آيار (مايو) 2024 

احتمالات توسع حرب غزة إلى حرب إقليمية وتبعات ذلك على السلطة الفلسطينية والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي
خليل الشقاقي

 

ليس من المبالغة القول إن أصداء السابع من أكتوبر قد ترددت في منطقة الشرق الأوسط وخارجها بطرق لم تفعلها أي مواجهة فلسطينية إسرائيلية سابقة في العقدين الماضيين. ويكاد يكون من المؤكد أن تلك الحرب ستحدد الطريقة التي سيُكتب بها تاريخ الصراع في هذا العقد وربما في العقود المقبلة. علاوة على ذلك، قد تكون هذه اللحظة نقطة حاسمة لفهمنا لما تعنيه مبادئ وقيم حقوق الإنسان والقانون الدولي وحرية التعبير. يمكننا بالفعل أن نرى بعض الهزات الارتدادية الحالية التي لا تؤثر على البيئة الفلسطينية والإسرائيلية المحلية فحسب، بل تؤثر أيضا على الطريقة التي يتفاعل بها المجتمع الدولي والرأي العام العالمي مع الصراع، فضلا عن الديناميات الإقليمية وتوازن القوى.

تسعى ورقة التحليل السياساتي هذه إلى وصف وتحليل الديناميات الإقليمية التي تتمثل في المواجهة المسلحة المباشرة غير المسبوقة في نيسان/أبريل 2024 بين إيران وإسرائيل التي تمثل أعلى مستوى من المخاطرة التي قد تكون حرب غزة قد انتجتها لدي صانعي القرار في البلدين منذ بدء الصراع بين البلدين. رغم الهدوء الظاهر الحالي في الصراع بين إيران وإسرائيل فإن تطورات الحرب في غزة وعلى الجبهة اللبنانية بين إسرائيل وحزب الله قد تزيد من فرص العودة لتصعيد مماثل قد يستمر في الارتفاع مهددا بزعزعة الاستقرار في المنطقة كلها، بل ومهددا بحرب إقليمية واسعة. إن احتمالات هذا التوسع والتداعيات المحتملة على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي هي موضوع هذه الورقة. هل تغيرت قواعد اللعبة بين إيران وإسرائيل؟ وإذا كان الأمر كذلك، كيف سيؤثر ذلك على الديناميات العربية الإسرائيلية والفلسطينية-الإسرائيلية، وعلى عملية التطبيع، وعملية السلام، والتنسيق الأمني والمدني الفلسطيني-الإسرائيلي، وعلى مستقبل السلطة الفلسطينية وقدرة الفلسطينيين على ضمان احتياجاتهم الأساسية الآن؛ وكيف ينبغي أن يستعد الفلسطينيون لليوم التالي للحرب ولمواجهة هذا التحدي.

 

خلفية:

إن الهجوم الذي نفذته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر هو تطور لم يسبق له مثيل في كافة مراحل الصراع الفلسطيني-اليهودي والفلسطيني-الإسرائيلي على مدى السنوات ال 120 الماضية. كان ذلك اليوم مميزا من نواح كثيرة. فقد أظهر الهجوم قدرة مجموعة فلسطينية مسلحة على تنفيذ مناورة عسكرية مدمرة واسعة النطاق على قواعد عسكرية إسرائيلية محصنة، واحتلال جميع البلدات الإسرائيلية المتاخمة لكامل الحدود مع قطاع غزة بسهولة، على الأقل ليوم واحد، وأخذ حوالي 250 جندي ورهينة مدنية أسرى حرب، بينما قُتل 1200 جندي ومدني. غني عن القول إن حجم القتلى والدمار المدنيين لم يسبق له مثيل، حيث قتل مئات الإسرائيليين وعشرات الآلاف من المدنيين الفلسطينيين، ودُمر ما يقرب من 70٪ من المنازل والمصانع والمزارع والمباني العامة والبنية التحتية المدنية في غزة. كما أن مدى وحجم الفظائع التي ارتكبت في انتهاك للقانون الدولي لم يسبق لهما مثيل من قبل.

كما أن التداعيات المحلية والإقليمية والدولية على الفلسطينيين والإسرائيليين لم يسبق لها مثيل. على الصعيد المحلي، فقدت السلطة الفلسطينية كل الدعم والمصداقية تقريبا في نظر شعبها.[1] إن نسبة تأييد نقل السيطرة على قطاع غزة بعد الحرب للسلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس لا تتجاوز 11٪ فيما تؤيد نسبة من 59٪ عودة السيطرة لحركة حماس.[2] بمعنى آخر، لو كان الخيار بين السلطة الفلسطينية بقيادة الرئيس عباس وحماس، فإن أغلبية الجمهور، بما في ذلك عدد كبير من المعارضين لحماس، تفضل تلك الحركة على السلطة الفلسطينية. أما في إسرائيل، فإن المستقبل السياسي لرئيس الوزراء الأطول خدمة، والمسؤول الأكبر عن الجمود في عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية، أصبح مهددا، إن لم يكن مدمرا تماما. إن استقالة كبار المسؤولين في الجيش الإسرائيلي، بينما الحرب مستمرة، هي مؤشر على عمق الشرخ داخل المؤسسات السياسية والأمنية الإسرائيلية ومؤشر واضح على حرص شعبي إسرائيلي كبير على المساءلة والمحاسبة على الفشل الكبير في السابع من أكتوبر.

يظهر الرأي العام الفلسطيني والإسرائيلي قدرا كبيرا من انعدم الثقة ببعضهما البعض، بل يصل الأمر لحد التجريد من الإنسانية. مع ذلك فإن نتائج استطلاعات الرأي العام في قطاع غزة تضيف جانبا مهما في توضيح ديناميكيات حل الصراع. ففي حين يعبر ثلثا سكان الضفة الغربية واليهود الإسرائيليون عن معارضة حل الدولتين،[3] تظهر النتائج الواردة في استطلاع المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في آذار (مارس) 2024 أن نسبة تأييد سكان قطاع غزة لهذا الحل قد ارتفعت من 35٪ إلى 62٪ خلال ستة أشهر، أي بزيادة كبيرة بلغت 27 نقطة مئوية.[4] إن مغزى ذلك واضح: عندما واجه فلسطينيو القطاع تهديدا وجوديا حقيقيا بالطرد أو الإبادة الجماعية، لجأوا لحل الدولتين كمخلص. لا شيء يبين حيوية ذلك الحل وإسهامه في الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي أفضل من هذه النتيجة.

أما على المستوى الإقليمي، فقد توسع الدور والنفوذ الإيرانيان بشكل كبير، وأصبح خطر نشوب حرب إقليمية أكثر واقعية من أي وقت مضى، على الأقل منذ نهاية الغزو الأمريكي للعراق عام 2003. تشارك الجهات الفاعلة الموالية لإيران، في ثلاث دول عربية، اليمن والعراق ولبنان، في النزاع المسلح مع إسرائيل تضامنا مع حماس والفلسطينيين. أدى منع اليمن للحركة الملاحية الاعتيادية في البحر الأحمر لتدخل عسكري مباشر من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة ضد أهداف داخل ذلك البلد العربي.

ينظر المجتمع الدولي للقضية الفلسطينية الآن على أنها ذات أهمية بالغة للاستقرار الإقليمي، وأصبح البحث عن حل للصراع الفلسطيني الإسرائيلي أكثر إلحاحا مما كان عليه منذ عام 2014، وقد يكون تبني المجتمع الدولي لحل الدولتين أكثر أهمية اليوم مما كان عليه في الماضي.  فمثلا، قدمت الولايات المتحدة للأطراف المعنية رؤيتها الخاصة لإنهاء الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي برمته وهي رؤية تجمع بين خطط لإنهاء الحرب، وإعادة بناء السلطة الفلسطينية، وترتيبات لليوم التالي للحرب في سياق حل الدولتين، وتطبيع للعلاقات العربية-الإسرائيلية.[5] كما تناقش دول في أوروبا، مثل إسبانيا وإيرلندا وغيرها، إمكانية الاعتراف بالدولة الفلسطينية. وترى محكمة العدل الدولية أنه من المناسب والملح النظر في الاتهامات بأن إسرائيل ترتكب إبادة جماعية ضد الفلسطينيين في قطاع غزة. وتدرس محكمة الجنائية الدولية إصدار مذكرات اعتقال ضد قادة إسرائيليين سياسيين وعسكريين كبار.[6] كما تفرض الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد الأوروبي عقوبات على المستوطنين العنيفين والكيانات التي تدعمهم ماليا. وعلاوة على ذلك، فإن الرأي العام الدولي يتحول ضد إسرائيل بطريقة غير مسبوقة. تظهر استطلاعات الرأي العام الدولية أن إسرائيل تفقد الدعم، وخاصة بين الشباب، في جميع دول العالم تقريبا، بما في ذلك الولايات المتحدة وألمانيا والمملكة المتحدة، مع تداعيات محلية كبيرة في العديد من هذه البلدان.[7] يمكن رؤية أحدث مظاهر هذا التطور في الجامعات الأمريكية حيث يجبر الطلاب أنظمتهم السياسية على إعادة تعريف معنى حرية التعبير في الكليات الأمريكية بل وفي البلاد بأكملها.

 

تغيير قواعد اللعبة-إيران وإسرائيل في صدام عسكري مباشر

كان أحد أحدث الأصداء التي أثرت على المنطقة، والتي من المحتمل أن تكون ذات القدرة الارتدادية الأعظم، هو توسع حرب غزة لتشمل إيران. ربما كان القصف الإسرائيلي لمبنى القنصلية الإيرانية ومقتل قائد عسكري إيراني كبير في 1 نيسان/أبريل قد أطلق مرحلة جديدة في صراع إقليمي موسع. بضربة واحدة، ربما عن غير قصد، ساعدت إسرائيل في تحويل المواجهة بينها وبين إيران من مواجهة يخوضها وكلاء محليون إلى صراع مباشر بين الدول. لا شيء يظهر خطورة هذا التطور أفضل من منظر مئات الطائرات الإيرانية بدون طيار وصواريخ كروز والصواريخ الباليستية التي تعبر إيران والعراق والأردن في طريقها إلى أهداف داخل إسرائيل في 13 نيسان/أبريل. رغم أنه قد تم اعتراض الغالبية العظمى من هذه القذائف بنجاح من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وبمساعدة من العديد من الدول العربية، فقد تم إيصال الرسالة الإيرانية إلى إسرائيل والولايات المتحدة والعديد من دول الخليج والعربية بصوت عال وواضح.

إن التهديد المحتمل للقواعد الأمريكية الأكثر تعرضا للإصابة المباشرة والدول العربية التي تستضيفها، كونها أكثر مجاورة لإيران، هو أكثر فتكا بكثير من التهديد لإسرائيل. كان نجاح الإدارة الأمريكية وحلفائها في اعتراض الهجوم الإيراني، واحتواء الرد الإسرائيلي على ذلك الهجوم، حاسما في منع هذه الجولة من التصعيد من التحول إلى صراع مسلح أكبر وأكثر تدميرا. ومع ذلك، فإن هذا الحادث يثير العديد من الأسئلة حول الحسابات الإسرائيلية والإيرانية واحتمالات سوء التقدير.

لماذا حدث ذلك التصعيد في المقام الأول؟  أي لماذا هاجمت إسرائيل القنصلية الإيرانية في دمشق وبالتالي غيرت قواعد اللعبة في الحرب ذات المستوى المنخفض التي تشنها ضد إيران. قد يكون لنتنياهو مصلحة في تحويل الانتباه بعيدا عن الفظائع التي تُرتكب في قطاع غزة. كما أن إدخال إيران إلى الصورة يعطي إسرائيل فرصة لصرف الانتباه عن الكارثة الإنسانية التي كانت تتكشف لأن إسرائيل كانت تقيد تقديم الخدمات الإنسانية، باستخدام التجويع كأداة للحرب، لا سيما في أعقاب مقتل سبعة من موظفي المطبخ المركزي العالمي الذين كانوا يقدمون المساعدات الإنسانية للسكان في شمال غزة.

ومع ذلك، فإن التقارير التي تفيد بأن الهجوم الإسرائيلي كان خطأً خطيراً في التقدير من قبل المخابرات العسكرية الإسرائيلية، وليس استفزازا متعمدا من قبل القادة الإسرائيليين، ينبغي أيضا أن تؤخذ على محمل الجد.[8] يرى هذا التحليل أن المخابرات الإسرائيلية لم تتوقع الرد الإيراني وافترضت أن إيران ستواصل سياستها السابقة في الرد الانتقامي غير المباشر. ويرى أيضا أنه لو كان متوقعا أن إيران ستتصرف بشكل مختلف، لما هاجمت إسرائيل، وذلك للاعتبارات التالية: بعد ستة أشهر من الحرب، لم تتمكن إسرائيل بعد من هزيمة حماس أو منعها من حكم قطاع غزة؛ ولم تؤمِّن إطلاق سراح جميع الرهائن وأسرى الحرب الإسرائيليين؛ ولم تنجح في استعادة الردع مع حزب الله أو منعه من مهاجمة شمال إسرائيل؛ كما لم يتم بعد احتواء التهديد للشحن البحري في البحر الأحمر. كانت الضفة الغربية، ولا تزال، تغلي، بل إنها تهدد بالانفجار في أي لحظة. لماذا، بالنظر إلى كل ذلك، يتساءل هذا التحليل، ستسعى إسرائيل إلى التصعيد من خلال جر إيران لهجوم مباشر عليها؟

بغض النظر عن الدافع الإسرائيلي وراء استهداف القنصلية الإيرانية، فإن السؤال حول السلوك الإيراني في 13 نيسان/أبريل أكثر أهمية. لماذا ردت إيران بالانتقام المباشر هذه المرة بينما لم تفعل ذلك في الماضي؟ بعد أكثر من عقد من الهجمات الإسرائيلية ضد إيران في سوريا وبعضها داخل إيران نفسها، تصرفت إيران الحذرة، التي تحسب خطواتها بدقة وتأن، بطريقة غير مسبوقة، بل وحتى تاريخية، من خلال مهاجمة إسرائيل مباشرة من أراضيها بدلا من استخدام وكلائها. قد يجادل المرء بأنه كما غيرت إسرائيل قواعد اللعبة، فعلت إيران الأمر ذاته. كان الهجوم الإسرائيلي في 1 نيسان/أبريل، في هذا التحليل، بمثابة نقطة تحول حاسمة. المشكلة في هذا التحليل هو أنه يتجاهل حقيقة أن إسرائيل هاجمت إيران في أراضيها عدة مرات في الماضي من خلال اغتيال علمائها النوويين وقادتها العسكريين وسرقة الوثائق المتعلقة ببرنامجها النووي.

يبدو ان هناك تفسير أكثر ترجيحا يربط التغيير في السلوك الإيراني بالديناميكيات التي أطلقتها حرب غزة. ربما كان في السابع من أكتوبر وقدرة حماس على الصمود لستة أشهر أمام واحد من أقوى جيوش العالم محفزا قويا لإيران، تماما كما مكَّن وقوَّى حلفاءها في لبنان واليمن والعراق. إذا كان الجيش الإسرائيلي غير قادر على هزيمة عدوه الأضعف، حماس، في غضون ستة أشهر، فقد لا تمتلك إسرائيل الإرادة للدخول في حرب مباشرة مع إيران أو المخاطرة بفتح جبهة أخرى، هذه المرة مع أقوى خصومها. يمكن للمراقب أن يضيف أن إيران، التي ترغب بالتأكيد في الحفاظ على مكانتها بين حلفائها، بل وفي المنطقة، قد وجدت صعوبة في النأي بنفسها بعيدا عن الصراع بينما ينخرط كافة حلفائها في القتال بتشجيع ودعم كاملين منها.

ومع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن الرد الانتقامي الإيراني، على الرغم من أنه يبدو هائلا في الكم وقوة النيران، كان في الواقع مصمما إلى حد كبير لإيقاع قدر محدود من الأذى بإسرائيل، مما يشير إلى رغبتها في تجنب المزيد من التصعيد. كان لدى إسرائيل وحلفائها متسع من الوقت لإعداد واعتراض الطائرات بدون طيار والصواريخ القادمة التي تحتاج إلى السفر لأكثر من 1000 كيلومتر. ربما لم تكن الرسالة الإيرانية موجهة للإسرائيليين فحسب، بل أيضا للولايات المتحدة وحلفائها: فالقرب الجغرافي يجعل القواعد الأمريكية والأهداف الأخرى القريبة من إيران أكثر عرضة للتدمير باستخدام تلك القدرات العسكرية الإيرانية. في رسالتها لإسرائيل، ربما كان المغزى هو إظهار العزم السياسي وليس القدرة العسكرية. قبل ساعات من الرد الإسرائيلي على هجومها المباشر، أوضحت إيران ما بدا وكأنه سياسة جديدة: "في حال شرع النظام الإسرائيلي في المغامرة مرة أخرى واتخذ إجراءات ضد مصالح إيران، فإن الرد التالي منا سيكون فوريا وعلى أقصى مستوى".[9] يبدو أن إيران تريد أن تقول لإسرائيل إن قواعد اللعبة قد تغيرت: أي هجمات مستقبلية ضد الأهداف الإيرانية، بغض النظر عن مكان الاستهداف، ستُقابل برد انتقامي إيراني مباشر.

في 19 نيسان/أبريل، ردت إسرائيل على الهجوم الإيراني بتنفيذ ضربة عسكرية واحدة محدودة بالقرب من مدينة أصفهان، في عمق الأراضي الإيرانية. إن الطبيعة المحدودة للرد الإسرائيلي، وهو على الأرجح نتاج لتحذيرات ونصائح من قبل الولايات المتحدة، تعكس الفهم الإسرائيلي للرسالة الإيرانية. بالنسبة للرد الإسرائيلي، لم تكن إسرائيل بحاجة لتوجيه رسالة عزم سياسي؛ فقد كان ذلك أمراً مفروغاً منه، حيث هاجمت إسرائيل إيران مرارا في الماضي. بدلا من ذلك، ربما أرادت إسرائيل أن تبعث برسالة توضيحية لقدرتها العسكرية تقول فيها أن بإمكانها اختراق ومهاجمة أهداف حساسة في عمق إيران دون قدرة من إيران على اعتراضها؛ ببساطة، لا يمكن لإيران أن تفوز في صراع عسكري مباشر مع إسرائيل. ربما تأمل إسرائيل أن تفهم إيران الرسالة وألا تسعى في المستقبل إلى الانتقام، بطريقة مماثلة لتلك التي حدثت في 13 أبريل. في هذا الصدد، ربما تريد إسرائيل أيضا أن توضح لإيران نيتها مواصلة "حرب الظل" عند الضرورة، وأن الهجوم الإيراني المباشر لا يردعها عن القيام بذلك. إن الرد الإيراني الباهت على ذلك الهجوم الإسرائيلي بالقرب من أصفهان، والذي لم توجه فيه إيران أصابع الاتهام لإسرائيل، قد يشجع إسرائيل على الاعتقاد بأن قواعد اللعبة قد عادت الآن إلى وضعها السابق، وهنا قد يكمن مصدر سوء التقدير التالي.

 

تبعات المواجهة العسكرية الإيرانية-الإسرائيلية على فلسطين والصراع الفلسطيني-الإسرائيلي

في تبادل الرسائل هذا بين الدولتين تكمن أكبر المخاطر المباشرة على المنطقة. إذا كانت إيران قد شرعت بالفعل في سياسة جديدة (للرد المباشر) بينما تعتقد إسرائيل أن قواعد اللعبة لم تتغير (أي استمرار الحرب عبر الوكلاء)، فإن التهديد بتصعيد غير مقصود لا يزال قائما، تماما كما كان في أعقاب الهجوم الإسرائيلي على مبنى القنصلية الإيرانية في دمشق. هل ستوقف إسرائيل الآن أو تواصل هجماتها على أهداف إيرانية في سوريا وأماكن أخرى؟ هل سترد إيران مباشرة على إسرائيل إذا شنت إسرائيل مثل هذه الهجمات؟ الإجابات على هذه الأسئلة غير معروفة حاليا. وبسبب ذلك، لا يمكن استبعاد احتمال حدوث تصعيد دراماتيكي. لذلك يجب عدم استبعاد الحرب الإقليمية. إذا كان الأمر كذلك، فما هي الآثار المترتبة على الفلسطينيين في صراعهم مع إسرائيل؟

يمكن للمراقب أن يتخيل ثلاثة سيناريوهات محتملة لتصعيد مسلح إقليمي. مواجهة مسلحة إيرانية-إسرائيلية مباشرة منخفضة الحدة تقتصر على تبادل الصواريخ دون تصعيد إلى حرب شاملة هي السيناريو الأول. وقد يقتصر دور الولايات المتحدة وحلفائها والعرب على القيام بأعمال دفاعية مشابهة لتلك التي قاموا بها في نيسان/أبريل. يظهر سلوك إيران وإسرائيل في أبريل، اللذان تأثرا بالطبع إلى حد كبير بالضغوط الأمريكية، أنه من غير المرجح أن تسعى الدولتان عمدا إلى التصعيد.

ربما يكون تأثير هذا السيناريو على الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي محدودا. رغم أنه من المرجح أن تنأى السلطة الفلسطينية بنفسها بعيدا عن هذا الصراع الإقليمي وأن تضع نفسها على الهامش، فإن من المرجح أن تستمر العلاقات الإسرائيلية-الفلسطينية في التدهور. إقليميا، قد يتم تأجيل الجهود العربية الإسرائيلية لتطبيع العلاقات، لكن من المرجح أن يزداد التنسيق الأمني الإقليمي برعاية الولايات المتحدة. من وراء الكواليس قد يبدو أن عملية السلام الفلسطينية الإسرائيلية تكتسب بعض الزخم، وذلك من أجل تبرير التعاون العربي مع الولايات المتحدة وإسرائيل. في السياق ذاته، من غير المرجح أن يتأثر التنسيق المدني والأمني الفلسطيني-الإسرائيلي، ومن غير المرجح أن تضع اسرائيل قيودا إضافية أمام حصول الفلسطينيين على الاحتياجات الأساسية وغيرها من الضروريات. لكن من المرجح أن يزداد استياء الجمهور الفلسطيني وربما غضبه من السلطة الفلسطينية. ومع ذلك، من المرجح أن تكون السلطة الفلسطينية قادرة على إدارة تحدياتها الداخلية المتنامية من دون إثارة رد فعل شعبي فلسطيني عنيف.

أما في السيناريو الثاني، فمن المرجح أن تتوسع المواجهة الإقليمية المسلحة لتشمل هجمات متبادلة على مجموعة واسعة من الأهداف العسكرية وأهداف البنية التحتية، وقد تتسبب في مقتل عدد كبير من المدنيين. إن قدرة إسرائيل على إلحاق أضرار جسيمة بإيران وعدم قدرة الهجمات الإيرانية الانتقامية على إلحاق أضرار واسعة النطاق بإسرائيل، بسبب اعتراض الولايات المتحدة وحلفائها للطائرات الإيرانية المسيرة والصواريخ، قد تدفع إيران إلى توسيع نطاق مسرح الحرب ليشمل القواعد الأمريكية في بلدان عربية مجاورة بالإضافة لأهداف عسكرية عربية تتهمها إيران بالمساهمة في حماية أمن إسرائيل، بل وربما حقولا للنفط والغاز والبنية التحتية ذات الصلة بالمجهود الحربي. سيغير هذا التطور على الفور من موقف الولايات المتحدة ليحوله من الدفاع إلى الهجوم. قد ترد إيران بتشجيع الحلفاء المحليين في الدول العربية على الانضمام إلى الحرب على أمل زعزعة استقرار الأنظمة العربية في منطقة الخليج بأكملها وكذلك في الأردن. وقد ينقلب الرأي العام في بعض هذه البلدان ضد حكامها ويساهم في زيادة زعزعة الاستقرار.

من المرجح في هذا السيناريو الثاني أن يتوقف التطبيع العربي مع إسرائيل. كذلك، من المرجح أن يتوقف الحديث عن إحياء عملية السلام الفلسطينية-الإسرائيلية. سيواجه التنسيق الأمني والمدني بين السلطة الفلسطينية وإسرائيل قيودا إضافية، ولكن من غير المرجح أن يتوقف تماما. ومن المحتمل أن تقيد اسرائيل قدرة الفلسطينيين على الحصول على الاحتياجات الأساسية التي قد تشهد انقطاعات متفاوتة حتى داخل إسرائيل، ولكن من غير المرجح أن يتوقف ذلك تماما. أما المشهد الفلسطيني الداخلي فمن المرجح أن يشهد زعزعة كبيرة للاستقرار الاقتصادي والسياسي والأمني، مما قد يؤدي إلى ضعف متزايد في قدرات السلطة الفلسطينية، وتوسع الجماعات المسلحة الحالية وظهورها في مناطق جديدة، وحصول المزيد من المواجهات المسلحة بين هذه الجماعات المسلحة والمستوطنين والجيش الإسرائيليين. وقد تزداد فرص وقوع مواجهات عنفية غير مخطط لها بين أجهزة الأمن الفلسطينية والجماعات المسلحة المحلية. إن قدرة قيادة السلطة الفلسطينية على البقاء في ظل هذه التطورات الدراماتيكية غير مؤكدة. ولكن حتى في هذا السيناريو، فإن احتمال اندلاع انتفاضة فلسطينية ثالثة ليس مرتفعا جدا طالما بقيت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية متماسكة. ومع ذلك، ستستمر الضفة الغربية في الغليان، ومن المرجح أن يتوسع عنف المستوطنين بشكل كبير، وستواصل حماس جهودها لإعادة تأسيس جناحها المسلح في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، ستجد حماس أن انشغال إسرائيل بجبهات جديدة يسهل عليها إعادة بناء جناحها المسلح وإعادة تأسيس إدارتها الحاكمة.

في السيناريو الثالث، وهو السيناريو الأصعب والأخطر، قد تتسلل القوات الإيرانية إلى الدول المجاورة، مثل البحرين والمملكة العربية السعودية، لدعم الجماعات الشيعية (ضد حملات القمع المحتملة التي قد تتعرض لها من قبل حكوماتها) وقد تشجع إيران جماعات مسلحة محلية على التسلل إلى الأردن، الذي قد ينظر إليه على أنه حليف للولايات المتحدة وإسرائيل. كذلك قد تسعى جماعات مسلحة من لبنان وسوريا والعراق، على ضوء هذا التشجيع الإيراني، إلى التسلل لإسرائيل والأردن على أمل إضفاء بعد هجومي بري على الصراع ونقل القتال مباشرة إلى الضفة الغربية والأراضي الإسرائيلية. في هذه الحالة، من المرجح أن تغزو القوات البرية الإسرائيلية الأراضي اللبنانية والسورية، وقد تهاجم أهدافا معادية لها في الأردن والعراق. ومن المرجح أن تجد الولايات المتحدة نفسها تقاتل إلى جانب إسرائيل دفاعيا وهجوميا.

من المرجح أن يؤدي توسع الحرب الإقليمية، بالشكل الوارد في هذا السيناريو الثالث، إلى إنهاء التطبيع العربي مع إسرائيل وكل الحديث عن السلام الفلسطيني الإسرائيلي. ومن المرجح أن يتوقف التنسيق الأمني والمدني الفلسطيني مع إسرائيل، على الأقل مؤقتا، ومن المحتمل أن تنقطع تماما تقريبا إمكانية وصول الفلسطينيين إلى الاحتياجات الأساسية وغيرها من الضروريات التي توفرها إسرائيل عادة، كالكهرباء والمياه والوقود بأنواعه. ومن المرجح أيضا أن يؤدي توسيع الحرب في هذا السيناريو إلى انهيار مؤكد للسلطة الفلسطينية ورحيل القيادة الحالية للرئيس عباس ونخبته الحاكمة، الذين ترفضهم حاليا الأغلبية الساحقة من الجمهور الفلسطيني.  ومن المرجح أن تندلع انتفاضة ثالثة مع انضمام أفراد من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية إلى الجماعات المسلحة. وقد تعيد حركة فتح إحياء ذراعها المسلح، كتائب الأقصى، في حين قد تنجح حماس أخيرا في إعادة بناء جناحها المسلح في الضفة الغربية.  أما في قطاع غزة فمن المؤكد أن تعيد حماس بناء قواتها المسلحة مستفيدة من تواجد دفاعي ضئيل للجيش الإسرائيلي في تلك المنطقة نظرا لانشغاله بالقتال على جبهات متعددة. أخرى.

 

مواجهة نقاط ضعفها: ثلاث خطوات يجب على السلطة الفلسطينية اتخاذها فورا

على الرغم من الهزات الارتدادية العديدة التي أثارتها حرب غزة، ظلت السلطة الفلسطينية غير متأثرة نسبيا، وجالسة بشكل أساسي على الهامش، في انتظار نتيجة تلك الحرب. يشهد هذا الشلل على مدى هامشية السلطة الفلسطينية وافتقارها إلى القيادة والمبادرة في وقت يواجه فيه الفلسطينيون أخطر تهديد وجودي لهم منذ عام 1967. تضيف هذه الحقيقة الصادمة الكثير من الصعوبات في وجه أي محاولة للتعامل مع التحديات التي يواجهها الفلسطينيون وهم مقبلون على تحديات "اليوم التالي" واحتمالات نشوب حرب إقليمية.

تعمل السلطة الفلسطينية اليوم في ظل ثلاث نقاط ضعف هائلة تحد من قدرتها على مواجهة التحديات الحالية والمستقبلية المحتملة: فقدان الشرعية، الانقسام، وانعدام الكفاءة. لمواجهة التحديات الحالية، وتلك المرتبطة ب"اليوم التالي"، ولكي تكون في وضع يمكنها من التخفيف من بعض عواقب الحرب الإقليمية، يجب على السلطة الفلسطينية أن تواجه وتعالج على الفور نقاط الضعف هذه.

إجراء انتخابات عامة في أقرب وقت ممكن: لعل أكثر نقاط الضعف ضررا يكمن في افتقار السلطة الفلسطينية للشرعية في نظر الغالبية العظمى من شعبها وافتقار قيادتها للمصداقية، ليس فقط بين الفلسطينيين ولكن أيضا بين بعض الآخرين، إن لم يكن جميعهم. هذا الافتقار إلى الشرعية هو النتيجة المباشرة لعدم إجراء انتخابات وطنية دورية ولوجود فجوة هائلة بين مواقف وتطلعات الشعب الفلسطيني وتلك التي تؤمن بها قيادة السلطة وتمارسها. يؤثر انعدام الشرعية على مكانة القوى السياسية المختلفة في الحياة السياسية الفلسطينية. فمثلا، لو كان الخيار اليوم لدى الجمهور الفلسطيني هو بين حماس والسلطة الفلسطينية، فإن الجمهور لا يتردد في تفضيل حماس على فتح والسلطة الفلسطينية من حيث فرض السيطرة المستقبلية على قطاع غزة. وردا على سؤال في آذار (مارس) 2024 عن المجموعة الأكثر استحقاقا لتمثيل وقيادة الشعب الفلسطيني، فتح بقيادة الرئيس عباس أو حماس، اختار حوالي نصف الجمهور حماس واختار 17٪ فقط حركة فتح.  فقط من خلال وضع نفسها فورا على طريق الانتخابات البرلمانية والرئاسية يمكن للسلطة الفلسطينية أن تتمكن من النجاة من التحديات الحالية والوشيكة.  إن استمرار الحرب اليوم هي العائق المشروع الوحيد أمام تأجيل الانتخابات. لذلك ينبغي على السلطة الفلسطينية أن تخطط لإجراء انتخابات عامة في غضون 6 إلى 12 شهرا من اليوم. وينبغي لها أن تفعل ذلك دون تحفظات أو شروط مسبقة. إذا وجدت قيادة السلطة الفلسطينية أنها غير قادرة على إجراء مثل هذه الانتخابات، فإن عليها أن تتنحى على الفور. بدون انتخابات، ليس للسلطة الفلسطينية مستقبل، وسيتعامل التاريخ بقسوة شديدة مع قيادتها الحالية ونخبتها الحاكمة.

إعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة بإجراء مصالحة داخلية: الانقسام الفلسطيني هو نقطة الضعف الثانية للسلطة الفلسطينية. إن فشل هذه السلطة في تحقيق المصالحة مع حماس وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة خلال السنوات ال 17 الماضية زاد من حدة الاستقطاب السياسي الفلسطيني وعاد الآن ليهدد هذه السلطة في لحظة يبدو فيها الخطر على المستقبل الفلسطيني هو الأشد. يجب أن تمضي عملية إعادة التوحيد قدما الآن دون تردد، ويجب ألا تنتظر نهاية الحرب في قطاع غزة أو الحصول على ضوء إسرائيلي أخضر. يجب أن يكون واضحا لقيادة السلطة الفلسطينية أن إسرائيل ستتعامل معها بأقصى درجات الازدراء والرفض بغض النظر عما إذا كانت متصالحة أو غير متصالحة مع حماس. لكن عملية إعادة التوحيد لن تكون ممكنة دون تشكيل حكومة انتقالية توحيدية، حكومة تلبي توقعات الشعب.  في آذار (مارس) 2024، طالب الجمهور بتشكيل حكومة انتقالية كهذه، لكنه أصر على فرض ثلاثة شروط عليها: (1) أن تتشكل من مهنيين أكفاء، (2) أن تعبر عن توافق ووحدة وطنية، (3) وأن تكون مستقلة عن الأحزاب السياسية والرئيس عباس. لا تستوفي حكومة محمد مصطفى الحالية معظم هذه الشروط. تفتقر الحكومة الحالية بالتالي إلى الشرعية والقبول من الجمهور الفلسطيني. لا يمكن أن نتوقع من هذه الحكومة أن تتعامل بنجاح مع أي من التحديات الرئيسية التي تواجه الفلسطينيين اليوم، أو تلك التي ستواجهها في "اليوم التالي"، أو إدارة تبعات حرب إقليمية.

معالجة انعدام الكفاءة لدى السلطة الفلسطينية: إن فشل السلطة الفلسطينية، بعد 30 عاما من وجودها، في تلبية الاحتياجات الأساسية للجمهور في تقديم حكم رشيد أو كفؤ، أو مكافحة الفساد، أو بناء مؤسسات عامة قوية وخاضعة للمساءلة، أو ضمان الاستقرار المالي، أو بناء قدرة مستقلة على توفير احتياجات شعبها اليومية من المياه والكهرباء والوقود يشهد على انعدام مطلق للكفاءة في ضمان الرفاه للشعب الفلسطيني. لا شك أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي ومصالح بعض الدول المانحة قد لعبت بالتأكيد دورا مهما في هذه النتيجة الكئيبة. مع ذلك، فإن حقيقة أن قيادة السلطة الفلسطينية ونخبتها الحاكمة لم تعطي الأولوية لهذه الأهداف الوطنية في مفاوضاتها وتفاعلاتها مع إسرائيل والمجتمع الدولي تشهد على فشلها في إعطاء الأولوية للمصلحة الوطنية.  يجب على الحكومة الانتقالية، المشكلة من المهنيين الأكفاء، وتمثل التوافق الوطني، وتعمل بشكل وثيق مع منظمة التحرير الفلسطينية، أن تضع خطة عمل وجدولا زمنيا للعودة للدستورية في النظام السياسي وأن تزيل من النظام القانوني للسلطة الفلسطينية جميع المراسيم الرئاسية والقرارات الإدارية التي دمرت على مدى العقد الماضي المساءلة والرقابة في ذلك النظام. كما يجب أن تظهر هذه الخطة التزاما جديا بمكافحة الفساد وتعزيز استقلال مؤسسات مكافحة الفساد. كما يجب عليها أن تقلل تدريجيا من الاعتماد على إسرائيل في تحويل أموال المقاصة والاحتياجات والمرافق الأساسية وأن تضمن اعتمادا قويا للفلسطينيين على أنفسهم.

من الحكمة، ومن الضروري بالتأكيد، أن تتخذ السلطة الفلسطينية كافة هذه التدابير اليوم وألا تنتظر وصولنا "لليوم التالي" أو للحظة اندلاع حرب إقليمية. إن عليها اتخاذ خطوات فورية للمساهمة في تخفيف حدة الصعوبات الكبيرة التي سيواجهها السكان الفلسطينيون بالتأكيد بمجرد حلول "اليوم التالي" أو إذا تصاعدت حرب غزة إلى حرب إقليمية. غني عن القول إنه بمجرد حلول "اليوم التالي"، فإن الحقائق على الأرض في قطاع غزة ستحدد المستقبل وستظل السلطة الفلسطينية غير ذات صلة. ستستأنف حماس السيطرة على تلك الأراضي الفلسطينية وسيصبح الانقسام الفلسطيني أكثر رسوخا. علاوة على ذلك، إذا بدأ السيناريو الثالث للحرب الإقليمية، كما هو موضح أعلاه، في التبلور، فإن قدرة السلطة الفلسطينية على منع انهيارها، بغض النظر عما تفعله، إذا لم تكن قد اتخذت بالفعل تدابير قوية، ستكون ضئيلة. وحتى في ظل السيناريو الثاني، فإن قدرة السلطة الفلسطينية على العمل ستكون مقيدة إلى حد كبير. اليوم فقط، وفي ظل ظروف السيناريو الأول، يمكن للسلطة الفلسطينية أن تتخذ تدابير لضمان قدرتها على مواصلة تقديم الخدمات للجمهور في ظل ظروف مماثلة لتلك التي ينطوي عليها السيناريو الثاني.

 

[1] أظهر استطلاع أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في كانون أول (ديسمبر) 2023 أن نسبة الرضا عن دور السلطة الفلسطينية تبلغ 14٪ فقط (10٪ في الضفة الغربية و21٪ في قطاع غزة) والرئيس محمود عباس 11٪ (7٪ في الضفة الغربية و17٪ في القطاع) ورئيس الوزراء محمد اشتية 10٪ (6٪ في الضفة الغربية و16٪ في قطاع غزة). انظر: https://pcpsr.org/ar/node/964. في آذار (مارس) 2024 بلغت نسبة تأييد حماس 34٪ وفتح 17٪، وبلغت نسبة المطالبة باستقالة الرئيس عباس 84٪ (93٪ في الضفة الغربية و71٪ في قطاع غزة). انظر: http://www.pcpsr.org/ar/node/974.

[2] وتؤيد نسبة من 13٪ سيطرة السلطة الفلسطينية ولكن فقط لو لم تكن تحت سيطرة الرئيس عباس. انظر استطلاع المركز الفلسطيني لشهر آذار/مارس 2024: http://www.pcpsr.org/ar/node/974

[3] للاطلاع على النتائج الفلسطينية، انظر المصدر السابق. للاطلاع على النتائج الإسرائيلية، انظر استطلاع معهد الديمقراطية الإسرائيلي، https://en.idi.org.il/articles/52976. يظهر الاستطلاع أيضا أن 68٪ من اليهود الإسرائيليين يعارضون نقل المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. حول نفس الموضوع، انظر أيضا، https://www.jpost.com/israel-news/article-788114 و https://mondoweiss.net/2024/02/over-2-3-of-jewish-israelis-oppose-humani....

[4] مصدر سابق

[5] في أوائل شباط/فبراير 2024، صرح بلينكن بأنه تحدث مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو حول ضرورة بلورة مسار واضح لدولة فلسطينية وسلام دائم، وأن ذلك يعني وجود "إسرائيل مندمجة تماما في المنطقة، مع علاقات طبيعية مع الدول الرئيسية بما في ذلك المملكة العربية السعودية ... إلى جانب مسار ملموس ومحدد زمنيا ولا رجعة فيه نحو دولة فلسطينية تعيش جنبا إلى جنب في سلام وأمن مع إسرائيل، مع الضمانات الأمنية اللازمة". انظر Ynet, 8 فبراير 2024, https://www.ynetnews.com/article/h1ruhu11ip#autoplay

[6] “ICC may issue arrest warrants for Israeli officials over the war in Gaza, reports say,” NPR, April 29, 2024, https://www.npr.org/2024/04/29/1247741600/icc-may-issue-arrest-warrants-....

[7] انظر: “How public opinion on the Israel-Hamas war has shifted,Financial Times, 21 November 2023 https://www.ft.com/content/6bf4f6ed-b705-4e66-ac6f-59b5ef6c0c77.. انظر أيضا استطلاع غالوب في مارس 2024 “Majority in U.S. Now Disapprove of Israeli Action in Gaza: Approval has dropped from 50% to 36% since November,” 27 March 2024, https://news.gallup.com/poll/642695/majority-disapprove-israeli-action-gaza.aspx.. وذكرت مجلة تايم أن "صافي التأييد - النسبة المئوية للأشخاص الذين ينظرون إلى إسرائيل بشكل إيجابي بعد طرح النسبة المئوية التي ينظرون إليها بشكل سلبي - انخفض عالميا بمعدل 18.5 نقطة مئوية بين سبتمبر وديسمبر، وانخفض في 42 من أصل 43 دولة شملها الاستطلاع". https://time.com/6559293/morning-consult-israel-global-opinion/

[8] أنظر: “Miscalculation Led to Escalation in Clash Between Israel and Iran,” The New York Times, April 17, 2024,

 https://www.nytimes.com/2024/04/17/world/middleeast/iran-israel-attack.html.

[9] انظر تصريح وزير الخارجية الإيراني لشبكة CNN: "الرد العسكري الإيراني سيكون 'فوريا وعلى أقصى مستوى' إذا هاجمت إسرائيل، كما يقول وزير الخارجية"، https://edition.cnn.com/2024/04/18/middleeast/iran-foreign-minister-isra...