إن اسرائيل كدولة قد لا تكون مشاركاً رئيسياً في النكبة الجديدة بترك الأمر للمستوطنين الذين تزايدت اعتداءاتهم في السنوات الأخيرة ووصل عددهم في الضفة الغربية إلى أكثر من 600 ألف([5]) مستوطن لا ينقصهم السلاح لارتكاب نكبة جديدة بحجة الدفاع عن النفس في أجواء الفوضى والفلتان الأمني التي من المرجح أن تنشأ عقب انهيار السلطة.

إذن، لتفادي هذه المخاطر، وتلك المتمثلة في خطة "صفقة القرن" (التي لا ننتظر إعلانها، بل ننتظر فرض وتطبيق آخر عناصرها) ينبغي على قيادة منظمة التحرير الآن ودون تردد أو انتظار أن تبادر بحل السلطة الفلسطينية التي فقدت مبررات وجودها لأسباب عدة ولكن أبرزها هو إنتهاء وهم الحل القائم على "حل الدولتين". كما أن وجود السلطة هو السبب الأهم للانقسام ووجودها هو الذي يعفي اسرئيل من كلفة احتلالها، بل إن الاقتصاد الاسرائيلي يستفيد بنسبة تفوق ال70%([6]) من مجموع المساعدات الدولية للفلسطينيين. وبحلها أيضاً، من المؤكد ان تستعيد القيادة الفلسطينية جزءاً كبيراً من ثقة الشعب بها (واسترجاع الثقة هو عنصر مركزي لتبني وإنجاح لاستراتيجية وبرنامج ما بعد الحل) التي هي شبه معدومة الآن. حيث أن حوالي نصف الفلسطينيين  في الضفة الغربية وقطاع غزة يعتبرون السلطة عبء ويؤيدون حلها)[7](، رغم أنها المشغل الأكبر، ومقدم الخدمات الرئيسي لهم، وكذلك رغم الخوف من المجهول بغياب استراتيجية لما بعد الحل. ولو سألنا الفلسطينيين عن رأيهم بحل السلطة مع تقديم استراتيجية جديدة وواقعية لما بعد الحل فإن نسبة التأييد ستزداد بكل تأكيد إلى أغلبية واضحة لتنحصر المعارضة فقط بأصحاب المصالح الكبرى الذين تتعارض مصالحهم مع المصلحة الوطنية الجماعية.

من الصعب معرفة موقف وردة فعل حركة حماس -المسيطرة على قطاع غزة- من قرار حل السلطة الفسطينية. ولكن سيكون من الصعب عليها مواجهة إجماع شعبي على استراتيجية وطنية جديدة وواقعية تضمن حقوق الفلسطينيين.

 

استراتيجية ما بعد الحل: حل الدولة الواحدة

إن سياسة الانتظار التي انتهجتها القيادة الفلسطينية والتعويل تارة على نتائج انتخابات أمريكية هناك ونتائج انتخابات اسرائيلية هنا أو تغيير في سياسات الاتحاد الأوروبي ودوله لممارسة بعض الضغوط على اسرائيل قد فشلت فشلاً ذريعاً ودفعنا، وما زلنا ندفع، كفلسطينيين بسببها ثمناً باهظاً. أما خطة "صفقة القرن"، فبالتأكيد لا يمكن مواجهتها وإفشالها من خلال الانتظار أو الاكتفاء بالقول "لا" في الوقت الذي تطبق فيه على أرض الواقع. حان الوقت للاعتماد على أنفسنا فقط في فرض ما نريد ضمن خطة وطنية، والاستثمار في المواقف العربية والدولية ما أمكن، ولكن كعوامل مساعدة وليست أساسية.

خطة وطنية فلسطينية، واقعية، أخلاقية وتحظى بتأييد شعبي هي فقط الكفيلة بإفشال خطة "صفقة القرن" وغيرها من الخطط. هذه الخطة أو الاستراتيجة الفلسطينية يجب أن تكون قائمة على تبني حل الدولة الديمقراطية الواحدة في فلسطين التاريخية بحيث تضمن: (1) المساواة الكاملة بين كل مواطنيها، و(2) حق العودة للاجئين، و(3) ضمان عدم هيمنة مجموعة على أخرى، و(4) وضع خطط وبرامج قصيرة ومتوسطة المدى تعمل على جسر الفجوة بين مواطنيها في كل المجالات، خاصة في مجال الاقتصاد، على قاعدة تكافؤ الفرص والتمييز إيجابياً تجاه الفئات الفقيرة، ومجال الأمن بخطط دمج شاملة على كافة المستويات، وأخيراً، (5) يُحتم على الدولة الديمقراطية الواحدة اتباع سياسة خارجية قائمة على الحياد وعدم الدخول في أي محاور اقليمية أو دولية وذلك لأهمية هذه الدولة الدينية والتاريخية لدى معظم سكان الأرض ولصالح مستقبلها السياحي والتجاري الواعدين. 

رغم أن حل الدولتين هو البرنامج الرسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية، ورغم الجهد الاعلامي والتعبوي الذي استثمرت فيه المنظمة للترويج لهذا الحل، إلا أن نسبة التأييد لحل الدولتين بين الفلسطينيين والاسرائيليين اليوم هي الأدنى منذ أكثر من عقدين ولا تشكل أغلبية عند أي من الطرفين. في المقابل، ورغم عدم وجود حزب سياسي فلسطيني واحد يتبنى خيار حل الدولة الواحدة، ورغم شعور الفلسطينيين بضعفهم وعدم قدرة قيادتهم على إجبار الاسرائيليين على قبول حل الدولة الواحدة، فإن نسبة الفلسطينيين الذين يؤيدون التخلي عن حل الدولتين وتبني حل الدولة الواحدة تبلغ 31%([8]) وتقفز نسبة التأييد إلى أكثر من 39%([9]) في حال فشل حل الدولتين.

يجب أن تكون أدوات تحقيق هذه الاستراتيجية قائمة على المقاومة الشعبية السلمية الواسعة -حيث أن معظم الفلسطينيين (63%))[10]( يؤيدون هذا الشكل من المقاومة ولكن عند سؤالهم عن سبب ضعف مشاركة المواطنين في المقاومة الشعبية تقول النسبة الأكبر (39%))[11]( أنه يعود لعدم الثقة بالقيادة. وكما ذكر سابقاً لا يمكن استرجاع ثقة الجماهير إلّا بقرار بحجم حل السلطة وبالتالي فإن ثقة الجماهير المسترجعة بالقيادة ستجعلهم مشاركين فاعلين. ولدينا مثالان واضحان على ذلك: أولًا، المقاومة الشعبية الواسعة والناجحة في القدس -حيث لا وجود للسلطة- في صيف 2017 احتجاجًا على البوابات الالكترونية التي حاولت اسرائيل تركيبها على مداخل المسجد الأقصى في البلدة القديمة في ذلك الوقت. والمثال الثاني يتمثل بالمشاركة الجماهيرية الواسعة في مسيرات العودة الكبرى المستمرة منذ آذار 2018 على حدود قطاع غزة، حيث لا وجود للسلطة أيضاً. لنتخيل مسيرات مشابهة في الضفة الغربية والقدس، وفي مناطق ال48 المتعطشة لقيادة تكون جامعة لكل الفلسطينيين تشملهم بعد أن تخلت عنهم قيادة منظمة التحرير رسمياً منذ "أوسلو" وتركتهم لمصيرهم كأقلية مميز ضدها خاصة بعد سن قانون القومية اليهودية لاسرائيل. إذن، بالتوازي مع المسيرات الكبرى في كل أنحاء فلسطين التاريخية وفضح سياسات التمييز الإسرائيلية والمطالبة بإعادة تفعيل قرار الجمعية العام للأمم المتحدة رقم 3379 لعام 1975 الذي ساوى الصهيونية بالعنصرية، لنتخيل أيضاً الزخم الكبير الذي ستكتسبه حركة مقاطعة اسرائيل وفرض العقوبات وسحب الاستثماراتBDS  وفي وقت  قياسي، خاصة بانه سيكون من الصعب على الحكومات التي تحاول التضييق عليها ومحاربتها الاستمرار في ذلك خشية اتهامها بالدفاع عن واقع دولة واحدة يتصف بالعنصرية بات مكشوفا للجميع.

إن قدرة إسرائيل كدولة صغيرة على مواجهة وتحمل الوضع الجديد الناشئ المتمثل بالمظاهرات الشعبية الكبرى ووصمها سياساتها بالعنصرية والدعوة إلى مقاطعتها ستكون محدودة مما قد يجعلها تتجاوب مع مطالب الفلسطينيين بزمن قياسي، وذلك لتفادي الانعكاسات الفورية على صورتها وعلى اقتصادها الذي يتميز بالحداثة والسرعة ولا يحتمل الهزات والإرباك، وكذلك لتفادي الانعكاسات الفورية على قطاع السياحة الذي يُسجل أرقاماً قياسية متتالية آخرها عام 2018 حيث وصل عدد السائحين إلى أكثر من 4 ملايين سائح بإيرادات وصلت إلى 24 مليار شيكل (6.3 مليار دولار)([12]).  

 

موقف الاسرائيليين:

رغم أن نسبة من 54%([13]) من الاسرائيليين اليهود يصفون الوضع في اسرائيل بالجيد أو جيد جداً و30% بالمتوسط و16% فقط بالسيء أو سيء جداً، فقد قالت نسبة بلغت أكثر من (20%)([14]) من الاسرائيليين اليهود بأنهم يؤيدون خيار الدولة الواحدة الذي تتساوى فيه حقوق كل المواطنين. إن القول باستحالة موافقة الاسرائيليين اليهود على خيار الدولة الواحدة لا يمكن اختباره دون وضع اسرائيل في وضع تكون مجبرة فيه -حسب الاستراتيجية المذكورة سابقاً-  بالاختيار بين حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة. كما يجب التذكير بوجود حوالي 2 مليون فلسطيني كمواطنين اسرائيليين يشكلون حوالي 20% من مُجمل السكان داخل اسرائيل، يؤيد أكثر من ثلثيهم([15])حل الدولة الواحدة. إن الأرقام أعلاه مؤشرات ايجابية جداَ لتقبُل بعض أطراف المجتمع الاسرائيلي لمطالب الفلسطينيين ضمن الاستراتيجية المذكورة سابقاً وكذلك لثقتهم بأن الدولة الديمقراطية الواحدة ستضمن لهم حقوقهم في المستقبل بغض النظر عن عددهم ومحاولة البعض تخويفهم من العامل الديمغرافي. وهنا من المهم الإشارة بأن هناك يهوداً اسرائيليين يصوتون لأحزاب عربية وأن أكثر من 30%([16]) من أصوات فلسطينيي الداخل في انتخابات الكنيست الأخيرة في نيسان الماضي قد ذهبت إلى أحزاب يهودية رغم وجود قائمتين عربيتين تضم أربعة أحزاب.

كذلك هناك عدة مبادرات تُطرح من قِبل اسرائيليين تأتي في إطار حل الدولة الواحدة مثل مبادرة الكونفدرالية "دولتان-وطن واحد" ومبادرة "حركة الاتحاد الفيدرالي"، إلا أنها مبادرات لا ترقى لمستوى حقوق وتطلعات الفلسطينيين ولكنها حتماً تبقى أفضل من الوضع الراهن ومن حل الدولتين في أحسن حالاته. كذلك أسس منذ حوالي عام مجموعة من فلسطينيي 48 وبمشاركة اسرائيليين يهود مبادرة بمسمى "حملة الدولة الديمقراطية الواحدة" تدعو إلى اقامة دولة ديمقراطية واحدة في فلسطين التاريخية تضمن المساواة بين كل مواطنيها وحق العودة وتفكيك النظام الاستعماري الصهيوني القائم. وتهدف هذه المجموعة لعقد مؤتمر للإعلان عن نفسها وعن برنامجها السياسي خلال هذا العام.

 

موقف المجتمع الدولي:

كما ذكر سابقاً، آن الأوان لنعتمد على أنفسنا بفرض وتحقيق ما نريد وتبقى العوامل الأخرى مثل الدور العربي والاسلامي والمجتمع الدولي عوامل مساعدة وليست أساسية. فالمجتمع الدولي، وخاصة في العشر سنوات الأخيرة،  وعلى رأسه الاتحاد الاوروبي أكبر الداعمين لحل الدولتين، أصبح مهتماً بإدارة الصراع وإطالة الوضع الراهن أطول فترة ممكنة، وذلك يتضح بعدم ممارسة أي نوع من الضغوط على اسرائيل أولاً، ودعمه لنظام السلطة الفلسطينية السلطوي ثانياً، وكل هذا على حساب معاناة الشعب الفلسطيني.  رغم ذلك، في خطابها أمام البرلمان الأوروبي بتاريخ 16/4/2019 قالت فيديريكا موغيريني الممثل الأعلى لسياسة الأمن والشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي: "الواقع أن حل الدولتين ليس فقط يتلاشى بل يجري تفكيكه قطعة تلو الأخرى".

كذلك يقر العديد من السياسيين والدبلوماسيين الأوروبيين بفشل وانتهاء حل الدولتين إلّا أنهم يجدون صعوبة بالإعتراف بذلك والتخلي عنه خاصة باستمرار تمسك الطرف الفلسطيني الرسمي به وبسبب استثمارهم بمليارات الدولارات في هذا الحل من جيوب دافعي الضرائب الأوروبيين. لذلك يفضل هؤلاء أن يأتي إعلان هذا الفشل من الأطراف المعنية. أما الولايات المتحدة الأمريكية، الراعي الرئيسي لعملية السلام، فمنذ قدوم ترمب للسلطة وفي أول مؤتمر صحفي مشترك مع نتنياهو في البيت الأبيض قال أنه سيؤيد أي حل يحبه الطرفان سواء كان حل الدولتين أو حل الدولة الواحدة. هذا يعني أن المجمتع الدولي الذي لم يفعل شيئا لانقاذ حل الدولتين، قد لا يُعارض حل الدولة الواحدة، بل إن حل السلطة وفضح واقع الدولة الواحدة المتبلور اليوم كنظام عنصري،  قد يضعهم في موقف لا مفر لهم منه وهو رفض هذا النظام العنصري وتأييد دولة ديمقراطية تساوي بين جميع مواطنيها.


[7] http://www.pcpsr.org/ar/node/622  يشير آخر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية أن نسبة الذين يعتبرون أن السلطة عبء بلغت 48% وهبطت نسبة الذين يؤيدون حلها إلى 38%

Arabic

Pages