بعد أزمة سياسية هي الأطول في تاريخ إسرائيل، استمرت لأكثر من خمسمائة يوم وتخللتها ثلاث عمليات انتخابية في أقل من عام، استطاع رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو تشكيل حكومته التي نالت مصادقة البرلمان "الكنيست" في السابع عشر من شهر أيار الماضي بحصولها على دعم غالبية الأعضاء (73 مقابل 46)، وذلك بعد أن نجح في عقد اتفاق مع خصمه بيني غانتس زعيم حزب "أزرق- أبيض"، وبذلك ضمن لنفسه حكومة مستقرة لمدة ثلاث سنوات على الأقل أو إلى متى يشاء في فترة ولاية الكنيست الممتدة إلى أربع سنوات.
الحكومة الإسرائيلية الجديدة هي حكومة يمينية على الرغم من أنها حكومة وحدة "طوارئ" أقيمت مناصفة بين أحزاب اليمين "الليكود" و"شاس" و"يهدوت هاتوراة" وبين حزب "أزرق- أبيض" المحسوب سياسياً في خانة الوسط الأقرب لليمين بالإضافة إلى حزب "العمل" و"جيشر" ولهما ثلاث وزارات. وقد استطاع نتنياهو تحت شعار مواجهة جائحة كورونا والتحديات الناشئة عنها وعدم الرغبة في انتخابات رابعة، أن يتوصل مع غانتس إلى اتفاق في القضايا التي اختلفا حولها وخاصة في السياسة الداخلية كالحفاظ على الديمقراطية والفصل بين السلطات واستقلالية السلطة القضائية، والسياسة الخارجية بشأن سبل تطبيق خطة الرئيس الأميركي دونالد ترامب المسماة "صفقة القرن".
هذه الورقة تريد فحص أفق العلاقة مع الحكومة الإسرائيلية الجديدة من حيث أنها إما علاقة تقوم على التنسيق والتعاون أو على الصدام والمواجهة. وأيٌ من هذين الاحتمالين سيكون رهنٌ بمجموعة من العوامل التي يمكن أن تؤثر في السياسة الإسرائيلية تجاه الفلسطينيين، والتي من شأنها أن تقود إلى احتمال من الإثنين من قبيل مدى استقرار الائتلاف الحكومي ودور الشخصيات المركزية في "أزرق-أبيض" ووزارتي الخارجية والدفاع في التأثير على اندفاع نتنياهو. والموقف الفلسطيني وتطورات الوضع على الأرض، واحتمالات الحرب مع إيران أو في غزة، وعلاقة الحكومة مع دول الإقليم وخاصة الدول التي لها اتفاقات سلام مع إسرائيل، والموقف الأوربي، وموقف الحزب الديمقراطي الأميركي الذي يعارض رؤية ترامب، وكذلك موقف اليهود في الخارج وخاصة في الولايات المتحدة. ثم ما هي التوصيات التي تطرحها للقيادة الفلسطينية للتعامل مع الوضع الجديد وآفاق تطوره في اي من الاتجاهين المذكورين.
الإئتلاف الحكومي الإسرائيلي:
فور الاتفاق على التناوب بين نتنياهو وغانتس برزت شكوك في تنفيذ الأول للشق المتعلق بتسليم رئاسة الحكومة إلى رئيس الحكومة البديل غانتس الذي غامر بمستقبله السياسي بالاتفاق مع نتنياهو الذي تميز بتحطيم خصومه السياسيين ممن شاركوه الحكم. ولكن غانتس وجماعته يدعون أنهم بالرغم من كل شيء فإن وجودهم في الحكومة هو عمل "وطني" سيتيح لهم الفرصة للتأثير على القرار في كل القضايا التي تهم الجمهور ومصلحة دولة إسرائيل سواء أكانت داخلية بحت أم لها ارتباطات إقليمية ودولية ومن بينها العلاقة مع الفلسطينيين وموضوع خطة ترامب. فحزب "أزرق-أبيض" يؤيد خطة ترامب كرزمة واحدة ولا يدعم ضماً أحادي الجانب. كما أن زعيمي الحزب غانتس وغابي اشكنازي يعتقدان أن وجودهما في وزارتي الدفاع والخارجية يمكن أن يتيح لهم قدرة أكبر على التأثير في موقف الحكومة؛ ففي مراسم استلام حقيبة الدفاع من نفتالي بينت في 18/5/2020 (القناة 13 العبرية)، قال غانتس أنه ملتزم ببذل كل ما في وسعه لحث الترتيبات السياسية والسعي من أجل السلام، و"دفع خطة الرئيس ترامب للسلام بكل ما تتضمنه". أما اشكنازي فقد صرح في مقابلة تليفزيونية مع "يديعوت أحرونوت" في 3 فبراير شباط الماضي أن ضم المستوطنات بدون الحوار مع الجيران يعتبر عملاً غير مسؤول، وأن خطة ترامب جيدة كرزمة واحدة؛ ومعروف عن اشكنازي أنه يؤيد حل الدولتين مع رغبة في الحفاظ على غور الأردن تحت سيطرة إسرائيل ولكن في إطار اتفاق سلام. فيما قال غانتس في 27/5/2020 (موقع عرب 48) أنه في الأسابيع القليلة القادمة سيجري البحث بشكل مهني من خلال وزارتي الدفاع والخارجية في سبل العمل الصحيحة من أجل تحقيق النتائج التي ستحافظ على المصالح الأمنية والسياسية لإسرائيل، وأنهم سيعملون بحكمة ومسؤولية.
لا شك أن هناك خلافاً بين "الليكود" و"أزرق-أبيض" بشأن القضايا السياسية وحل الدولتين. وهذا الخلاف برز في الأيام القليلة الماضية بتراشق الانتقادات والاتهامات بين مسؤولين في الحزبين، حيث هاجمت الوزيرة ميري ريغف "ليكود" بيني غانتس في مقابلة مع صحفية "يديعوت" (28/5/2020)، واتهمته بالشخص الضعيف ووصفته بأنه غير ناضج بما يكفي لتولي منصب رئيس الحكومة وأنه سيمر بتجربة اختبار خلال العام والنصف القادمين لرؤية إن كان سيتعلم وينضج للوصول لهذا المنصب. ونقلت الإذاعة الإسرائيلية "كان" (30/5/2020) عن مسؤولين في حزبي "أزرق-أبيض"، و"الليكود" وجود خلاف حول تفسير بنود اتفاق الشراكة بينهم خاصة فيما يتعلق بضم المناطق الفلسطينية حيث ادعت جماعة "أزرق-أبيض" أن نتنياهو لن يستطيع الضم بدون موافقة غانتس، فيما قال مسؤولون في "الليكود" أن نتنياهو لديه الصلاحية بالقيام بذلك، وهناك من يتوقع انفراط عقد الائتلاف إذا ما عمد نتنياهو على اتخاذ قرار أحادي.
تتحدث بعض الأوساط الإسرائيلية عن عدم وجود حماس أميركي لخطوات إسرائيلية أحادية، ونقل مراسل الشؤون الإسرائيلية في موقع "المونيتور" الأميركي بن كاسبيت عن مسؤول رفيع المستوى أن أصدقاء نتنياهو في البيت الأبيض امتنعوا خلال الأسبوعين الماضيين عن الرد على اتصالاته المتكررة، وأن كبير مستشاري الرئيس الأميركي جاريد كوشنير وزوجته إيفانكا ترامب "غير متحمسين لفكرة الضم بالنظر إلى ظروف اللعب الحالية". وأضاف الموقع أن مشكلة نتنياهو الرئيسية أنه "غير قادر على قراءة نوايا واشنطن الحقيقية في هذه المرحلة". ولهذا قد يلجأ نتنياهو للقيام بضم رمزي لمستوطنة أو عدد قليل من الكتل الاستيطانية التي كان يجري الحديث عن ضمها لإسرائيل في إطار تبادل الأراضي مع الفلسطينيين.
يبدو أن الائتلاف الحكومي سيعاني من عدم استقرار بما يكفي للصمود لثلاث سنوات، وهناك شكوك في نوايا نتنياهو تجاه تولي غانتس لرئاسة الحكومة بعد سنة ونصف وقد يلجأ قبل ذلك لانتخابات مبكرة، وهو يحاول استثمار وجود "أزرق-أبيض" لتمرير سياسته. كما يواجه نتنياهو موقفا متحفظا للقيادات الأمنية على خطة ترامب والضم أحادي الجانب؛ مع العلم أن رئيس هيئة الأركان الحالي أفيف كوخافي ورئيس جهاز الأمن العام "الشاباك" نداف أرغمان قد نجحا في ثني نتنياهو عن ضم غور الأردن بصورة أحادية الجانب عشية الانتخابات ما قبل الأخيرة في أيلول سبتمبر الماضي. فقد تراجع نتنياهو على خلفية معارضة كبار موظفي وزارتي الخارجية والدفاع وكبار الضباط ("هارتس"27/5/2020) وربما ينجح هؤلاء مرة أخرى في تأجيل قرارات نتنياهو وبالتالي يوفروا على الفلسطينيين امكانية الصدام ولو إلى حين.
الموقف الفلسطيني:
اظهر استطلاع الرأي الذي اجراه المركز الفلسطيني للبحوث السياسية والمسحية، الذي أجري بعد اعلان الإدارة الامريكية عن خطة الإدارة الأمريكية المعروفة باسم "صفقة القرن"، وجود إجماع فلسطيني (94%) ضد الصفقة وضد بنودها كلها، واشارت النتائج أيضا إلى أن ثلثي الجمهور ( 65%) أيدوا إعلان الرئيس عباس ضد الصفقة بأنه لن تكون هناك علاقات مع إسرائيل وأمريكا بما في ذلك العلاقات الأمنية وأن على إسرائيل تحمل المسؤولية كقوة احتلال، كما وطالبت الغالبية العظمى بإنهاء الانقسام، وسحب الاعتراف بإسرائيل، ووقف التنسيق الأمني معها، وإيقاف العمل باتفاق "أوسلو"، بل وحتى اللجوء للعمل المسلح، وذلك رداً على صفقة القرن. في المقابل اعتقدت اغلبية من 68% أن الرئيس عباس لن ينفذ ما قاله ولن يوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل.[1]
لم تجد القيادة الفلسطينية مفراً، بعد ان اعلنت القيادة الإسرائيلية مخططاتها لعملية ضم أراضي فلسطينية تنفيذا لما جاء في صفقة القرن، من تنفيذ ما هددت به مرارا خاصة وانها قد فقدت ثقة الشارع بجديتها بتنفيذ ما تهدد به، كما اصبح لدى القيادة الإسرائيلية مناعة ضد التهديدات التي تعلنها السلطة لأنها تعتقد انها لن تُنفذ. وعليه أظهر الفلسطينيون لأول مرة أنهم جادون في تنفيذ تهديداتهم بوقف العمل بالاتفاقات مع إسرائيل وأوقفوا التنسيق المدني والأمني مع الجانب الإسرائيلي. تشير تقديرات جيش الاحتلال أن التصعيد في المناطق الفلسطينية وارداً جداً على خلفية الضم، حيث أصدر رئيس الأركان كوخافي "انذاراً للقادة العسكريين" بشأن تصعيد محتمل في الضفة الغربية.
من ناحية أخرى هناك احتمال لاندلاع مواجهات مع غزة كرد فعل على ما يحدث في الضفة، على الرغم من أن "حماس" على ما يظهر ستحاول الاستفادة من الوضع القائم لتعزيز سلطتها في غزة وتحقيق استقلال عن رام الله. ويبدو أن إسرائيل ستكون معنية بإفشال أية جهود للمصالحة والوحدة الفلسطينية، ففي السابق كانت السلطات الإسرائيلية تحسب حساب السلطة الفلسطينية في تعاملها مع غزة في القضايا الاقتصادية والمقاصة الخاصة بالقطاع، وربما الآن، وعلى ضوء "التحلل" من كافة الاتفاقات، قد تشعر الحكومة الإسرائيلية أنها هي الأخرى في حل من اتفاق باريس وتبدأ بالتعامل مع غزة ككيان مستقل بما يشمل توريد أموال مقاصة غزة لـ"حماس". وهذا قد يكون من أكبر الإغراءات لحركة "حماس" للمضي قدماً في مشروع إمارة غزة. مع أن الأمور ليست بسيطة في ظل تعقيدات الوضع في غزة ووجود تداخلات ومصالح إقليمية مختلفة قد يكون بعضها دافعاً لإثارة مواجهات مع إسرائيل بين فترة وأخرى.
قد يستخدم تقدير الموقف بشأن التصعيد المحتمل في الضفة كوسيلة للضغط على الحكومة لتأجيل خطوات أحادية متسرعة. ولكن الوضع في غزة واحتمال محاولة استغلال "حماس" للفرصة للذهاب نحو اتفاق مع إسرائيل أوسع من اتفاقات الهدنة التي كان يجري الحديث بشأنها في السابق قد يكون حافزاً لنتنياهو للذهاب نحو تنفيذ وعوده وعدم الاكتراث بالتحذيرات على اعتبار أن غزة هي المشكلة الرئيسة بينما الضفة الخاضعة أصلاً للسيطرة الأمنية الإسرائيلية قد تكون أسهل في الضبط والمعالجة.
الدول العربية:
يعطي "أزرق-أبيض" في الحكومة وزناً أكبر للعلاقة مع الدول العربية وخاصة تلك التي لها اتفاقات سلام مع إسرائيل "الأردن ومصر" وقد عبر عن ذلك زعيما الحزب غانتس واشكنازي. وينص موقف الحزب قبل الانتخابات على أن الضم يأتي بالاتفاق مع الولايات المتحدة والتنسيق مع الأطراف الدولية والإقليمية ذات الصلة. ويبدو أن كلاهما يؤيدان موقف الجنرالات الرافض لفكرة التطبيق الأحادي الجانب فهو حسب تعبير الجنرال احتياط عاموس غلعاد الرئيس السابق للهيئة السياسية- الأمنية في وزارة الدفاع "ينطوي على كارثة بالنسبة لإسرائيل لأنه يمكن أن ينسف العلاقة مع الأردن التي بفضلها تملك إسرائيل حدوداً شرقية آمنة". (يديعوت 13/5)
وهؤلاء في الحقيقة يهتمون كثيراً بالموقف الذي صدر عن الملك عبد الله الثاني في مقابلته مع صحيفة "دير شبيغل" الألمانية في يوم 15/5/2020، والذي قال فيه أن اتخاذ إسرائيل "أية خطوات بضم أجزاء من الضفة الغربية في تموز (يوليو) المقبل سيؤدي إلى صدام كبير" مع الأردن، وحذر من انهيار السلطة الفلسطينية، وأشار الى أن المنطقة في هذه الحال ستشهد "مزيداً من الفوضى والتطرف".
وبالتأكيد يخشى جنرالات سابقون، كغانتس واشكنازي، من إقدام الأردن ومصر على إلغاء أو تجميد الاتفاقات معها. كما يخشون من احتمال ضعف السلطة في الأردن وهو ما يعتبر تهديداً استراتيجياً للأمن الإسرائيلي. ولكن السؤال هنا إلى أي مدى يشعرون بجدية المواقف العربية؛ فلو كانت التقديرات الأمنية والسياسية الإسرائيلية تشير إلى أن موقف الأردن سيذهب باتجاه إلغاء أو تجميد اتفاق السلام مع إسرائيل فإنهم سيعملون كل ما بوسعهم لتلافي هذا السيناريو الأشبه بالكابوس وسيضعون أقدامهم في الأرض لوقف نتنياهو وقد يقود ذلك فعلياً إلى تفكك الحكومة؛ فالسعي الإسرائيلي هو نحو مزيد من التطبيع مع العالم العربي وليس لفقدان ما يوجد بشكل رسمي وعلني. مع أن بعض الدول العربية لا تزال تجاهر بعلاقاتها مع إسرائيل، وخاصة بين دول الخليج والسودان التي لم تقطع صلاتها بإسرائيل حتى بعد إعلان نتنياهو عن عزمه فرض السيادة الإسرائيلية على مناطق في الضفة الغربية.
الحرب مع إيران:
تشير التقديرات الاستراتيجية الصادرة عن معهد أبحاث الأمن القومي التي عرضها عاموس يدلين نائب رئيس المعهد على رئيس دولة إسرائيل رؤوفين ريفلين في 6/1/2020، والتي تتناول التهديدات والتحديات وسيناريوهات الحرب التي قد تخوضها إسرائيل في عام 2020، إلى أن الحرب مع إيران أو ميليشات موالية لها في العراق وسورية أو لبنان أمر وارد. وأن التحدي الأبرز هو التموضع الإيراني في المنطقة ومخاطر مشروع إيران النووي. وأن خطر اندلاع الحرب على الجبهة الشمالية هو بسبب سعي إيران للتموضع هناك وأيضاً تزويد "حزب الله" بالصواريخ الدقيقة ما قد يضطر إسرائيل إلى القيام بضربة استباقية للحزب. كما يشير التقرير فإن التأخر في عقد اتفاق هدنة مع غزة يكرس التأثير الإيراني ويعزز فرص المواجهة على الجبهة الجنوبية.
تشير المعلومات الإسرائيلية أن إيران بدأت بخفض قواتها وإخلاء قواعد عسكرية في سورية، وقلصت حجم نقلها للأسلحة عبر الرحلات الجوية إلى سورية. وحسب مصادر عسكرية إسرائيلية كان هذا بسبب سلسلة الهجمات التي نفذتها إسرائيل على أهداف إيرانية وأخرى تابعة لـ"حزب الله" في سورية وفي العراق مستهدفة الوجود والبنى التحتية والقيادات الإيرانية وليس فقط إحباط تهريب السلاح لـ"حزب الله". وكان وزير الجيش السابق نفتالي بينت تعهد بمواصلة العمليات حتى رحيل إيران من سورية.
حالياً يبدو أن موضوع الحرب مع إيران تراجع بسبب انكفاء إيران التي تعيش أزمة اقتصادية كبيرة بسبب تفشي الكورونا وبسبب العقوبات الأميركية. لكن هذا لا يعني ألا يعود الموضوع إلى جدول أعمال الحكومة في الفترة القادمة خصوصاً إذا إزداد التوتر بين إيران والولايات المتحدة أو إذا قامت إيران باستفزاز كبير لإسرائيل، وأي حرب بين إسرائيل وإيران بصورة مباشرة أو بالوكالة قد تعيق أو تؤجل تنفيذ بعض الخطط الإسرائيلية في الضفة لأنها قد تواجه جبهة غزة كذلك.
الموقف الأميركي:
يلعب الموقف الأميركي دوراً حاسماً في الخيارات الإسرائيلية تجاه الحرب أو السلام بل أنه يساعد في تشكيل الحكومات، وقد حظي نتنياهو بهدايا كثيرة من الرئيس دونالد ترامب ساعدته في الفوز وكسب أصوات اليمين. ولا شك أن موقف ترامب هو الذي سيحدد لإسرائيل إذا ما كانت ستضم مناطق فلسطينية أم لا، ومتى. والاتفاق الائتلافي بين غانتس ونتنياهو يتحدث عن شرط الاتفاق مع الإدارة الامريكية. أي بدون الضوء الأخضر الأميركي لن تستطيع حكومة نتنياهو غانتس فعل شيء.
لكن في ظل الخلاف بين الجمهوريين والديمقراطيين حول خطة ترامب، من الواضح أن نتنياهو قد وضع بيضاته جميعها في سلة ترامب وخسر الديمقراطيين الذين يؤيدون حل الدولتين والاتفاق الفلسطيني - الإسرائيلي بديلاً لخطة ترامب أو لضم أحادي الجانب من قبل إسرائيل. في المقابل يختلف موقف غانتس عن نتنياهو في حرص الأول على عدم معاداة الديمقراطيين وأيضاً في التحسب لاحتمال فوز المرشح الديمقراطي جو بايدن الذي يعارض "صفقة القرن"، خاصة بعد اخفاق ترامب في معالجة أزمة الكورونا ومعدلات البطالة العالية جداً في الولايات المتحدة وأخيراً المواجهات على خلفية تزايد العنصرية.
يرى البعض أن الإدارة الأميركية مشغولة الآن تماماً بأمورها الداخلية وهذا قد يدفعها لعدم دعم خطوات إسرائيلية نحو الضم. فيما يرى آخرون أن حاجة ترامب لدعم الانجيليين تزداد على ضوء المشاكل القائمة وهو بحاجة لخطوة إسرائيلية لتعزز التصويت له. في كل الأحوال إذا شعر غانتس ومجموعته أن فرص ترامب ضعيفة فهذا قد يزيد معارضتهم لسياسة نتنياهو بتجاهل موقف المرشح الديمقراطي، وقد يقود ذلك إلى انقسام في الحكومة وإلى تعطيل الضم أو تصويت جماعة غانتس ضده أو إلى خروج "أزرق-أبيض" من الحكومة.
كما أن هناك أهمية خاصة لموقف يهود الولايات المتحدة الذين هم بصورة عامة يؤيدون خيار حل الدولتين ويتفقون مع الموقف الديمقراطي بغالبيتهم الساحقة، وإذا كان نتنياهو قد تحداهم بمواقفه التي تهدد مستقبل دولة إسرائيل من وجهة نظرهم كدولة "يهودية وديمقراطية" فعلى الأغلب سيهتم بهم "أزرق-أبيض" ولن يتجاهلهم. لكن تأثيرهم يبقى محدوداً وليس بحجم تأثير الإدارة الأميركية.
الموقف الأوروبي:
إن البيان الصادر عن الممثل الأعلى للأمن والسياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، جوزيف بوريل، المنشور في الصفحة الرسمية للاتحاد،[2] والذي يشير إلى أن الاتحاد لا يعترف بسيادة إسرائيل على الضفة الغربية بموجب قرارات مجلس الأمن ذات الصلة وأنه سيواصل متابعة الوضع عن كثب واتخاذ الخطوات اللازمة يمثل بياناً فردياً لا يتضمن إنذاراً أوروبياً جماعياً لإسرائيل لأن السياسة الخارجية لدول الاتحاد تؤخذ بالإجماع. الا أن إمكانية صياغة مواقف واتخاذ قرارات بشكل فردي أو ربما في إطار مجموعة صغيرة باتت مهيأة.
في هذا الشأن لا تستطيع أي حكومة إسرائيلية تجاهل الموقف الأوروبي بسبب أن أوروبا هي الشريك الاقتصادي الأهم لإسرائيل في العالم والذي يمنحها مكانة تفضيلية بدونها ستكون خسارتها فادحة. ولكن الاهتمام الإسرائيلي بموقف أوروبا له علاقة بحجم الضغط الأوروبي والدول المشاركة فيه. وقد يكون هذا موضوعاً مؤثراً لو وصلت إسرائيل رسائل واضحة بعقوبات مؤكدة إذا طبقت سياستها وقد يؤثر كذلك على مستقبل الحكومة.
التوصيات:
بناء على ما تقدم، لا تزال هناك فرصة لتأجيل تنفيذ حكومة إسرائيل لبرنامج تطبيق السيادة على مناطق فلسطينية وبالتالي يمكن تأجيل أو منع الصدام مع الفلسطينيين. في المقابل هناك احتمال ليس صغيراً بأن تقوم أسرائيل بتحدي العالم والقانون والقرارات الدولية سواء بضم جزئي أو كامل، وهذا لن يكون مقبولا من جميع الأطراف الدولية باستثناء الولايات المتحدة التي ستكون شريكة في القرار. فماذا ينبغي أن نفعل؟
أولاً، الضغط لمنع حدوث الصدام بثني إسرائيل عن سياستها المعلنة، وهذا يتطلب جهداً دبلوماسياً كبيراً على الساحتين الإقليمية والدولية، وكذلك على الساحة الإسرائيلية ليس فقط بالتحذير من خطورة السياسة الإسرائيلية وما يمكن أن تسببه من انهيار للأمن والاستقرار في المنطقة، بل بتقديم رؤية فلسطينية تفصيلية تشمل كل قضايا الحل النهائي بما في ذلك وضع خرائط بديلة للحدود ويفضل أن يأتي الرد الفلسطيني في إطار عربي وليس منفرداً، وبرنامج عمل سياسي بديل يمكنه أن يعيد اطلاق العملية السياسية ويحبط خطوات إسرائيل الأحادية الجانب.
ثانياً، وضع خطة عملية لحل المشكلات الناجمة عن قرار القيادة وقف العمل بالاتفاقات وخلق بدائل فلسطينية ملائمة، وتكييف المؤسسات الفلسطينية مع الوضع الجديد. فمثلاً للتعاملات التجارية والمالية يمكن اسناد دور رئيس لمؤسسات القطاع الخاص للتعامل مع الجانب الإسرائيلي وتجنب التنسيق الرسمي معه. كما يجب بناء لجان حماية شعبية في المناطق الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية التي لا تتواجد فيها قوات أمن فلسطينية. كما يمكن بناء بنك معلومات حول الهويات والجوازات الجديدة مع الأمم المتحدة التي يمكن أن تلعب دوراً في حماية حرية حركة المواطنين الفلسطينيين.
ثالثاً، تحقيق الوحدة الوطنية بدعوة جميع الفصائل للتوقيع على ميثاق وطني يقوم على قاعدة عنوان واحد هو التصدي لخطة ترامب والضم الإسرائيلي بدون الخوض في الخلافات والاتفاقات السابقة وخلق آليات للتعاون وبناء الثقة بين الجميع في إطار الشراكة السياسية في صنع القرار وتحمل المسؤولية والنضال المشترك بوسائل سلمية، وقد يتطلب عقد اجتماع للإطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير.
رابعاً، الدفع باتجاه مواقف عربية جادة في معارضة السياستين الإسرائيلية والأميركية وممارسة ضغوط على الإدارة الأميركية، وفضح الدول العربية التي تخرق الإجماع وتقيم علاقات تطبيعية مع إسرائيل، بإعلان مواقف واضحة تصدر عن قيادة منظمة التحرير واستخدام وسائل التواصل الاجتماعي لتنظيم حملات شعبية واسعة وخلق رأي عام عربي.
خامساً، القيام بحملة دبلوماسية في العالم تستهدف الحكومات والبرلمانات ومنظمات المجتمع المدني خاصة في أوروبا وأميركا، والتوجه كذلك للمنظمات الحقوقية ومحكمة الجنايات الدولية للاضطلاع بدورها في حماية حقوق الشعب الفلسطيني. هذا يأتي بالتوازي مع ترتيب أوضاعنا الداخلية بما يدفع العالم لاحترامنا وللتضامن معنا؛ فالوضع الداخلي الفلسطيني والتضامن العربي يعززان الموقف الدولي الداعم لشعبنا.