تشرين ثاني (نوفمبر) 2025 

 

مستقبل غزة: لماذا توقف خطة ترامب الحرب لكنها لا تصنع السلام؟ 
خليل الشقاقي

مقدمة

في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في 29 سبتمبر/أيلول 2025، كشف الرئيس دونالد ترامب عن خطة من 20 بندا تهدف إلى إنهاء الحرب في قطاع غزة وخلق مسار نحو تسوية إقليمية أوسع. ورغم الإشادة بها باعتبارها إنجازًا دبلوماسيًا، فقد تمت الموافقة بسرعة على مرحلتها الأولى — التي تضمن وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن الإسرائيليين والأسرى الفلسطينيين — من قبل كل من إسرائيل وحماس، إلا أن هذا النجاح الأولي يخفي وراءه بنية غير مستدامة تشوبها العديد من النواقص. فخطة ترامب، رغم تحقيقها وقفًا قصير الأمد للأعمال العدائية، تفشل في معالجة الديناميكيات السياسية الجوهرية التي غذت الصراع لفترة طويلة: غياب قيادة فلسطينية شرعية وموحدة، وقضية السيادة الفلسطينية التي لم تُحل بعد، وحقائق الرأي العام المتجذرة التي صاغتها عقود من الاحتلال.

تقيّم هذه الورقة التحليلية ما تفعله الخطة، ولماذا حققت نجاحًا أوليًا، ولماذا من غير المرجح أن تكون مستدامة في شكلها الحالي، وما تتطلبه استراتيجية فلسطينية قابلة للتطبيق — خاصة للسلطة الفلسطينية. تدمج الورقة الرأي العام الفلسطيني في التحليل الحالي لتقييم قيود الجدوى والشرعية، بالاعتماد بشكل أساسي على أحدث استطلاع للمركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية. ترى الورقة أن خطة ترامب، على الرغم من تصميمها الطموح متعدد الأطراف، محكوم عليها بالفشل بعد مرحلتها الأولى لأنها تحاول فرض حل تكنوقراطي مُدار خارجيًا على مشكلة سياسية عميقة. فهيكلها يتجاهل الدور الفلسطيني، ويتجاوز المطلب الأساسي بتقرير المصير، ويتصادم مع مشهد رأي عام يمتاز بأزمة قيادة داخلية عميقة، ومع معارضة لا تتزعزع لنزع سلاح فصائل المقاومة دون وجود أفق سياسي قابل للتطبيق.

 

السياق: الحرب التي لا يمكن الانتصار فيها والفراغ السياسي

استمرت حرب غزة 2023-2025 لفترة أطول من أي مواجهة إسرائيلية-فلسطينية سابقة لسببين رئيسيين: عجز إسرائيل عن تحقيق هدفها المعلن المتمثل في استئصال حماس، والحافز السياسي لرئيس الوزراء نتنياهو لإطالة أمد الصراع. أولاً، فشلت الحملة العسكرية الإسرائيلية في هزيمة حماس كحركة سياسية وحركة مقاومة، رغم إلحاقها دمارًا هائلاً بالبنية التحتية والسكان في قطاع غزة. وكما أظهرت أدبيات حرب العصابات منذ فترة طويلة، لا يمكن للقوة العسكرية وحدها أن تقضي على كيان اجتماعي-سياسي متجذر بعمق. لقد دمرت إسرائيل القدرات العسكرية التقليدية لحماس، لكنها لم تستطع القضاء على قدرتها على الحكم أو على خوض حرب عصابات. وقد تجلى هذا الفشل بوضوح في ثلاثة عوامل: استمرار قدرة حماس على احتجاز الرهائن الإسرائيليين، الأمر الذي ظل أقوى أوراق ضغطها مجبرا إسرائيل على التفاوض؛ وغياب انتفاضة شعبية ضد حكم حماس، حيث استمر سكان قطاع غزة، رغم المعاناة الهائلة، في إلقاء اللوم بشكل أساسي على إسرائيل والولايات المتحدة في محنتهم؛ والفشل التام من جانب إسرائيل وحلفائها في صياغة وتنفيذ بديل حكم قابل للتطبيق لـ "اليوم التالي". فعلى مدى عامين، قاومت حكومة نتنياهو بشراسة أي خطة من شأنها تمكين السلطة الفلسطينية أو أي كيان آخر من حكم قطاع غزة، مما خلق فراغًا ضَمِن استمرار الهياكل الإدارية والاجتماعية لحماس.

ثانيًا، خدمت إطالة أمد الحرب المصالح السياسية لنتنياهو. ففي مواجهة انتقادات محلية شديدة بسبب الإخفاقات الأمنية في السابع من أكتوبر 2023 وتحديات قانونية محتملة، أصبح استمرار الحرب بلا نهاية واضحة درعًا واقيًا من المساءلة السياسية. وكان إنهاء الحرب دون إعلان "نصر كامل" — وهو هدف مستحيل — سيُنظر إليه على أنه هزيمة كارثية، مما كان سيفرض مواجهة حاسمة مع الجمهور الإسرائيلي. وحتى لحظة فرض ثمن سياسي خارجي، كان بإمكان نتنياهو إطالة أمد العمليات العسكرية دون الالتزام بتسوية سياسية أو صيغة حكم بديلة ذات مصداقية لغزة. وتُعد مبادرة ترامب أول خطة خارجية كبرى يتم فيها تبادل الرهائن والأسرى، وانسحابًا جزئيًا، مقابل وقف إطلاق نار هش. لكنها تركت "مخارج" متعددة لتجدد القتال إذا رفضت حماس نزع السلاح أو إذا اعتبرت إسرائيل أن غزة لم يتم "إزالة التطرف" منها بما فيه الكفاية.

في هذا السياق، تميز دور السلطة الفلسطينية بالسلبية والغياب. فبعد فشلها في تحقيق المصالحة الوطنية بين عامي 2008 و2021، وتهميشها بالكامل عن مشهد قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، نُظر إلى السلطة الفلسطينية على أنها طرف غير ذي صلة، حيث لم تتخذ أي مبادرة لقيادة المفاوضات، أو تقترح نموذج حكم بديل لقطاع غزة، أو تسعى لتمثيل المصالح الفلسطينية بشأن قطاع غزة على الساحة الدولية. وقد عمق هذا التقاعس تصور الجمهور للسلطة الفلسطينية كهيئة غير فعالة وغير شرعية، مما زاد من اتساع الفراغ السياسي الذي حاولت خطة ترامب لاحقًا ملأه بجهات فاعلة خارجية.

 

تفكيك خطة ترامب: بنية من أربع مراحل

تُعد خطة ترامب إطارًا شاملاً منظمًا في ثلاث مراحل تنفيذية (مع مرحلة رابعة غير معلنة):

المرحلة الأولى (إنهاء الحرب): تشمل وقف فوري للأعمال العدائية بمجرد قبول الخطة؛ انسحاب إسرائيلي مرحلي إلى خط متفق عليه؛ تبادل شامل للرهائن والأسرى؛ توسيع وصول المساعدات الإنسانية، وإزالة الأنقاض، وفتح معبر رفح في كلا الاتجاهين؛ وتجميد خطوط القتال "حتى تتحقق الشروط اللازمة لمزيد من الانسحاب المرحلي". تحدد الخطة مستقبل قطاع غزة كـ "منطقة خالية من الإرهاب والتطرف" و"يُعاد تطويرها لصالح سكان قطاع غزة"، وتقدم لكوادر حماس خيارًا بين العفو المشروط بـ "تسليم أسلحتهم" أو الخروج الآمن.

المرحلة الثانية (الحكم الانتقالي والأمن): هذا هو القسم الأكثر طموحًا وإشكالية في الخطة. فهو يحدد هيكلية حكم مؤقت لقطاع غزة يعتمد على أربع مؤسسات رئيسية:

  • لجنة تكنوقراطية انتقالية: تتألف من "فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين"، وسيكون هذا الجسم غير السياسي مسؤولاً عن الإدارة اليومية لقطاع غزة. ومن الأهمية بمكان أنه مصمم ليكون مستقلاً عن كل من حماس والسلطة الفلسطينية. ورغم بقائها خارج نطاق المساءلة والرقابة الفلسطينية، فإن اللجنة مصممة لتكون تحت إشراف "مجلس السلام".
  • قوة استقرار دولية: تتألف من قوات عربية ودولية، وتنتشر هذه القوة لتأمين المناطق الفلسطينية مع انسحاب الجيش الإسرائيلي، مع تفويض بالحفاظ على الأمن والإشراف على نزع سلاح حماس.
  • "مجلس السلام": هيئة إشراف دولية، يرأسها الرئيس ترامب وتضم شخصيات مثل توني بلير، ومكلفة بوضع إطار لإعادة الإعمار والإشراف على اللجنة التكنوقراطية الانتقالية وذلك لفترة زمنية غير محددة بانتظار قيام السلطة الفلسطينية بتنفيذ برنامج محدد للإصلاح.
  • إعادة الإعمار: رغم عدم تحديد هيئة أو آلية بشكل صريح، فإن الخطة تفترض الحاجة لجهد هائل لإعادة الإعمار يموله ويشرف عليه المجتمع الدولي عبر "مجلس السلام".

المرحلة الثالثة (أفق سياسي):
تمتاز هذه المرحلة بالغموض بشكل متعمد، حيث تدعو إلى بدء "حوار بين إسرائيل والفلسطينيين للاتفاق على أفق سياسي لتعايش سلمي ومزدهر". تتجنب هذه اللغة المخففة الإشارة المباشرة إلى حل الدولتين، أو القانون الدولي، أو المعايير الراسخة مثل حدود 1967، مما يترك جوهرها مفتوحًا بالكامل للتفاوض المستقبلي.

المرحلة الرابعة (التكامل والتطبيع الإقليمي):
رغم أنها ليست جزءًا رسميًا من وثيقة الـ 20 نقطة، فقد ربط الرئيس ترامب الخطة باستمرار برؤية أوسع لـما أسماه "سلام الشرق الأوسط"، تتمحور حول تطبيع العلاقات بين إسرائيل والدول العربية الرئيسية، ولا سيما المملكة العربية السعودية. تمثل هذه المرحلة الجائزة الاستراتيجية للولايات المتحدة وإسرائيل، لكنها مصدر شكوك عميقة لدى الفلسطينيين، الذين يخشون أن تمضي قدمًا حتى دون إقامة دولتهم.

 

لماذا نجحت المرحلة الأولى؟ ولماذا تبدو الخطة قوية على الورق؟

هناك نقطتا قوة تفسران نجاح المرحلة الأولى. أولاً، تبني الرئيس الأمريكي للخطة. فقد كانت بصمة ترامب الشخصية بمثابة إشارة لإسرائيل بأن واشنطن ستستثمر رأس مال سياسي كبير لتحقيق صفقة وقف إطلاق النار والإفراج عن الرهائن؛ وللدوحة والقاهرة وأنقرة بأن الولايات المتحدة تقدر وتحترم نفوذ وساطتهما؛ ولحماس بأنه يمكن ضمان نتيجة المفاوضات. ثانيًا، تمتاز الخطة بتعددية الأطراف بشكل صريح. فهي تدعو قطر ومصر وتركيا وغيرها لضمان الامتثال من حماس، وإلزامها بالإفراج عن الرهائن، والمساعدة في احتضان وحماية ترتيبات ما بعد الحرب في قطاع غزة بما في ذلك نزع السلاح. فبعد عامين سعت فيهما الأطراف الإقليمية إلى استخدام نفوذها ولكن دون مخطط متكامل، قامت خطة ترامب بزيادة الحوافز وتقليل المخاطر.
من حيث المضمون، عالجت المرحلة الأولى أيضًا ثلاثة شروط ضرورية للتهدئة: (أ) تبادل ناجح للرهائن والأسرى؛ (ب) إجراءات واضحة لدخول المساعدات الإنسانية وامكانيات الوصول إليها؛ و(ج) خط انسحاب يقلل من الاحتكاك اليومي. وبهذه المقاييس، حققت أكثر من أي مبادرة أمريكية سابقة منذ أكتوبر 2023.

 

نقاط ضعف في التصميم تهدد الاستدامة

مع ذلك، فإن بنية الخطة ليست خريطة طريق قادرة على إحداث نتيجة دائمة. فهناك العديد من العيوب الحادة في التصميم:

  1. فراغ شرعية فلسطينية مقصود في التصميم: أولاً، إن نموذج الحكم في الخطة هو شكل من أشكال الاستعمار الجديد. فاللجنة التكنوقراطية الانتقالية "غير تابعة للسلطة الفلسطينية أو حماس" بشكل صريح، وتشرف عليها هيئة أجنبية الرئاسة. ومهما كان الدافع حكيمًا لعزل الإدارة اليومية لقطاع غزة عن الاستقطاب الفصائلي، فإن المظهر العام وهيكل السلطة يشبهان الانتداب — أي "سلطة استعمارية جديدة"، كما حذر النقاد بالفعل في قطاع غزة والضفة الغربية. هذه الهيكلية تحرم الفلسطينيين من لعب دور فاعل، وسيكون مصيرها الرفض من قبل الجمهور باعتباره نظامًا تابعا أو حتى عميلاً. ولن يتمكن أي تكنوقراطي فلسطيني، مهما كانت كفاءته، من اكتساب الشرعية وهو يقدم تقاريره إلى مجلس أجنبي غير منتخب. وبدون مسار للانتخابات أو توافق وطني تفاوضي على تشكيل اللجنة، من غير المرجح أن تحظى الهيئة بشرعية شعبية، وستتعرض للهجوم من قبل كل من السلطة الفلسطينية وحماس.
  2. الغموض بشأن الدولة: يجعل الغموض المتعمد للأفق السياسي الإطار بأكمله أجوفا. فبدون مسار واضح وموثوق نحو دولة فلسطينية ذات سيادة على أساس القانون الدولي، لا يوجد حافز للفصائل الفلسطينية لتسليم أسلحتها أو للجمهور لمنح الشرعية للعملية الانتقالية. إن الخوف من أن خطة ترامب هي ببساطة نسخة منقحة من "صفقة القرن" لعام 2020 — التي رفضها الفلسطينيون رفضًا قاطعًا — يسمم أي احتمال لقبول سياسي حقيقي. لقد "تفهم" ترامب علنًا تحفظات إسرائيل بشأن الدولة الفلسطينية. وإذا تم اختزال الدولة إلى طموح طويل الأجل دون معايير محددة (مثل حدود 1967، القدس الشرقية، المستوطنات، الترتيبات الأمنية)، فإن حماس ستكتسب دعمًا شعبيًا للاحتفاظ بأسلحتها، ولن يكون لدى إسرائيل حافز لإتمام الانسحاب، وسيفقد التطبيع العربي مرتكزه الفلسطيني. إن قتل أفق سياسي واضح للوضع النهائي هو ما أدى إلى توقف أوسلو؛ وسيفعل الشيء نفسه هنا.
  3. تسلسل غير واقعي للحكم والأمن: تبدأ المرحلة الأولى للخطة قبل نشر هيكل حكم بديل، مما يخلق ظروفًا مثالية لحماس لتعزيز سيطرتها على سكان قطاع غزة. علاوة على ذلك، فهي تنشر قوة الاستقرار الدولية قبل الانسحاب الإسرائيلي الكامل، جنبًا إلى جنب مع بقايا قوات حماس والشرطة الفلسطينية المعاد تشكيلها التابعة للجنة المهنية. إن وجود أربعة أطراف مسلحة تعمل في وقت واحد في تضاريس حضرية كثيفة يخلق مخاطر لا تطاق. ولن توافق أي قوة عربية أو دولية ذات مصداقية على نزع سلاح حماس في أتون صراع مفتوح؛ وستصر الدول المشاركة على خطوط انسحاب إسرائيلي كامل، وتفويض واضح، ومهمة محددة زمنيًا، وقواعد اشتباك، وغطاء سياسي من سلطة فلسطينية شرعية.
  4. لا جداول زمنية بعد الرهائن: باستثناء التحديد الزمني للإفراج عن الرهائن البالغة 72 ساعة، تفتقر الخطة إلى تواريخ لإتمام الانسحاب المرحلي، أو مدة ولاية اللجنة المهنية، أو مدة نشر قوة الاستقرار الدولية، أو موعد انتهاء عمل مجلس السلام. إن تغييب التحديد الزمني يفتح الباب أمام تكتيكات الأطراف المعرقلة والمناورات السياسية الداخلية.
  5. فخ التنفيذ الجزئي. تسمح الخطة صراحةً بالمضي قدمًا في أجزاء منها "في المناطق الخالية من الإرهاب التي تم تسليمها من الجيش الإسرائيلي إلى قوة الاستقرار الدولية" وذلك في حالة "أخرت حماس أو رفضت" بعض الشروط (مثل نزع السلاح). وهذا يخلق مناطق حكم مجزأة، وتشتيتًا للمساءلة، وحوافز لكل من حماس وإسرائيل للقيام بانتهاكات أو استفزازات منخفضة المستوى.

ماذا يعتقد الفلسطينيون: قيود الرأي العام

يتصادم تصميم خطة ترامب ذي المراحل بشكل حاد مع حقائق الرأي العام الفلسطيني. ويكشف استطلاع للرأي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية في الأسبوع الأخير من أكتوبر/تشرين الأول 2025 عن جمهور منقسم بشكل عميق، ومتشكك، وجسور، وتتجاهل الخطة أولوياته وخطوطه الحمراء إلى حد كبير. علاوة على ذلك، يكشف الاستطلاع عن غموض شديد يكتنف قدرة الخطة على البقاء على المدى الطويل، إذ لا تعتقد أغلبية ساحقة (70%) أنها ستؤدي إلى دولة فلسطينية مستقلة في غضون خمس سنوات، ويشك 62% في أنها ستنهي الحرب بشكل دائم، ويخشى ما يقرب من نصف الفلسطينيين (49%) أنها ستمهد الطريق للتطبيع العربي-الإسرائيلي دون حل القضية الفلسطينية. إن انعدام الثقة العميق هذا هو نتيجة مباشرة للأفق السياسي الغامض للخطة وفشلها في توطيد بنودها في القانون الدولي أو الاتفاقات السابقة.


فيما يلي أبرز مواضيع الاستطلاع ذات الصلة:
الوعي، والتأطير، والدعم العام: سمع 71% بالخطة. وعندما تُعرض بنودها كما تراها الأطراف العربية والإسلامية — إنهاء الحرب، وتبادل الرهائن والأسرى، ووقف التهجير القسري، وتوسيع إيصال المساعدات، والانسحاب الإسرائيلي المرحلي، ونزع سلاح حماس، وإصلاح السلطة الفلسطينية، وبدء عملية سياسية نحو قيام دولة فلسطينية — ينقسم الفلسطينيون بالتساوي تقريبًا (47% تأييد، 49% معارضة). يخفي هذا الانقسام تباينًا بين المنطقتين: ما يقرب من 60% من سكان قطاع غزة يؤيدون الخطة في هذا التأطير، بينما يعارضها ما يقرب من 60% من سكان الضفة الغربية. يزداد الدعم للخطة بين من هم على علم بها (حوالي 50%) مقارنة بمن لا يعلمون بها (حوالي 40%).


استمرارية وقف إطلاق النار وآفاق الدولة: تشك أغلبية قوية (62%) في أن الخطة ستنهي حرب غزة "بشكل نهائي"، ولا تعتقد أغلبية أكبر (حوالي 70%) أنها ستؤدي إلى دولة فلسطينية في غضون خمس سنوات. يزداد التشاؤم وضوحًا في الضفة الغربية منه في قطاع غزة. وفي سياق تصريحات القيادة الإسرائيلية بأن الحرب ستستأنف إذا لم تتخل حماس عن سلاحها، يتوقع معظم سكان الضفة الغربية تجدد القتال قريبًا؛ بينما ينقسم سكان قطاع غزة بالتساوي تقريبا بين التفاؤل والتشاؤم.


نزع السلاح هو الخط الأحمر الأساسي: يعارض ما يقرب من 69% نزع سلاح حماس حتى "لو كان هذا شرطًا لعدم عودة الحرب إلى قطاع غزة"، حيث تبلغ المعارضة حوالي 78% في الضفة الغربية و55% في قطاع غزة. يدعم 18% فقط من سكان الضفة الغربية و44% من سكان قطاع غزة نزع السلاح في ظل هذا الشرط. إن أي تصميم يجعل نزع السلاح شرطًا فوريا لوقف إطلاق النار أو إعادة الإعمار سيواجه مقاومة شعبية شديدة — خاصة في الضفة الغربية.


حكم قطاع غزة في اليوم التالي: عند سؤالهم عن لجنة المهنيين الفلسطينيين غير التابعة للسلطة الفلسطينية أو حماس لإدارة قطاع غزة تحت مظلة دولية (كما هو منصوص عليه في الخطة)، يجد الاستطلاع معارضة من أغلبية طفيفة من كافة الجمهور تبلغ 53% مقابل نسبة تأييد تبلغ 45%، مع وجود أغلبية ضئيلة مؤيدة في قطاع غزة (51%) وأقلية مؤيدة في الضفة الغربية (41%). وعند إعادة صياغة السؤال كـ "لجنة خبراء فلسطينية تشرف على إعادة الإعمار تحت رعاية ودعم دولي"، مع حذف بندي عدم الانتماء لحماس والسلطة الفلسطينية وشرط نزع السلاح، يرتفع الدعم إلى 67% لكافة الجمهور (67% في الضفة الغربية؛ 66% في قطاع غزة). يدعم حوالي ثلث الفلسطينيين فقط السيطرة الكاملة أو المشتركة للسلطة الفلسطينية على قطاع غزة؛ وترفض النسبة الأكبر كلاً من اللجنة المهنية وعودة السلطة الفلسطينية.


القوات المسلحة: يعارض حوالي 68% دخول قوة عربية مسلحة "للحفاظ على الأمن ونزع سلاح حماس" (78% في الضفة الغربية؛ 52% في قطاع غزة). وعندما يتم إسقاط مهمة نزع السلاح وتكليف القوة بأمن الحدود والتنسيق الداخلي مع الشرطة المحلية واللجنة فقط، يرتفع دعم سكان قطاع غزة إلى 53%، بينما يصل دعم سكان الضفة الغربية إلى 43%.


توازن القوى الداخلي والقيادة والانتخابات: تتعقد محاولة الخطة لتجاوز اللاعبين السياسيين الحاليين بسبب وجود أزمة قيادة داخلية عميقة. فالسلطة الفلسطينية، الكيان الذي تهدف الخطة نظريًا إلى إصلاحه وتمكينه في نهاية المطاف، تعاني من نقص كارثي في الشرعية. كما أن تقييم الجمهور للسلطة الفلسطينية سلبي للغاية: يرى حوالي 80% فسادًا في مؤسسات السلطة؛ وتعتبر الأغلبية السلطة عبئًا على الشعب الفلسطيني (56%) وتريد الأغلبية الساحقة استقالة الرئيس عباس (80%). وقد دفع هذا الفراغ القيادي لبروز بديلين للسلطة الفلسطينية في الوجدان الشعبي:

الأول هو مروان البرغوثي. فالقيادي الفتحاوي الأسير يبرز باستمرار باعتباره الشخصية السياسية الأكثر شعبية. وفي انتخابات رئاسية افتراضية ثلاثية، سيفوز البرغوثي بشكل حاسم بنسبة 49% من الأصوات، مقارنة بـ 36% لخالد مشعل من حماس و13% فقط لعباس. وفي سباق ثنائي ضد مشعل، يرتفع دعم البرغوثي إلى 58%. ينظر الجمهور الفلسطيني له على أنه شخصية وحدوية قادرة على تقليص الفجوات بين فتح وحماس وتجسيد  قيم المقاومة والمسار السياسي معا.
الثاني هو حماس. تفوقت هذه الحركة باستمرار خلال العامين الماضيين على فتح في استطلاعات الرأي.  اليوم يتعاطف 35% من الجمهور مع حماس مقارنة بـ 24% مع فتح. وفي انتخابات تشريعية افتراضية، تفوز حماس بنسبة 44% من الأصوات مقابل 30% لفتح. وبينما تراجع الدعم الشعبي لهجوم السابع من أكتوبر عن ذروته ببطء، فإنه لا يزال رأي الأغلبية (53%). كما يفوق رضا الجمهور عن أداء حماس خلال الحرب، الذي يبلغ 60%، بكثير رضاه عن الرئيس عباس (21%). وهذا يوضح أنه بالنسبة لجزء كبير من الجمهور، تمثل حماس ممثلا أكثر فعالية وشرعية للمقاومة الوطنية من قيادة السلطة الفلسطينية الحالية. وعند سؤالهم من "يستحق" القيادة اليوم، يختار 41% حماس، و22% يختارون فتح بقيادة عباس، و31% يقولون لا هذا ولا ذاك.

من الضروري الإشارة الى أن ثلثي الفلسطينيين على الأقل يريدون إجراء انتخابات عامة في غضون عام من وقف إطلاق النار في قطاع غزة، لكن 60% يشككون في نية السلطة الفلسطينية إجرائها ويتوقعون عدم حدوثها؛ وترفض الأغلبية الشرط المسبق الذي وضعه الرئيس عباس بأن يقبل المرشحون التزامات منظمة التحرير الفلسطينية، بما في ذلك الاتفاقات مع إسرائيل. وبشأن التصويت في القدس الشرقية إذا منعت إسرائيل الترتيبات المتفق عليها في اتفاق أوسلو، يفضل الجمهور التصويت عبر الإنترنت (41%)، أو التصويت في الأماكن المقدسة (31%)، أو نقل الناخبين بالحافلات إلى مناطق السلطة الفلسطينية للتصويت فيها (22%).


الموقف من الحرب على قطاع غزة: لا تزال أغلبية متناقصة (حوالي 53%) تقول إن قرار حماس بشن هجوم السابع من أكتوبر كان "صحيحًا"، مع دعم أقل في قطاع غزة (44%) منه في الضفة الغربية (59%)؛ وقد انخفضت توقعات فوز حماس في الحرب إلى 39% على الصعيد الوطني، حيث يتوقع 27% فقط من سكان قطاع غزة فوز حماس ويتوقع 29% فوز إسرائيل (6% فقط في الضفة الغربية يتوقعون فوزًا إسرائيليًا). اما المؤشرات الإنسانية في قطاع غزة فقاتمة ولكنها تظهر بعض التحسن في الحصول على الغذاء اليومي؛ حوالي 72% يفيدون بمقتل أو إصابة فرد من أفراد أسرهم. وتُنسب المسؤولية عن معاناة سكان قطاع غزة في المقام الأول إلى إسرائيل والولايات المتحدة؛ وأقلية تلوم حماس أو السلطة الفلسطينية. أما مستويات الرضا خلال الحرب فتميل بقوة لصالح حماس (60% بشكل عام) مقابل 30% لفتح، و29% للسلطة الفلسطينية، و21% لعباس. إقليميًا، يسجل الحوثيون وقطر وحزب الله أعلى درجات الرضا؛ ودوليًا، تتفوق الصين وبدرجة أقل روسيا وإسبانيا على الولايات المتحدة.
النتيجة واضحة: إذا تطلب تنفيذ خطة ترامب نزع سلاح حماس على المدى القصير، أو تولي السلطة الفلسطينية، أو قوة أجنبية مسلحة، فإن الخطة ستفتقر إلى الشرعية الفلسطينية وستواجه مقاومة، خاصة في الضفة الغربية. اما إذا تركز التنفيذ في إعادة الإعمار وإدارة الحكم من قبل مهنيين فلسطينيين مستقلين، ومسار مؤكد للانتخابات ولقيام الدولة، فإن لها قاعدة شعبية حاضنة، خاصة في قطاع غزة.

 

ما الذي يمكن أن يجعل الخطة قابلة للحياة؟

لكي تصبح خطة ترامب قابلة للحياة فإنها تحتاج لما هو أكثر من الدعم الشخصي من الرئيس الأمريكي، رغم أهميته الكبرى، ولما هو أكثر من التوافق بل والإجماع الإقليمي حولها. لتكون قابلة للاستدامة فإنها تحتاج لنهج قادر على تنظيم الحوافز، وتوضيح الغايات النهائية، وترسيخ الشرعية الفلسطينية في كل مرحلة:

  1. فصل وقف إطلاق النار الفوري وإعادة الإعمار عن التنازلات السياسية التي لا رجعة فيها: يجب أن يكون نزع السلاح على مراحل — بشكل يتم التحقق منه، تدريجيًا، ومرتبطًا بمكاسب ملموسة ومحددة زمنيًا: انسحاب إسرائيلي كامل إلى خطوط معلنة؛ حرية الحركة؛ ومراحل إعادة الإعمار.
  2. إرساء شرعية اللجنة المهنية الانتقالية في الشرعية الفلسطينية: يمكن للجنة أن تنجح إذا (أ) تم اختيار أعضائها من خلال عملية تشاورية فلسطينية شاملة (فصائل، مستقلون، نقابات، بلديات، لجان مخيمات، منظمات نسائية وشبابية)؛ (ب) أن يكون لها تفويض واضح لمدة 18-24 شهرًا؛ و(ج) أن يتم إقرانها بالتزام صارم بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في تلك الفترة، مع ضمانات بإيحاد آليات للتصويت في القدس الشرقية أيدها الجمهور بالفعل (مثل الإنترنت/الأماكن المقدسة/الحافلات). ويجب أن يضم مجلس السلام شخصيات فلسطينية ذات مصداقية عالية وأن يوضع له تاريخ انتهاء مرتبط بتحقيق معايير إصلاح السلطة الفلسطينية، وذلك بديلا عن إشراف مفتوح.
  3. تحديد الأفق السياسي الآن: يجب توضيح "الأفق السياسي" على أنه قيام دولتين على خطوط 1967 مع تبادل أراضي متفق عليه، وبه تكون القدس الشرقية عاصمة لدولة فلسطين، بما يتماشى مع القانون الدولي والمعايير المتفق عليها سابقا. فالغموض يفتح الباب أمام المعرقلين؛ والوضوح يقيدهم. وبدون هذا، سيُنظر إلى نزع السلاح على أنه استسلام؛ ومعه، يمكن عرض التسريح ونزع السلاح كجزء من استراتيجية وطنية.
  4. تحديد جداول زمنية وآليات تحقق صارمة: يتطلب كل إنجاز أساسي تواريخ ومعايير ومراقبة من طرف ثالث، بما يشمل مراحل الانسحاب الإسرائيلي، ونشر وانسحاب قوة الاستقرار الدولية، وتفويض وخلافة اللجنة المهنية، ومراحل إعادة الإعمار. ويمكن تشكيل لجنة تنفيذ مشتركة — تضم الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والأمم المتحدة ومصر وقطر وتركيا وسلطة فلسطينية ذات شرعية ومصداقية — أن تنشر تقارير امتثال شهرية.
  5. إزالة المخاطر من المسار الأمني: لا ينبغي نشر أي قوة استقرار دولية حتى تخلي القوات النظامية الإسرائيلية المناطق التي ستعمل فيها. ويجب أن تستبعد قواعد اشتباك قوة الاستقرار الدولية غارات نزع السلاح؛ ويجب أن تقود الشرطة الفلسطينية المدققة والمدربة والمراقبة دوليًا الأمن الداخلي. ويمكن أن تكون مهام أمن الحدود ومكافحة التهريب مهام مشتركة لقوة الاستقرار الدولية ومصر وقوة حدود فلسطينية يتم تشكيلها. ويمكن معالجة المخاوف الأمنية لإسرائيل من خلال الاستشعار عن بعد، والممرات منزوعة السلاح، وآليات الاتصال — وليس عمليات إعادة الدخول غير المحددة.
  6. دمج الحوافز الإقليمية دون جعل الدولة رهينة للتطبيع: ستستثمر الدول العربية والإسلامية وتساعد في استقرار قطاع غزة إذا كان هناك مسار حقيقي للدولة الفلسطينية مؤكد وقريب الأجل. أما إذا تم فصل التطبيع عن التقدم في المسار الفلسطيني، فإن الخطة تفقد نفوذها على إسرائيل ومصداقيتها مع الفلسطينيين.

 

ما الذي يجب على السلطة الفلسطينية فعله؟

تواجه السلطة الفلسطينية أزمة شرعية ولكنها أيضا أمام فرصة. يظهر المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية استياءً شعبيًا ساحقًا من الرئيس عباس، وانطباعات عن فساد متجذر، وتفضيلًا واسعًا للانتخابات التي تشمل جميع الفصائل، بما في ذلك حماس. يجب أن تكون الأهداف الاستراتيجية للسلطة الفلسطينية ثلاثية:

  1. جعل وقف إطلاق النار دائمًا: يجب على السلطة الفلسطينية أن تعمل مع حماس ومع الأطراف الإقليمية على التمسك بتسلسل "وقف إطلاق النار أولاً، ونزع السلاح لاحقًا"، وأن تعارض علنًا أي شرط لنزع السلاح كشرط مسبق لإعادة الإعمار (بما يتفق مع الرأي العام)، وأن تقترح آلية امتثال قوية تحمل جميع الأطراف المسؤولية. ويجب أن تدعم دور قوة الاستقرار الدولية في أمن الحدود (الذي يقبله سكان قطاع غزة بفارق ضئيل) وأن تعارض قوة مسلحة مكلفة بنزع السلاح الداخلي (الذي ترفضه الأغلبية).
  2. إعادة بناء الشرعية من خلال الشمولية والإصلاحات: يجب على السلطة الفلسطينية (أ) أن تعلن وتبدأ أجندة محددة زمنيًا لمكافحة الفساد وتقديم كفء للخدمات مع إشراف مستقل؛ (ب) أن تلتزم علنًا بإجراء انتخابات رئاسية وتشريعية في غضون 12-18 شهرًا من استقرار وقف إطلاق النار، وتقبل ترتيبات تصويت بديلة للقدس الشرقية، وتتخلى عن الشروط المسبقة التي تتطلب من المرشحين قبول التزامات منظمة التحرير الفلسطينية السابقة (التي يعارضها معظم الفلسطينيين)؛ (ج) أن تتفاوض على ترتيب انتقالي تكون فيه اللجنة المهنية الانتقالية فلسطينية مختارة ومسؤولة أمام مجلس وطني واسع من الفصائل والمستقلين، مع وجود السلطة الفلسطينية في دور تنسيقي لا قيادي (وهو ما يفضله سكان قطاع غزة، ويعارضه معظم سكان الضفة الغربية ولكن يمكن تحسينه بخطوات شرعية).
  3. استخدام الخطة كمنصة لإعادة إطلاق مفاوضات الوضع النهائي: يجب على السلطة الفلسطينية أن تصر على تحديد المرحلة الثالثة الآن وأن تربط جميع مراحل نزع السلاح في المرحلة الثانية بالتقدم في قضايا الحدود والقدس والمستوطنات والأمن والاعتراف المتبادل. ويجب أن تحشد الشركاء العرب والإسلاميين لربط خطوات التطبيع الرئيسية بتحرك ملموس نحو الدولة.

لن تصلح هذه الخطوات الشروخ العميقة القائمة بطريقة سحرية. لكنها ستوائم سياسة السلطة الفلسطينية مع تفضيلات الجمهور، وتمنح الفلسطينيين فاعلية في حوكمة اليوم التالي، وتزيد من التكلفة على أي طرف — إسرائيلي أو فلسطيني — في إعادة إشعال الحرب.

 

خاتمة

نجحت خطة ترامب في وقف النزيف، لكنها لا تقدم علاجًا للمرض الكامن. فقد حققت الخطة ما لم تستطع سنتان من الاستنزاف تحقيقه: وقف إطلاق النار، وتبادل الرهائن/الأسرى، وانسحاب جزئي. وقد فعلت ذلك من خلال التركيز على المكونات الدنيا للتهدئة والاستفادة من الوساطة الإقليمية. ومع ذلك، فإن استدامتها تقوضها ثلاثة إخفاقات في التصميم: بنية حكم خارجية تهمش الشرعية الفلسطينية؛ أفق سياسي غامض يطمس معالم الدولة؛ ومفهوم أمني يخاطر بوضع قوة دولية في مواجهة لاعبين مسلحين قائمين قبل أن تتغير الظروف السياسية.

إن الرأي العام الفلسطيني، كما وثقه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، لا لبس فيه بشأن القيود: رفض نزع السلاح كشرط مسبق؛ التشكيك في عودة بقيادة السلطة الفلسطينية إلى قطاع غزة؛ الانفتاح — خاصة في قطاع غزة — على إعادة الإعمار بقيادة لجنة مهنية تحت رعاية دولية؛ ومطلب قوي بإجراء انتخابات وإصلاحات لمكافحة الفساد. وإذا كان للخطة أن تنتقل من التهدئة إلى السلام، فيجب إعادة معايرتها وفقًا لهذه الحقائق.

بالنسبة للسلطة الفلسطينية، تمثل اللحظة الحالية خطرًا وفرصة في آن واحد. فالإذعان ببساطة لإطار الخطة يعني تأكيد عدم أهميتها والتواطؤ في إنشاء كيان مُدار خارجيًا في قطاع غزة، مما يضفي الطابع الرسمي على الانقسام الذي طالما ادعت معارضته. ويتطلب المسار الأكثر استراتيجية رفض المنطق الاستعماري للخطة والدفاع عن بديل يرتكز على الشرعية الوطنية. ويجب أن يكون الهدف الأساسي للسلطة الفلسطينية هو الإصرار على إجراء انتخابات رئاسية وتشريعية فورية في جميع أنحاء الضفة الغربية وقطاع غزة وتسهيلها. هذه هي الآلية الوحيدة التي يمكن أن تنتج قيادة جديدة شرعية — سواء بقيادة البرغوثي أو ائتلاف من قوى متعددة — تتمتع بتفويض شعبي للتفاوض باسم الشعب الفلسطيني. ويمكن لهذه القيادة بعد ذلك تشكيل حكومة وحدة وطنية للإشراف على إعادة الإعمار في قطاع غزة، لتحل محل اللجنة المهنية الانتقالية المفروضة من الخارج بهيئة فلسطينية أصيلة. ويمكنها أيضًا التفاوض على شروط وجود دولي، ودعوة قوات دولية ليس كمحتلين أو لنزع السلاح، ولكن كشركاء في تحقيق الاستقرار تحت السيادة الفلسطينية.

تتعامل خطة ترامب مع أزمة القيادة الفلسطينية كعقبة يجب تجاوزها. في الواقع، إن حل هذه الأزمة هو شرط مسبق لأي سلام مستدام. ويجب على المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة، التخلي عن وهم فرض حل، وبدلاً من ذلك استثمار رأسماله الدبلوماسي في تمكين الفلسطينيين من اختيار ممثليهم. فالقيادة التي تتمتع بثقة شعبها هي وحدها القادرة على تقديم التنازلات الصعبة اللازمة لسلام دائم، ومعالجة الأزمتين المزدوجتين: الاحتلال الإسرائيلي والشرعية الداخلية اللتين لا تزالان تعصفان بالشعب الفلسطيني.

في غياب هذه التصحيحات، ستكرر خطة ترامب منطق الجهود السابقة: تنفيذ جزئي، وعنف متجدد، ودورة أخرى من دورات غزة المأساوية.