كانون أول (ديسمبر) 2024 

 

التفاف الجمهور حول برامج حكومة محمد مصطفى واولوياتها المعلنة: هل هو ممكن؟ 
وليد لدادوة 

قبل الرئيس محمود عباس استقالة حكومة محمد اشتية بتاريخ 26 فبراير 2024ـ وهي الحكومة الثامنة عشر بعد ما يقارب 5 سنوات من تشكيلها في اذار2019، وتم تكليف محمد مصطفى بتشكيل الحكومة الفلسطينية والتي استلمت مهامها في 31 اذار 2024.   لا شك ان تشكيل حكومة مصطفى قد جاء في اعقد ظروف يمر بها الفلسطينيون منذ تشكيل السلطة الفلسطينية حيث الحرب الطاحنة على قطاع غزة، وتردي الوضع الأمني في الضفة الغربية، والازمة المالية للسلطة الفلسطينية، وتردي الوضع الاقتصادي، وازدياد معدلات البطالة، والخلاف مع حركة حماس والفصائل الفلسطينية التي رفضت تشكيل هذه الحكومة[1]، وسخط شعبي عارم على أداء السلطة الفلسطينية والحكومة في كافة المجالات. شهدت الحكومة السابقة تراجعا مستمرا في ثقة الناس بها، وذلك منذ توليها وحتى استقالتها، فيما يتعلق بتحقيق أولوياتها التي وضعتها، او بتحقيق طموحات الناس المتوقعة منها. فهل ستنجح حكومة محمد مصطفى في كسب او تحسين ثقة الناس بها؟ وماذا يجب ان تفعل حتى تكسب هذه الثقة؟

نحاول في هذه الورقة القاء الضوء على أولويات الحكومة التي طرحتها، ومدى انسجامها مع أولويات الجمهور الفلسطيني، وما هي الأمور التي يجب ان تركز عليها الحكومة لتحقيق طموحات الفلسطينيين واولوياتهم ولنيل ثقتهم ودعمهم بخلاف ما حدث مع الحكومات السابقة، وتناقش مدى قدرة الحكومة على تحقيق هذه الأولويات.

 

التفاف الجمهور حول الحكومة او برامجها يتطلب فهم مواقفهم ورغباتهم:

قال محمد مصطفى في كلمته بمستهل جلسة الحكومة الأولى "رسالتنا ليست بالالتفاف حول الحكومة؛ بل حول برنامج عملها كبرنامج وطني شامل، وبالتالي يجب أن نكون جميعاً في ذات الجانب، وبذات الجهد الوطني الجامع، في جبهة واحدة، متماسكة ومتينة، لكي نستطيع تنفيذه، ولِيَعبُرَ شعبُنا من أصعب وأحلك الظروف إلى نور الحرية والاستقلال." وقال "ان على الفلسطينيين كافة ضرورة العمل على تمكين الحكومة وتسهيل عملها"[2]. ولكن من الواضح ان التفاف الجمهور حول برامج الحكومة وتمكينها وتسهيل عملها لابد ان يسبقه نيل ثقة هذا الجمهور بهذه الحكومة، ولن يكون هناك التفاف حول الحكومة واسنادها في غياب هذه الثقة.

تشير تصريحات رئيس الحكومة الى رغبته في تعزيز ثقة الجمهور بحكومته. ولكن هذه الرغبة وحدها لا تكفي، وللوصول الى ذلك يجب ان يكون هناك معرفة تامة بما يريده الفلسطينيون وما هي رغباتهم ومواقفهم تجاه الحكومة السابقة وادائها حتى تكسب هذه الحكومة التفاف الفلسطينيين حولها او حول برامجها.

انطباعات الفلسطينيين حول الحكومة السابقة :

لا شك ان حكومة محمد مصطفى، بالإضافة الى تشكيلها في ظروف صعبة كما أشرنا أعلاه، قد جاءت في ظل سخط شعبي وانطباعات سيئة لدى الفلسطينيين عن أداء السلطة كلها بشكل عام وذلك في مستويات عدة. يعاني النظام السياسي من فقدان الثقة لدى الغالبية من الفلسطينيين. تشير نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت خلال السنة الماضية الى ان اغلبية الفلسطينيين في الضفة وغزة لا يثقون برئيس السلطة (73%)  (بنسبة بلغت 75٪ في الضفة الغربية و71٪ في قطاع غزة)، كما ان نسبة من 74٪ لا تثق بالحكومة الفلسطينية و58% لا يثقون بالشرطة الفلسطينية وبقوات الامن الوطني، كما يعبر ثلثا الفلسطينيين عن عدم ثقتهم بالمحاكم والجهاز القضائي. و تشير النتائج أيضا الى ان الثقة في قدرات الحكومة السابقة منذ توليها وحتى اليوم قد انخفضت بشكل دراماتيكي فيما يتعلق بتحقيق أهدافها التي وضعتها، فقد انخفض الاعتقاد بقدرتها على تحقيق المصالحة من 33% في حزيران 2020 الى  15%  في حزيران 2023ـ، كما انخفض الاعتقاد بنجاحها في اجراء انتخابات تشريعية ورئاسية من 34% الى 16% في نفس الفترة، وانخفض الاعتقاد بقدرتها على تحسين الوضع الاقتصادي من 34% الى 16% خلال نفس الفترة . ويقيم 62% أداء السلطة بتوفير الامن بالسيء،  و85% يقيمون أدائها بالحفاظ على الأسعار منخفضة بالسيء، و81% يقيمون أدائها بتقليل الفجوة بين الأغنياء والفقراء بالسيء.[3]

اضف الى ذلك ان هناك سخطا لدى غالبية الفلسطينيين فيما يتعلق بأداء الحكومة حول تقديم الخدمات الأساسية، فقد قال 64% انهم غير راضين عن هذا الأداء بشكل عام حيث أن 51% غير راضين عن النظام التعليمي، 52% غير راضين عن النظام الصحي، و57% غير راضين عن جودة الشوارع، و53% غير راضين عن النظافة العامة، ويرى 79% ان الحكومة غير متجاوبة مع ما يريده الناس. يزداد الامر سوءا بسبب اعتقاد الغالبية الساحقة (85٪) بوجود فساد في مؤسسات السلطة الفلسطينية في الوقت الذي تعتقد الغالبية أيضا ان الحكومة لا تقوم بمكافحة الفساد. [4]

في ظل هذه المعطيات لا بد لحكومة محمد مصطفى، إذا كانت جادة في رغبتها بالتفاف الجمهور حولها وحول برنامجها، ان تكون مدركة لانطباعات الجمهور السلبية هذه حول مصداقية السلطة وأن تدرك أن قدرتها على احداث تغييرات إيجابية ذات مغزى لن يكون ممكنا إذا لم تضع في اعتباراتها اوليات الجمهور الراهنة، وان تظهر الجدية في العمل على تحقيقها بشكل يقنع الجمهور بمصداقيتها.

 

أولويات الجمهور الفلسطيني

أشار الاستطلاع الأخير الذي أجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية قبل الحرب على غزة الى ان اهم التحديات التي يواجهها المجتمع الفلسطيني هي تلك التي تتعلق بحياتهم اليومية وظروف معيشتهم وامنهم، فمن بين قائمة من التحديات اعتبرت النسبة الأكبر (29%) ان اهم هذه التحديات هو الوضع الاقتصادي، يليه عدم الاستقرار والامن الداخلي، ثم الفساد المالي والإداري (18%) ثم إرهاب المستوطنين (13%). فشلت كافة الحكومات السابقة في اقناع الجمهور بجديتها في العمل على مواجهة هذه التحديات، وازدادت الانطباعات تدريجيا لدى الناس بعدم الثقة بجدية الحكومة في العمل على تغيير الوضع الراهن.[5] لكن الحرب على غزة غيرت الأولويات حيث أصبح هم الكل الفلسطيني هو انهاء الحرب وتقديم الإغاثة الى قطاع غزة، كما تعاظم إرهاب المستوطنين وأصبح يهدد امن الفلسطينيين بشكل مضاعف.[6]

جاءت حكومة مصطفى للتعامل مع التحديات الجديدة التي انشأتها الحرب على قطاع غزة وما يعانيه الفلسطينيون أثر هذه الحرب، ولا شك ان اول أولويات الكل الفلسطيني في الوقت الراهن هو انهاء الحرب والقتل والتجويع الذي يقع على قطاع غزة. كما ان تردي الوضع الاقتصادي، وغياب الامن وازدياد ارهاب المستوطنين، وانتشار الانطباعات حول الفساد المالي والإداري هي أيضا من ضمن هذه الأولويات. يشير استطلاع المركز الفلسطيني في سبتمبر 2024 الى ان للجمهور رؤيته الخاصة في اهم التدابير الذي يجب ان تقوم بها الحكومة والنظام السياسي لمعالجة أثر هذه الحرب. ترى النسبة الأكبر (42%) ان تشكيل حكومة وحدة وطنية للتفاوض مع إسرائيل والمجتمع الدولي يجب أن تكون هي الأولوية الأولى، وترى نسبة من 38% ان تحقيق المصالحة وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة هو الأهم، فيما ترى نسبة من 16% أن الأولوية يجب أن تذهب نحو قيادة عملية تقديم الخدمات الإنسانية لسكان قطاع غزة بالتعاون مع مصر والمجتمع الدولي.[7] 

 

أولويات حكومة محمد مصطفى

صرح محمد مصطفى، أن حكومته ستركز على ثلاث أولويات[8]، لما فيها من احتياجات طارئة وملحة لا تحتمل التأخير، وهي:

1) تخفيف معاناة أبناء شعبنا في قطاع غزة، بدءاً بالاحتياجات الطارئة للإغاثة الإنسانية، وانتهاءً بإعادة الإعمار، أمام الحرب الإجرامية والإبادة المتواصلة،

2) تحقيق استقرار الوضع المالي، بما يحقق الأمن الاقتصادي والاجتماعي، ويحافظ على متانة المؤسسات المالية والاقتصادية.

3) تنفيذ برنامج عمل طموح لإصلاح وتطوير أداء المؤسسات العامّة، من أجل تحقيق مزيد من الإنتاجية والشفافية والمساءلة، من خلال مراجعة وتصويب كثير من الإجراءات لتحقيق هذا الهدف.

 

تحتوي الأولويات وتفاصيلها التي وضعتها الحكومة في طياتها جزءا كبيرا من الأولويات التي يريدها الفلسطينيين، وخاصة فيما يتعلق بإنقاذ غزة، وتحسين الوضع الاقتصادي، ومحاربة الفساد المالي والإداري. في المقابل، تجاهلت القائمة اولويتين هامتين لدي الجمهور وهما إرهاب المستوطنين وعدم الاستقرار والامن الداخلي. وهذان امران كل يجب على الحكومة ان تتطرق لهما بشكل مفصل لأهميتهما لدى الجمهور في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة، كما قال مصطفى، لكسب التفاف الجمهور حولها.

كما تبقى هذه الأولويات خطابية، بل ان الجمهور لا يكاد ينظر الى ما تعلنه الحكومة من خطط وبرامج وانما يحاكمها على ما يراه من تلبية رغباته واولوياته واقعيا. فمن الناحية النظرية فان برامج كافة الحكومات السابقة كانت مقبولة ولكنها بقيت على الورق وهو ما لا يرضي الجمهور. فثقة الجماهير والنخب السياسية في التزام النظام السياسي ككل بوعوده او قراراته متدنية. فقد إشارت استطلاعات الرأي العام مثلا إلى ان حوالي 60% من الجمهور اعتقدوا ان اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لن تنفذ قرارات اتخذتها بشان العلاقة مع الاحتلال،  ويقول عصام حج حسن[9] مدير ائتلاف امان بخصوص التزام الحكومة الجديدة بتنفيذ برامجها "ان برنامج الحكومة كما الحكومات السابقة من الناحية النظرية جيد ولكنه من الناحية العملية قد يفشل كما فشلت كافة الحكومات السابقة في تحقيق برامجها الاصلاحية لعدم وجود مجلس تشريعي يسائل الحكومة على تحقيق النتائج أو لضعف الارادة السياسية الحقيقية للاصلاح من قبل اطراف من خارج الحكومة".

كما يشير استطلاع رأي اجراه المركز الفلسطيني بعد ستة شهور على تشكيل حكومة مصطفى الى ان 15%[10] فقط من الفلسطينيين راضين عن دور حكومة محمد مصطفى في الحرب على غزة، وهو من المفروض الامر الذي تشكلت الحكومة من اجله. وتشير أيضا الى ان الغالبية العظمى من الفلسطينين يرون ان حكومة مصطفى لن تنجح في تحقيق أي من الأولويات التي قالت انها ستعمل عليها،  إذ تقول نسبة من 71% أنها لن تنجح في إغاثة قطاع غزة وإعادة إعماره في المستقبل، وترى  أغلبية مماثلة (69%) انها لن تنجح في القيام بإصلاحات لم تكن الحكومة السابقة برئاسة محمد اشتيه قادرة على القيام بها، حيث تقول نسبة من 75% أن الحكومة لن تنجح في الدفع نحو المصالحة وتوحيد الضفة والقطاع، وتقول نسبة من 72% أنها لن تنجح في تحسين الأوضاع الاقتصادية في الضفة والقطاع، وتقول نسبة من 73% أنها لن تنجح في إجراء انتخابات تشريعية ورئاسية.

يعزز هذه النتائج ما تصرح به الحكومة نفسها، فبالرغم من أن الحكومة تقول أنها وضعت الخطط للإغاثة والاعمار في غزة، وتوحيد المؤسسات في الضفة وغزة، والقيام بإصلاح مؤسساتي شامل، الا انها تقر انها حتى هذه اللحظة ما زالت في مكانها عاجزة عن عمل شيء حقيقي من الممكن ان يلمسه الجمهور. يقول وزير التخطيط في مقابلة أجريت معه في 19 نوفمبر 2024 مع جريدة القدس[11]، وذلك بعد اكثر نصف عام على تولي الحكومة مهامها والتي تم تشكيلها من أجل التعامل مع الوضع الذي فرضته الحرب على قطاع غزة وكان هذا اول أولوياتها: "أما في غزة، فإن الوضع الإنساني يتسم بالتعقيد الشديد، حيث تكمن أبرز التحديات في القيود المفروضة على الحركة والبنية التحتية المدمرة بشكل متكرر. أبرز ما نستطيع فعله هو إيصال صوت أطفالنا الصارخ إلى العالم، مطالبين بأن تستغل الدول ذات التأثير القوي في المجتمع الدولي للضغط على الاحتلال الإسرائيلي لوقف العدوان وإيقاف الدمار المستمر في غزة. كما نطالب أيضاً بزيادة المساعدات الإنسانية لتلبية احتياجات السكان المنكوبين."

وأما فيما يتعلق ببرنامج الإصلاح المؤسساتي، وهو الأولوية الثانية التي وضعتها الحكومة، فيقول الوزير: " كما وضعنا خطة إصلاحية وبدأنا بالفعل في تنفيذ جزء منها، لكن الجزء الأكبر من الخطة الشاملة لم نبدأ العمل فيه بعد. نحن على وشك البدء في تنفيذ باقي الخطة بعد استكمال النقاشات الداخلية في الحكومة حولها."[12]

حتى هذه اللحظة لا يوجد ما يشير الى أن هذه الحكومة تختلف عن الحكومات السابقة، فلا يوجد تقدم ملموس في تحسين الوضع الاقتصادي، وتوفير رواتب الموظفين، ولا توجد مؤشرات ملموسة في عملية اصلاح الفساد المالي والإداري، ولا مؤشرات ملموسة على العمل فيما يتعلق بقطاع غزة وإعادة الاعمار والإغاثة. كما ان الحكومة لم تبدي أي تقدم قيما يتعلق بأولويات الجمهور الأخرى، فلا تقدم في مجال توفير الامن للسكان المهددين من قبل المستوطنين، ولا في الاستقرار والامن الداخلي. حتى يثبث العكس، ستبقى قناعة الجمهور أن خطط الحكومة وبرامجها ستبقى دوما في طور الشعارات والامنيات التي لا يكترث لإمرها.

 

توصيات:

كيف يمكن للحكومة أن تغير هذه النظرة بما يجعل من الممكن التفاف الجمهور حولها؟ إذا ارادت الحكومة فعلا تغيير انطباعات الناس حولها، والتفافهم حول برنامجها او عملها لابد لها بالقيام بالأمور التالية والتي من شانها ان تجعل الجمهور يشعر بأن الحكومة جادة في المضي قدما بما أعلنته وبما يلبي رغبات وأولويات المواطنين:

1) إنهاء الحرب واغاثة أهلنا في غزة وإعادة الاعمار: جعلت الحكومة أحد اهم أولوياتها معالجة ما يعانيه أهلنا في القطاع ووضعت خطة طوارئ لذلك. ولكن لا يبدو ان الجماهير ولا النخب السياسية ترى تطبيقا مؤثرا على ارض الواقع يوحي بان الحكومة جدية في ذلك، وعليه لا بد للحكومة من اتخاذ بعض الإجراءات العملية والتي يلمسها الجمهور مثل:

  • إن تشكيل حكومة وحدة وطنية للتفاوض مع إسرائيل والمجتمع الدولي هي، كما ذكرنا أعلاه، الأولوية الاولى للجمهور من بين التدابير التي من شأنها تخفيف المعاناة على أهلنا في غزة. وبالتالي فإن على الحكومة، رغم أن تشكيلها أصلا قد حاء معاكسا لذلك، ان تسعى بكل جهد للتواصل لتوافق مع حركة حماس والقوى الفلسطينية الأخرى والتشاور بشأن تشكيل مواقف موحدة تجاه العدوان والإغاثة وغيره.
  • يشكل تحقيق المصالحة وإعادة توحيد الضفة الغربية والقطاع الأولوية الثانية وهي أيضا تخدم كتدبير فعال في التخفيف على أهلنا في القطاع. قد يتجاوز هذا الامر صلاحيات الحكومة وقدرتها ولكن لا بد للحكومة ان تبرهن للجمهور رغبتها في التحرك بهذا الاتجاه.
  • على الحكومة تشكيل لجنة بمستوى عالي وبصفة دائمه تتخذ من مصر مقر لها تقوم بالعمل على الاشراف والتنظيم والضغط لتوفير المساعدات الغذائية والطبية وغيرها لسكان القطاع. على هذه اللجنة أن تقود ضغوطات دولية وجماهيرية على كافة المستويات من خلال المؤسسات الدولية والمحلية والمجتمع المدني وحشد ما يمكن بطريقة منظمة وممنهجة ومستمرة.
  • على رئيس الوزراء زيارة قطاع غزة واتخاذ مقر مؤقت له هناك هدفه الاشراف على عمل هذه اللجنة مباشرة لمدة زمنية ولو قصيرة، ويكون ذلك بالتوافق المعلن او غير المعلن مع حركة حماس ومصر والمؤسسات الدولية المعنية.

 

2) مواجهة اعتداءات المستوطنين: على الرغم من ان الحكومة لم تعط هذه الأولوية حقها في خطتها إلا أنها ذات أولوية بالغة لأنها تتعلق أولا بحياة وأمن المواطنين، وتؤثر ثانيا علي نظرة المواطنين للأجهزة الأمنية ودورها في العمل الوطني وتوفير الأمن، وتتعلق ثالثا بالنظرة العامة تجاه السلطة والحكومة ومدى ضعفهما وخضوعهما للاحتلال.

تشكل اعتداء المستوطنين تهديدا للكل الفلسطيني، فهو غير مقتصرة على المناطق المصنفة (جيم)، التي لا تخضع لسيطرة السلطة الفلسطينية من حيث صلاحية فرض النظام والقانون، بل تشمل الاعتداءات كافة المناطق بما في ذلك مناطق (باء) وحتى مناطق (ألف) التي تخضع شكليا لسيطرة السلطة الفلسطينية القانونية والإدارية والأمنية. شهد عامي 2023 و2024 ارتفاعا في وتيرة اعتداءات المستوطنين على كافة المناطق الفلسطينية، حيث كان قد سجل 1300 اعتداء في عام 2023 لوحده، بزيادة بلغت 40% عن العام الذي سبقه. في استطلاع أجراه المركز الفلسطيني في نهاية سبتمبر وحتى 12 أكتوبر 2023 [13] قال 80% من سكان المناطق المصنفة  (جيم)  و73% من سكان مناطق (باء) و61% من سكان مناطق (ألف) أنهم يخشون حصول اعتداءات من المستوطنين عليهم. كما وجد الاستطلاع ان 56% من سكان مناطق (جيم)  و21% في مناطق (باء) و7% من مناطق (ألف) قد تم فعلا الاعتداء عليهم من قبل المستوطنين.

وعليه لا بد للحكومة ان تظهر جدية في التعامل مع هذا الامر خاصة وان الجماهير والنخب السياسية واطياف المجتمع المختلفة على حد سواء يتوقعون منها ذلك (يقول جهاد حرب[14]: "يمكن للحكومة ان تعمل، بل يجب عليها ان تعمل، في حماية المواطنين من المستوطنين سواء بنشر قوات امن وطني او غيره." ويقول عصام حج حسن[15]: "على الرغم من ان الحكومة مقيدة بصلاحيتها بالاتفاقيات ولكن يمكن للحكومة الاستفادة من افراد المؤسسة الأمنية في مناطق سكناهم في تشكيل لجان دفاع ضد المستوطنين."

يمكن للحكومة ان تظهر للمواطن جديتها من خلال اتخاذ خطوات تشمل ما يلي:

  • تحديد المناطق الأكثر عرضة لاعتداءات المستوطنين
  • نشر قوة شرطية بصفة دائمة في هذه المناطق قد يكونون من سكان هذه المناطق من افراد الأجهزة الأمنية المختلفة (الشرطة والامن الوطني والمخابرات والوقائي وغيرها) وانتدابهم للعمل في جهاز الشرطة لتغطية كافة هذه المناطق بصفة دائمة، مع العلم ان 27% من الجمهور يرغبون في نشر قوات شرطية في تلك المناطق لحمايتهم من المستوطنين، وذلك كما اظهر استطلاع اجراه المركز الفلسطيني[16].
  • سيشكل هذا الامر عامل ضغط على الجيش الإسرائيلي لمنع المستوطنين من هذه الاعتداءات مخافة تعرضهم للأذى عند مواجهتهم للقوات الشرطية الفلسطينية وذلك إضافة للضغوط التي يجب ممارستها من قبل الحكومة على الجانب الإسرائيلي من خلال المجتمع الدولي. 
  • العمل على تشكيل لجان شعبية بصفة دائمة في المناطق الأخرى الاقل عرضة للهجمات لحماية المواطنين، حيث قد يكون تشكيل هذه الجان، حتى وإن كانت غير مسلحة، رادعا للمستوطنين يمنعهم من الذهاب لتلك المناطق وتنفيذ اعتداءاتهم.

إذا اثبتت هذه الخطوات قدرتها في منع اعتداءات المستوطنين فإن أكثرية الفلسطينيين قد يتخلون عن المطالبة بتشكيل مجموعات مسلحة من سكان المناطق المستهدفة لمواجهة اعتداءات المستوطنين. إن تشكيل هذه المجموعات قد يزيد من فرص التصادم بين المواطنين والجيش الإسرائيلي وقد تزيد من فرص التصادم بين الجماهير والسلطة الفلسطينية والأجهزة الأمنية عند محاولة هذه السلطة اعتقال أو نزع السلاح ممن يحملونه.

 

3) تحسين الوضع الاقتصادي: يمكن رؤية تفاقم الوضع الاقتصادي في تقلص قدرة السلطة على دفع رواتب الموظفين العمومين الكاملة وتعطل العمل داخل إسرائيل وضعف الانتاج بسبب القيود الاسرائيلية علي الحركة والتنقل. صحيح ان السلطة تعاني من ازمة مالية خانقة، ولا يوجد فرصة للاستقرار المالي في المنظور القريب في ظل الحكومة الإسرائيلية الحالية، وفي ظل عدم رغبة الدول العربية في دعم السلطة الفلسطينية في شكلها الحالي، وفي ظل الضغوط التي يمارسها الأوروبيين والولايات المتحدة كثمن للدعم. رغم ذلك لا بد للحكومة في ظل هذه الظروف ان تتخذ بعض الإجراءات التي يلمسها المواطن ويشعر بصدقها حتى تستطيع تعزيز ثقة المواطن فيها ومنها:

  • ترشيد المصروفات الحكومية والخاصة بكبار الموظفين بشكل يلمسه المواطن.
  • دفع كامل الراتب للموظفين الذين تبلغ رواتبهم 3000 واقل حيث أن هؤلاء هم الفئة الأكبر جماهيريا والأكثر تضررا من الوضع الحالي.
  • الترتيب مع البنوك بما يتعلق بالقروض بحيث لا تشكل عبئا على رواتب الموظفين المجزئة أصلا، والطلب من الشركات التي تقدم الخدمات العامة، مثل الكهرباء والماء والاتصالات والجامعات، بإجراء ترتيبات تخفف العبء على المواطنين، من خلال تأجيل او تجزئة الفواتير وغيرها بدون فوائد.

 

4) إصلاح مؤسسات السلطة ومحاربة الفساد: يشكل اصلاح مؤسسات السلطة ومحاربة الفساد أحد اهم الأولويات التي تبنتها الحكومات السابقة وأحد أهم أولويات الفلسطينيين على سواء. الا ان الأداء الفعلي للحكومات المتتالية على الأرض لم يكن مرضيا للفلسطينيين. فما زالت الأغلبية العظمى منهم تعتقد بوجود فساد في مؤسسات السلطة، وما زالت تعتقد الأغلبية أيضا ان السلطة تشكل عبء على الشعب الفلسطيني. ليست المشكلة في الخطة التي تضعها الحكومة ولكن المشكلة، كما يرى العديد من الباحثين والسياسيين، تكمن في قدرة الحكومة على تنفيذ هذه الخطة، كما يقول عصام حج حسن[17]: "إن عملية إصلاح حقيقية هي عملية أكبر من قدرات الحكومة". ويقول جهاد حرب مدير مركز ثبات للبحوث[18]: "إن عملية الإصلاح تحتاج الى خطوات جراحية لا تقتصر على الحكومة فقط".  والأكثر من ذلك انهم يرون انه لا يمكن إجراء خطة إصلاح حقيقية من قبل الحكومة. يقول عصام حج حسين: "المطلوب هو أكبر من الحكومة، لأن منظمة التحرير هي جزء من عملية الإصلاح، الأجهزة الأمنية هي جزء من عملية الإصلاح، القطاع الخاص جزء من عملية الإصلاح، والأحزاب السياسية أيضا. وبالتالي لا يمكن ان تنجح عملية الإصلاح الا إذا كانت عملية شمولية".  أشار علاء لحلوح في ورقة تم نشرها بعد تشكيل حكومة مصطفى تتعلق بالتحديات التي تواجه عملية الإصلاح بين فيها حجم التحديات التي تواجه هذه العملية والإنجازات المحدودة من قبل الحكومة في ذلك. خلص لحلوح الى نتيجة ان الحكومة بوضعها الحالي وبعدم توفر الثقة الجماهيرية غير قادرة على عملية اصلاح حقيقية: "لا تمتلك هذه الحكومة قاعدة شعبية مساندة، ولا ثقة جماهيرية ذات مغزى، ولا تمتلك ثقة برلمانية، بل ولا تمتلك تفويضا فصائليا مهما قل وزنه. بل تظهر الوقائع على الأرض حتى اللحظة ان هذه الحكومة لا تمتلك الرؤية ولا الجرأة ولا إمكانيات لمواجهة هذه التحديات.[19]"

مع ذلك لا بد للحكومة من القيام بالأمور التالية إذا ما ارادت ان تشعر الجمهور والسياسيين ومنظمات المجتمع المدني بأنها جدية في الإصلاح ومحاربة الفساد:

  • العمل على تشكيل لجنة وطنية تضم كافة الاطياف الفلسطينية المؤثرة والقادرة على اتخاذ خطوات عملية على الأرض لتنفيذ عملية اصلاح حقيقية بحيث تضم الحكومة ومنظمة التحرير والأحزاب السياسية والمجتمع المدني والقطاع الخاص والأجهزة الأمنية وتتكون من اشخاص مشهود لهم بالمصداقية والوطنية والخبرة، وتعمل بشكل مهني دون الرضوخ لاي ضغوطات من أي جهة كانت.
  • تفعيل محكمة جرائم الفساد بشكل جدي والتدليل للجمهور ان مسئولين متهمين بالفساد يحاكمون فعلا أمام تلك المحكمة.

 

5) اصلاح اليات التواصل مع الجماهير:  بالإضافة الى الأمور المذكورة لا بد من ان تقوم الحكومة بتحسين عملية التواصل مع الجمهور بشكل مباشر وبوتيرة عالية لتظهر لهم الخطوات التي تقوم بها في المحاور الأربعة المذكورة أعلاه والإنجازات التي حققتها والصعوبات التي تواجهها. كما يجب على الحكومة ان تكون صادقة في خطابها مع الجمهور والابتعاد عن الوعود النظرية التي لا تستطيع تحقيقها. يوضح الكاتب جهاد حرب في ورقة تم نشرها مؤخرا بعنوان "الاتصال والتواصل المجتمعي ضرورة لإعادة رسم صورة الحكومة" مدى ضعف الاتصال والتواصل المجتمعي للحكومة وكيف يؤثر ذلك على صورة الحكومة امام الجماهير. يقول حرب: "مما لاشك فيه أنّ نجاح أي حكومة محمولٌ على الاستثمار في الاتصال والتواصل المجتمعي "الإخبار والإعلام التفاعلي" باعتبارهما ضرورة لتوضيح صورتها أمام المواطنين وبذات القدر مهمة لذات الحكومة نفسها لفهم مكامن الخلل وركائز النجاح من جهة، ولقدرتها على الوصول للمواطنين والاستجابة لاحتياجاتهم وفهم انطباعاتهم وطرق معالجتها من جهة ثانية، وتغيير الصورة النمطية عن الحكومة من جهة ثالثة، والتأثير في سلوكيات المجتمع وتحفيزهم للشراكة المجتمعية والمساهمة في تحمل الأعباء؛ خاصة أنّ المواطنين يدركون الظروف الصعبة التي تشكلت في ظلها حكومة د. محمد مصطفى من حيث استمرار الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة وتفاقم الأزمة المالية وتردي الوضع الأمني بفعل الاحتلال في الضفة الغربية"[20]

 

 الخلاصة: 

هناك إذا إمكانية لاستعادة ثقة الناس بالحكومة والالتفاف حول برامجها ومساندتها. ولكن هل تستطيع الحكومة بوضعها الحالي، او هل لدى الحكومة قدرة على ان تعمل حسب أولويات الجمهور؟ بالنظر الى الراي العام ومتطلبات نيل ثقته فإن الجواب على ذلك يرتبط بقدرتها أولا علي تشكيل حكومة وحدة وطنية للتفاوض مع إسرائيل والمجتمع الدولي. لكن هذا لا يبدو أمرا تسعى له الحكومة ولا النظام السياسي، فهذه الحكومة تشكلت بدون توافق مع حركة حماس وهي غير مقبولة لدى هذه الحركة. كما أن أولوية الجمهور الثانية وهي تحقيق مصالحة فورية وإعادة توحيد الضفة الغربية وقطاع غزة هي أيضا خارج أولويات حكومة مصطفى.  هناك إذا فجوة بين تطلعات الحكومة نحو كسب ثقة الجمهور وقدراتها الفعلية على نيل هذه الثقة. وعلى الرغم من ان التوصيات التي قدمت في هذه الورقة قد تقلل من هذه الفجوة إلا ان كسر الفجوة بشكل كامل سبقى صعب المنال في المدى المنظور.

 

[4] المصدر السابق

[9] عصام حج حسن ، المدير التنفيذي لائتلاف امان، مقابلة شخصية، مقابلة شخصية، 1 تموز (يوليو) 2024

[12] المصدر السابق

[14] جهاد حرب، المدير التنفيذي لمركز ثبات للبحوث، مقابلة شخصية، 4 تموز (يوليو) 2024

[15] عصام حج حسن، مصدر سابق

[17] عصام حج حسين، مصدر سابق

[18] جهاد حرب ، مصدر سابق