22 كانون ثاني  (يناير) 2020  

 

تقوية مجلس القضاء الأعلى لضمان حماية استقلال القضاء الفلسطيني   

علاء لحلوح وجهاد حرب

 

طرحت القرارات الرئاسية المتعلقة بحل مجلس القضاء الأعلى وتشكيل مجلس قضاء انتقالي برئاسة رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق المستشار عيسى أبو شرار (القرار بقانون رقم 16 و17 لسنة 2019) مسألة مدى تدخل السلطة التنفيذية في استقلال الجهاز القضائي الفلسطيني، وأعادت إثارة مسألة حماية استقلال القضاء الفلسطيني من تدخلات جهات مختلفة في السلطة التنفيذية سواء في عملية التعيين للقضاة أو اقحام السلطة القضائية في عملية تصفية حسابات بينها، أو زج المحاكم في عملية قمع الحريات الإعلامية.

مما لا شك فيه أن استقلال القضاء يمثل عنصرا أساسيا من عناصر الحق في محاكمة عادلة وسيادة القانون. وأن اشتراط استقلال القضاة ونزاهتهم ليس ميزة ممنوحة لهم من أجل مصلحتهم الخاصة، بل هي أمر يبرر الحاجة إلى تمكين القضاة من الاضطلاع بدورهم كحماة لسيادة القانون ولحقوق الانسان والحريات الأساسية للناس. وهو ضمانة للحقيقة والحرية واحترام حقوق الإنسان والعدالة النزيهة الخالية من التأثير الخارجي. إن ضمان استقلالية الجهاز القضائي أحد أهم مطالبات مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية بالإضافة إلى توصيات لجنة تطوير أركان العدالة المكلفة بوضع رؤية شمولية لتطوير قطاع العدالة والقضاء والتي نشرت في تقريرها عام 2018[1]. ويمثل مجلس القضاء الأداة الأبرز نحو ضمان هذا الاستقلال الامر الذي يتطلب أولا تقوية هذا الجهاز المسؤول عن إدارة الجهاز القضائي وثانيا توفير ضمانات عدم تدخل السلطة التنفيذية في تعيين أعضائه، وثالثا توفير قواعد مانعة لحدوث أي تحيز لأبناء المهنة القضائية بحيث تكون أطراف غير قضائية جزءا من هذا المجلس. 

تهدف هذه الورقة إلى تقديم توصيات للمجلس القضائي الانتقالي بهدف تعزيز استقلالية الجهاز القضائي الفلسطينية وحمايته من تدخلات الجهات الخارجية سواء من السلطة التنفيذية أو متنفذين على هامش السلطة التنفيذية في إطار الحفاظ على مبدأ فصل السلطات وضمان نزاهة الجهاز القضائي واستعادة ثقة المواطنين بالمحاكم النظامية. تقدم الورقة خيارات للقيام بذلك هي توسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى، وادخال الديمقراطية على عملية تشكيل هذا المجلس، أو جعل تشكيل المجلس مختلطاً. 

 

الحاجة للإصلاح   

أحدث الانقسام السياسي بين حركتي فتح وحماس طوال السنوات الاثنتي عشر الماضية تراجعا كبيرا في النظام الديمقراطي الفلسطيني المبني على الفصل بين السلطات. فقد غاب المجلس التشريعي الفلسطيني عن القيام بدوره التشريعي والرقابي إلى أن تم حله في كانون ثاني (ديسمبر) 2018، وتركزت السلطة التشريعية بيد الرئيس الفلسطيني من خلال إصداره القرارات بقوانين. وقد شكل تصريح المستشار القاضي سامي صرصور رئيس مجلس القضاء الأعلى "المستقيل/المعزول" بتاريخ 24/10/2016، فضحاً لتدخلات السلطة التنفيذية في عمله وذلك بالتوقيع على الاستقالة من منصبه قبل حلف اليمين القانوني امام الرئيس بناء على طلب من مرجع أمني كما وقع رؤساء المحاكم السابقين.[2] وأشار المستشار عبد الله غزلان قاضي المحكمة العليا إلى أن القضاء غير قادر على اصلاح نفسه، بل ان بعض القضاة لا يثقون بأحكام المحاكم إذا ما مثلوا أمامها.[3] كذلك طالبت مؤسسات المجتمع المدني الفلسطينية في مناسبات عدة بإصلاح الجهاز القضائي خاصة إثر فشله في اصلاح نفسه خلال السنوات الماضية وعدم المحافظة على استقلاله وزيادة الصراعات بين كبار القضاة.[4]

كما شاب عمل الجهاز القضائي العديد من الإشكالات كإصدار احكام متناقضة فيما يتعلق بقرارات التقاعد لموظفين في القطاع العام تشوبها شبهة تدخل السلطة التنفيذية، أو تدخل أطراف متنفذة على هامش السلطة التنفيذية لإصدار احكام لصالح أشخاص وشركات كالحكم الخاص بشركات المواصلات[5]، أو القرارات الداخلية المختلفة في الجهاز القضائي فيما يتعلق بالهيئات القضائية وتشكيلاتها أو إحالة بعض القضاة على خلفية حرية الرأي والتعبير أو حضور لقاء وورش عمل بدعوة من منظمات المجتمع المدني، بالإضافة إلى التأخر في الفصل في القضايا لسنوات متعددة مما أدى إلى تقليل ثقة المواطنين بالقضاء، والتوجه إلى القضاء العشائري كبديل للقضاء النظامي وتفضيله.

كذلك، فإن تشكيل المجلس الأعلى للقضاء، وفقا لأحكام قانون السلطة القضائية لسنة 2002، يمنح استقلالية واسعة للسلطة القضائية خاصة أن العضوية فيه تعتمد على المناصب وليس الأشخاص وتحصر العضوية عمليا بالقضاة. لكن هذه التشكيلة تُبقي على التركيز المفرط للسلطات في هيئة قضائية واحدة ما يثير ادعاءات متعلقة بالانحياز لأبناء المهنة "القضاة" مما يحول دون النظر في مساءلة القضاة. كذلك، يبقي هذا التشكيل على إمكانية وجود تعارض بين مسؤوليات رئيس المحكمة العليا وبين رئيس المجلس الأعلى للقضاء، قد يسمح بتضارب المصالح بالتنسيب لرئيس السلطة لتعيين رئيس المحكمة العليا وهو في نفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للقضاء. 

 

انخفاض ثقة المواطنين الفلسطينيين بالجهاز القضائي

تراجعت ثقة المواطنين الفلسطينيين بالجهاز القضائي الفلسطيني على مدار السنوات العشرة الأخيرة بشكل عام وبين جمهور المتعاملين مع الجهاز القضائي بشكل خاص. فقد اشارت نتائج استطلاعات الباروميتر العربي إلى تراجع الثقة في الجهاز القضائي من قبل الجمهور الفلسطيني من 60% في الدورتين الأولى والثانية التي تم اجراؤهما في العامين (2007 و2010 على التوالي) إلى 42% في الدورتين الثالثة والرابعة التي تم اجراؤهما في العامين (2016، و2019 على التوالي).[6] 

كما تشير نتائج استطلاع الرأي العام رقم (73) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أيلول/ سبتمبر 2019 إلى انعدام الثقة بالجهاز القضائي لدى أغلبية الجمهور؛ حيث قالت نسبة من 65% في الضفة الغربية أنها لن تحصل على محاكمة عادلة لو وجدت نفسها أمام محكمة فلسطينية. وأشارت نسبة من 72% في الضفة الغربية أن عمل القضاء والمحاكم في فلسطين يشوبه الفساد أو عدم الاستقلال أو يحكم بحسب الأهواء. وينعكس الانقسام السياسي بين الفلسطينيين على نظرة المواطنين للقضاء وقدرة المواطن في الضفة الغربية على الحصول على محكمة عادلة في حال وجد نفسه يوما ما متهما امام القضاء الفلسطيني، ففي الوقت الذي يعتقد فيه 37% من مؤيدي حركة فتح أنهم سيحصلون على محكمة عادلة، فإن 9% فقط من مؤيدي حركة حماس يعتقدون أنهم سيحصلون على محاكمة عادلة.[7]

ووفقا لنتائج تقرير المرصد القانوني الخامس[8] الصادر عام 2018؛ فإن 39% فقط من المحامين أبدوا موافقتهم على أن القضاء في تحسن مستمر وعارض ذلك 49%، ووافق 62% من المحامين على أن الاحكام الصادرة عن القضاء تخضع للتأثيرات والضغوط الخارجية وعارض ذلك 16%، ووافق 27% على أن القضاء فاسد فيما عارضه 36%، ويرى 85% أن هناك بطء شديد في البت في القضايا في المحاكم النظامية.

كما أن المواطنين الفلسطينيين الذين لهم تجربة مع القضاء في الضفة الغربية أكثر تشاؤما واعطوا تقييما أكثر سلبية حيال وضع القضاء من غيرهم ممن ليست لهم تجربة مع القضاء وفقا لتقرير مقياس الامن في فلسطين عام 2016. فقد أظهرت النتائج أن 75% ممن كان لهم تجربة يعتقدون بوجود فساد في المحاكم وبين القضاة. ويعتقد 78% أن القضاء الفلسطيني لا يعامل المواطنين بالتساوي بغض النظر عن وضعهم المالي أو الاجتماعي أو الحزبي أو عن مكانتهم في أجهزة السلطة أو أجهزة الأمن. ويعتقد 78% أن إجراءات المحاكم كانت بطيئة.[9] 

 

محاولات متعثرة لإصلاح السلطة القضائية

واجهت عملية الإصلاح القضائي على مدار العشرين عاما الماضية تحديات عديدة أبرزها الانقسام السياسي الحاصل بين الضفة الغربية وقطاع غزة، وغياب المجلس التشريعي، وتدخل السلطة التنفيذية المتكرر في عمل السلطة القضائية، والصراع بين مؤسسات "قطاع العدالة"، والخلافات بين القضاة أنفسهم ونظرتهم إلى استقلال السلطة القضائية بشكل مطلق على غير غايات القانون الأساسي الذي يشير إلى استقلال القاضي بأحكامه، ومنع تضارب المصالح في حال وجودها، وضعف الأداء، بالإضافة إلى ضعف الإمكانيات المتاحة للسلطة القضائية، وتراكم القضايا في أروقة المحاكم، مما أدى إلى فقدان السلطة القضائية مصداقيتها أمام الجمهور الفلسطيني.

أطلقت السلطة الفلسطينية أولى مبادراتها الإصلاحية في مجال إصلاح الجهاز القضائي في حزيران /يونيو 2000 بإعلانها تشكيل مجلس القضاء الأعلى الانتقالي لترتيب وضع الجهاز القضائي، ومن ثم في شهر أيار / مايو 2002 إثر صدور قانون السلطة القضائية رقم 1 لسنة 2002 بتعيين مجلس القضاء الأعلى. وجاءت المحاولة الثالثة بقرار رئاسي بتاريخ 14/3/2005 صادر عن الرئيس محمود عباس يقضي بتشكيل لجنة توجيهية لتطوير القضاء والعدل أنيطت بها مهمة إعداد مسودة مشروع قانون معدل لقانون السلطة القضائية، واقتراح الإجراءات التي يتوجب اتخاذها لتأمين استقلال القضاء وكرامة القضاة وكفاءتهم ونزاهتهم. لكن تم وأد هذه اللجنة إثر قرار المحكمة العليا بصفتها الدستورية المنعقدة بتاريخ 27/11/2005 والتي قضت بعدم دستورية قانون السلطة القضائية رقم 15 لسنة 2005 الذي تبناه المجلس التشريعي آنذاك بناء على مقترح اللجنة التوجيهية لتطوير القضاء والعدل. 

وفي 6/9/2017 أصدر الرئيس محمود عباس مرسوما رئاسيا يقضي بتشكل اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة مهمتها مراجعة منظومة التشريعات القضائية واعداد رؤية شمولية لتطوير قطاع العدالة والقضاء، وقد حدد القرار بقانون فترة عملها بستة أشهر إلا أن مداولاتها وعملها استغرق عاما لتقديم تقريرها المتعلق بنتائج اعمالها وتوصياتها. تبنى التقرير مجموعة من التوصيات تتعلق بتعزيز استقلال القضاء، وتوسيع عضوية مجلس القضاء الأعلى، وتخفيض سن تقاعد القضاة ليصبح 65 سنة بدلاً من 70 سنة، ومعالجة الإشكاليات الفنية والمهنية المتعلقة بعمل الجهاز القضائي[10].   

أخيرا، أصدر الرئيس محمود عباس في تموز 2019 قرارين بقانون بشأن القضاء عَدَّلَ في أحدهما قانون السلطة القضائية (خفض سن تقاعد القضاة من سن السبعين إلى سن الستين)، فيما حل بالقرار الثاني مجلس القضاء، وأنشأ مجلس قضاء انتقالي لمدة عام (قابلة للتمديد لستة شهور) ومنح مجلس القضاء الانتقالي حق إعادة تشكيل هيئات المحاكم في كافة الدرجات، واعداد مشاريع القوانين اللازمة لإصلاح القضاء واستعادة ثقة المواطن به، وإعادة تشكيل مجلس القضاء الأعلى وفقا لأحكام القانون. هذان القراران قوبلا بالترحيب من بعض مؤسسات المجتمع المدني شريطة عدم تدخل السلطة التنفيذية في أعمال السلطة القضائية فيما عارضت مجموعة أخرى من مؤسسات المجتمع المدني هذين القرارين معتبرة أنهما مخالفان لأحكام القانون الأساسي وقانون السلطة القضائية، وأنهما استمرار لتغول السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.

أظهرت نتائج استطلاع الرأي العام رقم (73) الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في أيلول/ سبتمبر 2019 انقساما في رأي الجمهور حيال القرارين بقانونين المتعلقين بتعديل قانون السلطة القضائية، فقد عبر أكثر من نصف الجمهور الفلسطيني في الضفة الغربية (51%) عن رضاهم عن قراراي الرئيس بقانون بشأن القضاء. كما أظهر أن حوالي نصف الجمهور في الضفة الغربية (49%) لا يوافقون على الآراء المنتقدة لقرارات الرئيس المتعلقة بالقضاء بأن هذه القرارات ليست من صلاحيات الرئيس وأنها تشكل تدخلا من السلطة التنفيذية في شؤون القضاء مما يقلل من استقلاليته وجعله عرضة لتدخلات الحكومة وأجهزة الأمن. ويوافق 47% على الرأي القائل بأن قرارات الرئيس كانت ضرورية لأن الجهاز القضائي قد فشل في اصلاح أوضاعه وأنه لم يعد قادرا على كسب ثقة الناس به وبالتالي كان على الرئيس التدخل، فيما لا يوافق على هذا القول 37%.[11] 

 

تطوير بنية المجلس الأعلى للقضاء كضامن لحماية استقلال القضاء

تقدم هذه الورقة عدة خيارات أمام المجلس القضائي الانتقالي بعد انقضاء ستة أشهر من تعيينه لتحديد شكل المجلس القضائي الفلسطيني القادم كأحد الضمانات الرئيسية لاستقلال الجهاز القضائي الفلسطيني وهي على النحو التالي:

الخيار الاول: توسيع مجلس القضاء الأعلى وإدخال أعضاء منتخبين من هيئات قضائية محددة، حيث يتكون من اثني عشر عضوا (رئيس المحكمة العليا رئيسا، وأقدم نواب رئيس المحكمة العليا نائبا، وقاضيين من أقدم قضاة المحكمة العليا، ورؤساء محاكم استئناف القدس وغزة ورام الله، والنائب العام ووكيل وزارة العدل، والمفتش الأول، وقاضيين من محكمة البداية). هذا الخيار مقترح من قبل مجلس القضاء الانتقالي الحالي في مسودة مشروع تعديل قانون السلطة القضائية. يأخذ هذا المقترح جزئيا بانتخاب بعض أعضاء المجلس الأعلى للقضاء لكنه يُبقي على هيمنة العصبوية المهنية للقضاة مما يحول دون النظر في مساءلة القضاة من جهة، ويبقي التعارض بين مسؤوليات رئيس المحكمة العليا الإدارية وبين رئيس المجلس الأعلى للقضاء من جهة ثانية. كما يثير مسألة تضارب المصالح بالتنسيب لرئيس السلطة لتعيين رئيس المحكمة العليا وهو في نفس الوقت رئيس المجلس الأعلى للقضاء. كما لا يتيح لقضاة محاكم الاستئناف حق اختيار ممثليهم في المجلس الأعلى للقضاء في تناقض مع الحق الممنوح لقضاة المحكمة العليا وقضاة محاكم البداية.

الخيار الثاني: دمقرطة تعيين أعضاء المجلس الأعلى للقضاء، حيث يجري اختيار الأعضاء القضاة في المجلس الأعلى بالانتخاب من الهيئات القضائية بحيث تقوم الهيئة العامة لكل درجة قضائية بانتخاب ممثليها في المجلس، بالإضافة الى وجود النائب العام ووكيل وزارة العدل على غرار ما هو موجود في قانون السلطة القضائية لعام 2002 بصفتهم الوظيفية، وأن يتم انتخاب رئيس المجلس من أعضاء المجلس القضائي. هذا الخيار يتيح تمثيلا لجميع مستويات السلطة القضائية مع احترام التعددية في الجهاز القضائي، ويضمن عدم تضارب اعمال رئيس المجلس مع صلاحيات رئيس المحكمة العليا ذات الصفة الإدارية في محكمته وانشغالاته القضائية كرئيس للمحكمة العليا. في المقابل فإن هذه التشكيلة تبقي على التركيز المفرط للسلطات في هيئة قضائية واحدة، ما يثير ادعاءات متعلقة بالانحياز لأبناء المهنة "القضاة" مما يحول دون النظر في مساءلة القضاة.

الخيار الثالث: تشكيل مجلس قضائي مختلط بحيث يتكون من أعضاء قضاة (منتخبين من الهيئات القضائية في المستويات المختلفة في الجهاز القضائي)، ومن أعضاء غير قضاة (محامين وأساتذة القانون والحقوقيين وأعضاء نقابة المحامين وشخصيات عامة من ذوي السمعة والخبرة المشهود بهما دون أن يكونوا من الناشطين السياسيين أو العاملين في السلطتين التنفيذية والتشريعية) بشكل متوازن على أن يتم اختيار رئيس المجلس من قبل أعضاء المجلس الأعلى للقضاء أنفسهم، وتحديد مدة زمنية لعضوية المجلس. أوصت اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة ومراجعة التشريعات القضائية بإدخال شخصيات عامة من خارج السلطة القضائية والسلطة التنفيذية كما طالبت مؤسسات المجتمع المدني برؤيتها الشاملة بإدخال شخصيات من خارج الجهاز القضائي. تفيد التجارب الدولية بعدم وجود نموذج موحد لإنشاء المجلس القضائي ما دام تكوينه يضمن استقلاله ويمكنه من الاضطلاع بمهامه بصورة فعالة، بيد أنه يوجد ميل على المستوى العالمي إلى أن يكون المجلس القضائي ذو تكوين مختلط تكون أغلبية أعضائه قضاة منتخبين من اقرانهم.[12]

إن أحد مساوئ هذا الخيار أنه قد يمنح إمكانية تدخل سياسي في اختيار بعض الأشخاص من الكفاءات أو الأعضاء من غير القضاة في ظل التركيبة المجتمعية وحالة التجاذب السياسي في البلادـ. لكن في المقابل فإن هذا الخيار يقيم توازنا عادلا بين الحاجة إلى تحصين القضاء من الضغوط الخارجية والحاجة إلى تجنب الآثار السلبية للعصبية المهنية داخل الجهاز القضائي. كما يتيح ضم مهنيين من مجالات أخرى غير القانون (مثل الخبراء في مجالات الإدارة أو الشؤون المالية أو العلوم الاجتماعية) في عضوية المجلس بما ينسجم مع التوجه نحو إضفاء الصبغة القضائية على مجالات اجتماعية واسعة. كما أن هذا الخيار يتيح تمثيلا لجميع مستويات السلطة القضائية مع احترام التعددية في الجهاز القضائي، ويضمن عدم تضارب اعمال رئيس المجلس مع صلاحيات رئيس المحكمة العليا الإدارية في محكمته وانشغالاته القضائية كرئيس للمحكمة العليا. ومن شأن التكوين المختلط تجنب تصور وجود المصلحة الذاتية والحماية الذاتية والمحسوبية. 

 

الخلاصة:

إن خيار تشكيل مجلس قضائي مختلط، كما جاء في الخيار الثالث أعلاه، يمنح مشروعية أكبر للمجلس القضائي ويحول دون التركيز المفرط للسلطات في هيئة قضائية واحدة، وتجنب اثارة ادعاءات متعلقة بالعصبوية المهنية للقضاة وضمان اتباع إجراءات تأديبية عادلة، كما يتيح تيسير الرقابة الديمقراطية على جودة وحيادية تطبيق العدالة، ويعكس وجهات النظر المختلفة داخل المجتمع. ومع ذلك، فإن هذا ليس كافيا لحماية استقلال القضاء حيث أن هناك حاجة لخطوات إضافية:    

أولا: تجريم التدخل في شؤون القضاء وتفعيل النصوص الدستورية والقانونية المتعلقة بذلك.

ثانيا: أن يتم اختيار أعضاء المجلس القضائي بطريقة علنية وشفافة من أجل القضاء على مخاطر التدخل السياسي واستيلاء قوى الامر الواقع على هذه العملية، ومنع ظهور ادعاءات العصبة المهنية.

ثالثا: ينبغي اتخاذ تدابير مناسبة لضمان مراعاة منظور النوع الاجتماعي في تكوين المجلس لتشجيع المساواة بين الرجل والمرأة داخل الهيئات القضائية.

رابعا: ينبغي أن يعهد لمؤسسات غير سياسية بانتخاب الأعضاء غير القضاة في المجلس. ومنع تدخل السلطة التنفيذية في اختيار هؤلاء الأعضاء أو تعيينهم في حال الأخذ بالخيار الثالث أعلاه.

خامسا: على السلطة التنفيذية تزويد المجلس الأعلى للقضاء بالموارد البشرية والمادية الكافية ليتمكن الجهاز القضائي من القيام بمهامه.

 

[1]  انظر: رؤية شاملة لإصلاح منظومة العدالة وتوحيدها في فلسطين مقدمة من الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان "ديوان المظالم" والائتلاف الأهلي لاستقلال القضاء وحمايته

 http://istiqlal.ps/?q=node/133

[2]  انظر: تصريحات المستشار سامي صرصور على موقع وكالة وطن للأنباء https://www.wattan.tv/ar/news/189737.html

[3]  مقابلة إذاعية مع القاضي عبد الله غزلان على راديو 24FM   - 19\2\2018 https://www.youtube.com/watch?v=Bgdze0t-1vY&feature=youtu.be

[4]  انظر: رؤية شاملة لإصلاح منظومة العدالة وتوحيدها في فلسطين، مصدر سابق.

 

[5]  تم عرض هذا الحكم في جلسة استماع عقدتها الهيئة الاهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون بتاريخ 15/1/2017. http://www.alquds.com/articles/1484587424499930000/

[7]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. استطلاع الرأي العم رقم (73) أيلول 2019، مصدر سابق.

[8]  المركز الفلسطيني لاستقلال المحاماة والقضاء "مساواة". المرصد القانوني الخامس، 2018، ص 129.

[9]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. مقياس قطاع الأمن العربي الثاني، تقرير فلسطين، 2016، http://www.pcpsr.org/ar/node/616

[10]  تقرير اللجنة الوطنية لتطوير قطاع العدالة ومراجعة منظومة التشريعات القضائية، أيلول 2018. موقع الهيئة الأهلية لاستقلال القضاء وسيادة القانون – استقلال http://www.istiqlal.ps/?q=node/139

[11]  المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. استطلاع الرأي العم رقم (73) أيلول 2019، http://www.pcpsr.org/sites/default/files/Poll-73-Arabic-Full%20Text1.pdf

[12]  انظر: الجمعية العامة للأمم المتحدة، تقرير المقرر الخاص المعني باستقلال القضاة والمحامين رقم A/HRC/38/38 بتاريخ 2 أيار/ ماي 2018، مجلس حقوق الانسان الدورة الثامنة والثلاثين، ص21. https://undocs.org/pdf?symbol=ar/A/HRC/38/38